نتابع، نحن الذين هنا في الجليل، بكل حواسنا القمم العربية المتنقلة بين أقطار عدنان بن قحطان. فهي لحم من لحمنا وضمن خارطة أمانينا. صحيح اننا نعدم مندوباً عنا في هذه القمم حتى ولو بصفة مراقب، لكننا نشعر عند التئام القمم انها قممنا نحن. من موقعنا هنا نراقب وقائعها وما يصدر عنها. وكوننا، هنا، وراء الحدود بالنسبة الى العالم العربي، لا يعني بأي حال من الأحوال اننا مقطوعو الانتماء أو غير شركاء في التطلعات مع مجموعة انتمائنا الكبرى - العالم العربي- لا سيما عندما يتعلق الجزء الأكبر من دوافع انعقاد القمم بالصراع الاسرائيلي - العربي وبالمسألة الفلسطينية، ونحن جزء منها وفيها. والآن، نرنو بعيوننا شمالاً، حيث تعقد القمة في بيروت، ونتابع تفاصيلها. واعترف هنا اننا حصدنا، في الغالب، من ترقبنا المتواتر الخيبات أكثر مما حظينا بالمكاسب وانشراح الصدر. وقد أردت ان أطرح وجهة نظرنا نحن في الداخل الى هذه القمة، بعدما منعنا أو امتنعنا عن فعل ذلك لا سيما اننا كنا طوال عقود عرضة للاجراءات القمعية في حال أشهرنا انتماءنا لأمتنا وترجمناه الى انتماء حي. وحتى تكون الأمور على حد معقول من الوضوح، اخترنا أن نسجل وجهة نظرنا على شكل ملاحظات: 1- الإنصاف للأقلية الفلسطينية في اسرائيل: في كل المحافل العربية أو الاسرائيلية أو المشتركة المفاوضات منذ بدئها وعلى اختلاف المشاركين فيها أو الدولية لا نجد ذكراً للأقلية الفلسطينية في اسرائيل. فلا هي موضوع في أي تفاوض، ولا هي جزء من مشاريع الحلول المطروحة. قد نجد لهذا الغياب مبررات في الوقائع والحيثيات، لكن لا يمكن مواصلة السير في هذا النهج إذا ما أريد وضع حل شامل للمسألة الفلسطينية وللصراع الاسرائيلي - العربي، وتسوية ثابتة تمهيداً لمصالحة تاريخية منشودة. ان الأخذ بأمرنا هنا في أبحاث القمة وقراراتها من شأنه أن يوضح للمؤسسة الحاكمة في اسرائيل انها لا تستطيع ان تستفرد بنا أو تتسلق على ظهورنا في حال أجبرت على الانسحاب من المناطق العربية المحتلة. والأهم، حتى لا تسول لها نفسها اللجوء الى حل دموي ممثلاً بالترحيل والتطهير العرقي في اطار مشروعها القومي وهو الحفاظ بأي ثمن على أن تظل في اسرائيل أكثرية يهودية عظمى، وهو أمر يحظى بإجماع منقطع النظير في اسرائيل، من أقصى اليمين الى أقصى اليسار الصهيونيين! وهذا ما نصت عليه بوضوح "وثيقة كنيرت - اي طبريا" الصادرة في بداية العام عن تجمع حواري لليهود من كل المذاهب والانتماءات يمثلون الخارطة السياسية والفكرية في اسرائيل. فإيجاد حل للمسألة الفلسطينية بتقاسم أرض الوطن وإقامة دولة فلسطينية على جزء من ترابه شرقي الخط الأخضر قد يفتح الملف الفلسطيني من جديد ضمن حدود اسرائيل ما قبل الرابع من حزيران يونيو 1967. في المقابل، يلاحظ التصعيد في العلاقات بين المجتمع الفلسطيني في اسرائيل والغالبية اليهودية فيها ومؤسستها الحاكمة. ونعتقد انه مرشح للتفاقم لأن المشاريع والسياسات الاسرائيلية الرسمية المعتمدة المعلنة والمنفذة لا يمكن إلا أن تفضي الى ذلك. وكذلك التشريعات التي أقرت من حيث تقليص الهامش الديموقراطي والانتظام السياسي والأفكار الترحيلية المطروحة. وأبرزت أحداث تشرين الأول اكتوبر 