حادث الاعتداء الذي تعرض له شباب مغاربة في المهرجان الدولي للشباب في الجزائر ليس عارضاً. إنه حادث سياسي في الدرجة الأولى، وقد يكون هدفه إبراز استحالة التفاهم بين المغاربة والمنتسبين إلى جبهة "بوليساريو". وبالتالي التشكيك في الحل السياسي المقترح، لجهة منح اقليم الصحراء نوعاً من الحكم الذاتي في نطاق السيادة المغربية. فالشباب الذين لم يستطيعوا أن يتعايشوا بضعة أيام في مهرجان ثقافي ورياضي ينشد ترسيخ قيم الحرية والسلام والإخاء، لا يمكن أن يفعلوا ذلك في ظروف أخرى ذات علاقة بالحل الذي ترعاه الأممالمتحدة سبيلاً لإنهاء نزاع الصحراء. ولا يعني الحادث سوى أن بناء الثقة يحتاج إلى جهود مضاعفة لتكسير حواجز نفسية وسياسية قائمة. لذلك كان طبيعياً أن يتخذ الموضوع طابعاً تصعيدياً يهدد مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر، وربما كان الحادث مطلوباً لذاته للخروج من اطار المجاملات السياسية. فالجزائر الدولة وليس الجهة المنظمة للمهرجان، كانت تدرك استحالة أن يمشي المغاربة و"البوليساريون" في استعراض مهرجان من دون مضاعفات. وبالمقدار نفسه كان المغاربة على يقين بأن الجزائر لن تتخلى عن وفد "بوليساريو" في مهرجان إعلامي من هذا النوع، ومع ذلك كان الإصرار على المشاركة بما يعنيه من خلفيات اختبار المواقف حيال التطورات في ملف الصحراء. وعكس صدور بيانين من الخارجية المغربية والجزائرية على حد سواء حال الحذر في علاقات البلدين. إذ كان في وسعهما تبادل الاتهامات عبر وزارتي الشباب والرياضة ما دام المهرجان شبابياً، أو عبر تنظيمات الشباب المشاركين للحؤول دون اضفاء أبعاد سياسية على الحادث الذي نتج عن انفلات أمني بخلفيات سياسية. لكن اللجوء إلى هذا الاسلوب أكد وجود رغبة ما في اقتناص الموقف. ولو لم يحدث ذلك في مهرجان الشباب لأمكن توقعه في نطاق آخر. فقبل أيام هاجم رئيس الوزراء المغربي عبدالرحمن اليوسفي موقف الجزائر ازاء قضية الصحراء بعدما كان يبدي المزيد من التحفظ حيال مسار العلاقات بين البلدين، وجاءت تصريحات عميل الاستخبارات المغربي السابق أحمد البخاري في قضية المهدي بن بركة لتعيد تداعيات حرب الرمال بين البلدين، وقبل ذلك أبدى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة اهتماماً أكبر بملف الصحراء في زيارته الأخيرة إلى الولاياتالمتحدة الأميركية. وكان متوقعاً ألا يمر شهر آب اغسطس من دون تداعيات، فالشهر ذاته عرف هجمات أطلس - انسي التي نفذها أفراد شبكة جزائرية ضد مراكز أمنية في المغرب عام 1994. وتعرضت علاقات البلدين في الشهر نفسه من العام 1999 لأزمة نتيجة هجمات منطقة بني ونيف، ما يعني أن الطقس السياسي بدوره ينطبع بالحرارة والتصعيد. اتهام المغرب للسلطات الجزائرية بأنها اتخذت موقفاً سلبياً من حادث الاعتداء على الشباب المغاربة لا يختزل كل جوانب الأزمة الراهنة. فخلافات البلدين أكبر من الحادث ذاته، والاستخدام السياسي لوقائع مهرجان الشباب كان متبادلاً، فالجزائر كان بإمكانها أن تؤمن الحماية والسلامة لأعضاء الوفد المغربي، كونها الدولة المضيفة. والمغاربة كان في وسعهم أيضاً اعتبار الحادث عارضاً، لكن خلفيات الاستخدام تكمن في اتساع الهوة بين مواقف البلدين، تحديداً ازاء قضية الصحراء. فالجزائر تنظر بارتياب إلى مضمون الحل السياسي المقترح الذي يبعدها تدريجاً عن التحكم في مسار الصراع، والمغرب يدفع في اتجاه تسريع الحل على خلفية الانشغال الجزائري بالأوضاع الداخلية، وجبهة "بوليساريو" تبدو موزعة الولاء بين تأييد حل يمنحها وضعاً متحرراً من الضغوط الجزائرية أو مجاراة الموقف الجزائري المساند الرقم واحد لها. لذلك فإن الحادث الأخير كان مطلوباً لتحقيق متنفس ما، أقله عودة الخلاف المغربي - الجزائري إلى الواجهة. في منتصف ولاية "المينورسو" الراهنة التي ستقود حتماً إلى مفاوضات الاتفاق - الإطار، لم يحدث أي شيء، عدا التعبير عن النيات حيال الحل المقترح. لكن حادث الجزائر، وإن كان شبابياً، فإنه يلقي الضوء على المستقبل. إذ يقال إن الشباب عنوان المستقبل.