انتخابات في الجزائر في الربيع، استفتاء في تونس قبل نهاية العام، انتخابات في المغرب في الخريف... ثلاثة استحقاقات مصيرية ستجعل من السنة 2002 محكاً يؤشر الى مدى استعداد النخب الحاكمة لدفع مسار التحديث السياسي في بلدانها الى أمام. ففي الجزائر تأتي الانتخابات البرلمانية المقررة للثلاثين من أيار مايو المقبل بعد الانتخابات الرئاسية التي تعهد خلالها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة اجراء اصلاحات جذرية والعمل على وقف الحرب الأهلية. لكن المسار الاصلاحي لا يزال معطلاً، فنظام الحزب الواحد تكيف مع التعددية ولم يندثر والجيش عزز قبضته على الحياة العامة، والعنف لا يزال يحصد الأبرياء بمتوسط مئتي قتيل في الشهر. ويمكن القول إن شبح الغاء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات في العام 1990 بسبب فوز "الجبهة الإسلامية للانقاذ" بغالبية المقاعد لا يزال يخيم بظلاله على الحياة السياسية. وطفت أزمات جديدة على السطح في مقدمها الصراع الدائر مع "العروش" في منطقة "القبائل" والذي يشكل اهماله تهديداً للوحدة الوطنية وتفشي أزمة البطالة التي وصلت الى مستويات قياسية. من الصعب التفاؤل بانتخابات شفافة ونزيهة طالما أن الجهاز الذي شكك ستة مرشحين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بصدقيته سيتولى الاشراف على العملية الانتخابية المقبلة، وما دامت أطراف في المؤسسة العسكرية تمسك من وراء الستار بخيوط اللعبة الانتخابية. وفي تونس سيجري استفتاء على تعديل الدستور هو الأول من نوعه منذ الاستقلال أي منذ نحو نصف قرن، والهدف المعلن منه هو التمديد للرئيس بن علي لولاية رابعة تستمر خمسة أعوام لأن الصيغة الحالية للدستور لا تجيز ذلك. وكان التعديل السابق الذي اعتمده مجلس النواب في سنة 1988 في أعقاب عزل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة كرس نقلة مهمة على صعيد التطور الديموقراطي كونه ألغى الرئاسة مدى الحياة وحدد سقف الولايات الرئاسية بثلاث غير قابلة للتجديد. في المقابل لم يمنح مشروع التعديل الحالي صلاحيات جديدة لمجلس النواب ولا حتى للوزير الأول، فرئاسة الحكومة ظلت من مشمولات رئيس الجمهورية، بل هو عزز السلطات الممنوحة لرأس الدولة ما سيزيد من اختلال التوازن بين السلطات، ويترك البرلمان تحت وصاية السلطة التنفيذية من دون أي قدرة على محاسبتها أو فرض رقابة عليها، إذ أنها ليست مسؤولة أمامه وانما أمام رئيس الدولة الذي يعين أعضاءها بمن فيهم الوزير الأول. وفي الوقت الذي تطلب النخبة فتح الباب للتداول السلمي على الحكم وإرساء تعددية تعبد الطريق للتغيير الديموقراطي، يصعب القول ان الاستفتاء الآتي سيشكل نقلة نحو اقامة دولة المؤسسات. ويجابه المغرب الانتخابات المقررة في أيلول سبتمبر المقبل بأكثرية مفككة أنهكتها المشاركة في الحكم من دون الحصول على صلاحيات حقيقية أو تحقيق مكاسب جوهرية تدافع بها عن أدائها. وبعدما فقد الحزبان الرئيسيان في "الكتلة الديموقراطية" الراحلة كثيراً من صدقيتهما وشعبيتهما، تبدو شروط تحقيق التداول أقل بكثير من الآمال التي أشاعتها الانتخابات السابقة 1997، إذ لا توجد قيادة بديلة ترشح نفسها للحلول محل "الأحزاب الإدارية" التي حكمت المغرب طيلة السبعينات والثمانينات. وبات واضحاً أن أساس التعاقد البناء بين المؤسسة الملكية والأحزاب لا بد أن يقوم على استعادة الثقة في الانتخابات ومعاودة بناء الرصيد الشعبي. قصارى القول إن المغرب العربي لا يزال بعيداً عن إقامة دولة المؤسسات التي تشكل جسراً للانتقال للحداثة، لا بل ان بعض "الاصلاحات" المقترحة هنا أو هناك قد تعود بالوضع الى وراء، الى ما قبل ارهاصات الدولة الحديثة التي تزامنت مع نيل الاستقلال... ثم انطفأت شيئاً فشيئاً.