2000 قتل 13 متظاهراً فلسطينياً واصابة المئات واعتقال آلاف ومقاطعة التجمعات السكنية الفلسطينية اقتصادياً وخدماتياً أن الدولة العبرية لا تتيح المواطنة المتساوية والحوار السلمي للمجتمع الفلسطيني فيها! ونرجح ان أي تسوية للمسألة الفلسطينية على أساس دولتين لشعبين سيدفع قوى اسرائيلية واسعة الى الاعتقاد بشرعية "التخلص" من مواطنيها الفلسطينيين عبر طرح وجوب نقلهم الى "دولتهم" الفلسطينية المجاورة. ولا تعدم اسرائيل نظاماً وفلسفة ومناخاً لقوى فاشية وأوساط قومجية مستعدة منذ الآن للتمهيد، تخريباً وتحريضاً وسياسات، لمثل هذا المشروع. من شأن مقولة واضحة صادرة عن القمة بخصوص الفلسطينيين في اسرائيل وحقوقهم كأقلية ومجموعة قومية لها كامل الحقوق كأفراد وجماعة ان يردع مشاريع اسرائيلية مبيتة، وأن يضمنا الى مجموعة انتمائنا بقوة مانحاً إيانا أمناً وجودياً مفقوداً وثقة بالنفس في مواجهة الحياة في الوطن الذي فرض عليه الزمن العبري عنوة. وقد يكون آن الأوان لتخصيص مقعد في القمم والجامعة العربية لنا نحن الذين في الداخل حتى نكون حاضرين في مواد المؤتمرات وقراراتها وأبحاثها. 2- مبادرة عربية متكاملة تكسر حاجز الخوف الاسرائيلي: لدينا اعتقاد راسخ بأن "الخوف" مركب أساس في الأداء السياسي لاسرائيل، أفراداً وقيادات وجماعة. ولهذا الخوف أسبابه التاريخية والموضوعية وبالأساس المتخيلة المفترضة. فعلى رغم السيادة الاسرائيلية على فلسطين، وعلى رغم التفوق العسكري التقليدي وغير التقليدي الذي تتمتع به الدولة العبرية مدعومة بتحالف استراتيجي من الادارات الأميركية، إلا انها دولة مسكونة بالخوف من الآتي، من العربي والعرب. والتصورات والأساطير التي أنشأتها المؤسسة الحاكمة وقبلها الحركة الصهيونية عن العرب قائمة على التضليل ونزع انسانية الآخر العربي. هذا في وقت تعدم النخب الاسرائيلية الشعور بالطمأنينة بسبب قيام اسرائيل على القوة لا على الشرعية. ففقدان الشرعية في العلاقة مع الذات يغذي الخوف ويدفع المسلكيات والمواقف الناجمة عنه الى الصدارة. وعليه، فمن شأن مبادرة سلام عربية شاملة تصدر عن القمة أن تسهم في فكفكة الخوف الاسرائيلي، وعلى الأقل ان تنسف سعياً محموماً لدى قطاعات محددة من القيادات الاسرائيلية لتغذية هذا الخوف وتحويله الى بان للهوية ومحدد لها ولمواقفها. فمبادرة كهذه يمكن أن تشكل قفزاً فوق القيادات الاسرائيلية لتخاطب المجتمع اليهودي مباشرة وتوفر له أفقاً للخروج من قلعة الخوف التي يتمترس فيها هجوماً وعدواناً. نستدرك للقول انه على رغم كون الفرضيات التي يتأسس عليها هذا الخوف الجماعي خاطئة وتضليلية الا ان الخوف في اسرائيل الشعبية والرسمية حقيقي يحدد السياسات والمواقف. وعلينا كعرب ان نتعاطى مع الامر كمعطى في ساحة التفاوض / الصراع من شأن تفكيكه ان يزحزح الامور. واعلان مبادرة عربية يساهم في صد التضليل الاسرائيلي الرسمي وتشظيته بخاصة عندما تستقدم هذه المبادرة ترحيباً دولياً من واشنطن الى طوكو مروراً ببروكسيل وبكين. 