عودة نزاع الصحراء الغربية الى مربع الخلاف بين المغرب والجزائر، كما في تصعيد المواجهة الديبلوماسية والإعلامية القائمة الآن، تطرح أسئلة عدة عن ظروف انهيار المساعي التي بذلتها الأممالمتحدة في تعاطيها مع الملف الشائك. فقد كان منطق الحل يكمن في الاحتكام الى مرجعية تقرير المصير، أكان ذلك في صيغة استفتاء للتعبير عن الارادة يقود السكان الى الاندماج في المغرب أو الى الاستقلال عنه، أو في صيغة حكم ذاتي موسع يتوج باستفتاء. لكن طرح فكرة تقسيم الاقليم خياراً رابعاً كما في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، أو التلويح بانسحاب بعثة المينورسو ألغيا مبدأ تقرير المصير من التداول، ما يعتبر سابقة في التعاطي مع نزاع اقليمي بمثل هذا التعقيد والإشكالية. وعلى رغم أنه من غير الوارد تكريس خطة التقسيم التي يرفضها المغرب، في مقابل رفض الجزائر وبوليساريو صيغة الحل الثالث، فإن الثابت هو ان عودة النزاع الى نقطة الصفر يبرز الى أي مدى يحول تعارض المواقف بين المغرب والجزائر دون إحراز التقدم في جهود الأممالمتحدة لحل النزاع، كذلك استحالة قيام وفاق مغربي - جزائري طالما بقي النزاع الصحراوي قائماً. كما ان اجراءات معاودة تفعيل الاتحاد المغاربي ستظل أسيرة هذه التداعيات. الأزمة الراهنة بين المغرب والجزائر قد تكون الأكثر حدة منذ تولي العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مسؤولية الحكم في بلديهما. ما يعني ان الرهان الذي ساد بعض الوقت حول امكان الافادة من التجربة الجديدة للقائدين آل الى الفشل، ومصدر ذلك ان تعقيدات الملف الصحراوي أكثر تشعباً، وربما كانت من أخطر الأزمات التي تعانيها منطقة الشمال الافريقي كونها طالت أكثر من ربع قرن وألقت ظلال الشك على مستقبل العلاقات المغربية - الجزائرية. فقد توصل البلدان في وقت سابق الى معاهدة حسن الجوار وترسيم الحدود، ومددا العمل بها في فترة انفراج قصيرة. غير أن لا ترسيم الحدود حل خلافات البلدين، ولا هما استطاعا ان يذعنا معاً لمتطلبات حسن الجوار. وليس طرح فكرة التقسيم بعيداً عن مخلفات صراعات الحدود. وينسحب هذا الموضوع على سريان مفعول اغلاق الحدود البرية الى الآن. ولكنه من قبيل تداعيات المراحل الاستعمارية عندما كانت الحدود ترسم في مكاتب مغلقة من دون مراعاة الوقائع التاريخية والمكونات الحضارية لهذا البلد أو ذاك. ما تسبب في استشراء بؤر توتر عدة تسري عليها قوانين الطبيعة في الخمود أو الانفجار كما البراكين أو الزلازل. الغائب في "الحل الرابع" لقضية الصحراء هو مبدأ تقرير المصير باعتباره حجر الزاوية في أي حل ترعاه الأممالمتحدة ويضمن استقرار الأوضاع. والظاهر ان الوسيط الدولي جيمس بيكر، المعروف بتمسكه بفكرة ان لا اتفاق الا اذا كان شاملاً، أراد من خلال وضع الأطراف المعنية أمام أربعة خيارات استخدام منهجية العلاج بالصدمة الكهربائية. والأهم ان الملف عاد الى نقطة الصفر، لكن الوفاق حوله يحتاج الى التخلص من تراكمات عدة، أقربها ان المغرب والجزائر محكوم عليهما بالوفاق الذي يبدأ من معاودة الاعتبار الى مبادئ القوانين الدولية، وفي مقدمها حق تقرير المصير وحق العودة.