في حكاية ان امرأتين اختلفتا حول بنوة طفل وطلبتا الى النبي سليمان الفصل في الموضوع. ورد عليهما بأن جسد الطفل سيمزق الى شطرين، لكن أمه الحقيقية صاحت بأنها تفضل تركه للمرأة الثانية على أن يوزع، وما كان من النبي سليمان إلا ان أعاد الطفل الى أمه الحقيقية. مناسبة استحضار الحكاية ذات علاقة بتصعيد الخلاف بين الجزائر والمغرب على قضية الصحراء بالارتباط مع طرح الأممالمتحدة أربعة خيارات ضمنها فكرة التقسيم، وقد يكون من حسنات هذه التطورات ان الملف عاد الى مربعه الأول خلافاً بين الجزائر والمغرب، لكن مساوئها ايضاً أن لا طرف يبدو مستعداً لتغيير موقعه. وهذا يعني طرح احتمالات حول مسار الحل، في ظل اعادة ملف ترسيم الحدود بين البلدين الى الواجهة. وهو تسبب عام 1973 في حرب الحدود بينهما انتقل مطلع عام 1976 الى مواجهة بين القوات الجزائرية والمغربية في منطقة "أمفالة" في الصحراء. الا ان الملك الراحل الحسن الثاني اكد التزام بلاده معاهدة ترسيم الحدود وحسن الجوار في القمة التي جمعته والرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد عام 1989، ما مهد الطريق في الفترة ذاتها لتأسيس الاتحاد المغاربي بين الدول الخمس في منطقة شمال افريقيا. وبعد سنتين على تولي الملك الراحل الحسن الثاني عرش بلاده اندلعت حرب الحدود بين المغرب والجزائر. وبعد نحو ثلاث سنوات على مجيء قيادة جديدة في الجزائر والمغرب تقرع طبول مواجهة جديدة، قد لا تكون حرباً وفق قوانين الحروب وآلياتها المتعارف عليها، لكنها لا تختلف في طبيعتها عن أي تصعيد ينذر بأخطار. وما حدث عبر تداعيات ملف الصحراء في اطار العلاقات الجزائرية - المغربية ان ملف ترسيم الحدود بين البلدين أبعد ما يكون عن قضية الصحراء التي أصبحت من اختصاص الاممالمتحدة منذ العام 1988. بيد ان التهديد بسحب بعثة "المينورسو" كواحد من الخيارات الأربعة قد يعجل تشابك الملفين، الحدود والصحراء، ما حدا بالطرفين المغربي والجزائري الى اعلان رفض هذا الخيار ومعاودة الكلام على الحوار مدخلاً لترتيب العلاقات المتأزمة. المعروف ان قضية الصحراء محور تعبئة شعبية في المغرب. وفي الجزائر عكس ذلك، فهي من مخلفات الحرب الباردة وصراعات النفوذ في شمال افريقيا. لكن ملف الحدود يظل قضية شعبية لدى الجزائريين بصرف النظر عن مفهوم الحقوق التاريخية وأوضاع الحدود بعد الاستعمار. وربما كان الأخطر في المواجهة الديبلوماسية والاعلامية بين المغرب والجزائر ان يحدث الانفلات لأهداف ذات علاقة بالأوضاع الداخلية في البلدين. خلال أقل من شهرين قد تحسم الاممالمتحدة، في طرح أحد الخيارات الملزمة لحل قضية الصحراء، وما عبر عنه الوسيط الدولي جيمس بيكر بالحل غير المتفاوض عليه قد يصبح واقعاً. لكن النزوع الى ضبط النفس يبقى مطلوباً. فقد تعايش المغرب والجزائر على ايقاع نزاع الصحراء، على رغم كل أخطاره، والأرجح ان هذا التعايش أفضل من أي تصعيد، ولا يبدو ان الأوضاع العربية في حاجة الى بؤرة توتر جديدة تزيدها أعباءً وأزمات.