3- الاحتلال ليس النازية: يحلو لبعض الاخوة العرب في المستويات الرسمية والشعبية في التظاهرات التي جرت في العواصم العربية خلال الايام الاخيرة ان يماثلوا بين اسرائيل والنازية، او بين ممارساتها القمعية الدموية والعنف الذي تستخدمه ضد الشعب الفلسطيني وبين الفعل النازي. وفي مثل هذا الاداء العربي اكثر من مجرد خطأ اعلامي او فشل موضوعي في العلاقات العامة، وإن كنت لا استخف بهذين البعدين اصلاً! الصهيونية والسياسات الاسرائيلية ليست النازية على رغم عدوانيتها ودمويتها لا في الواقع ولا في التعريف. اما اليهود نجمة داود السداسية فهم في الذهنية العالمية ضحية للنازية، وكل جمع بينهم وبين الرموز النازية يلعب لمصلحتهم مرتين: الاولى، في الامر تذكير بأنهم الضحية "النهائية" وانهم لا يزالون بحاجة الى التعاطف. والثانية، انزلاق الخطاب العربي في هذه اللحظة الى مواضع لا يمكن ان يكون فيها حوارياً يستدعي التوقف والتعاطي الحر بعقلانية وضمن القنوات الديبلوماسية المتعارف عليها عالمياً. فأي فائدة ترجى من خطاب الربط التماثلي بين النازية واسرائيل في علاقتنا بالغرب، وبالتحديد الاوروبي المسيحي، الذي لا يزال يعيش حتى الآن عقدة الذنب والشعور بالمسؤولية عن حصول الهولوكوست للشعب اليهودي في اطار التطهير العرقي للدولة الالمانية كما فهمها النازيون؟ من شأن هذا الخطاب المساوي بين ما كان في الارض الاوروبية وبين ما يحدث في فلسطين الآن ان يحرج اوروبا وقادتها وان يعقل خطاهم تماماً بحبال وحبائل قادة اسرائيل وابواقها الاعلامية. الاحتلال بشع على حاله، ولا حاجة لانتاج "نازية" و"نازيين" حتى تقشعر الابدان وتتغير المواقف. وقد ارتكبت اسرائيل ما يكفي من بشاعات بحق الفلسطينيين وسائر العرب وصورت كاميرات التلفزيون والشبكات ما يكفي من مشاهد وصور تروي الجرائم الاسرائيلية، وعلينا كعرب ان نبقيها على واقعيتها الراهنة كما تحدث لا ان نعيدها الى زمن مضى حيث التعاطف مع اسرائيل واليهود وصل ذرى السماء. فلافتة تحمل رسم الصليب المعقوف وبجانبه نجمة داود السداسية من شأنها ان تعتم على مشهد طفل فلسطيني قتل بقذيفة دبابة اسرائيلية او مشهد جرافة مدرعة تسوي بيوت رفح بالارض! اما المبادرات العربية للتشكيك في حصول الهولوكوست او طرح الاسئلة عن عدد الضحايا اليهود فيها فهو الذهاب الى النهاية في قلب المعادلة لصالح الدولة العبرية، وان كنا نفهم من هنا انها تعكس نزعة عربية للتشكيك في شرعية الصهيونية ومشروعها في فلسطين باعتبار ان الهولوكوست أمّن "القاعدة الاخلاقية" لمشروع اقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين من خلال "اثم حتمي" كما يحلو لليسار الاسرائيلي ان يدعي! فالمسألة تتطلب الحذر والحد الاقصى من المسؤولية. ان نؤكد اننا ضحية الشعب الذي كان بالامس القريب ضحية النازية ومشاريعها البشعة اقوى واكثر نفاذاً من خطاب المماثلة بين النازية واسرائيل. فقوة الادعاء الفلسطيني والعربي في وضوح اخلاقيته كمشروع تحرر وكنس للاحتلال ووضع حد للعدوان. وقد تذهب هذه القوة الاخلاقية ادراج الرياح في حال اعدنا الجرائم الراهنة ضد الفلسطيني والعرب الى زمن كانت فيه "القوة الاخلاقية" المحرك الذي حرك عجلات الصهيونية ومشروعها الآثم في فلسطين. وتظل عيوننا هنا معلّقة على قمة بيروت. واجتماع القمة وبيروت لهما عندنا اكثر من دلالة. * كاتب فلسطيني، دالية الكرمل.