مع دخول البرلمان الجزائري المرحلة الأخيرة من ولايته، مع افتتاح دورته الخريفية أول من أمس، يكون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة دخل مرحلة العد العكسي للحسم في مستقبل الخارطة السياسية. وبعيداً عن منطق "الحسابات التكتيكية" التي قد تفرزها أي مشاورات بين الرئاسة والأحزاب السياسية لاحقاً، فإن تنظيم الانتخابات المقبلة سيحدد، من دون شك، مصير البناء الرئاسي الجديد الذي شرع بوتفليقة في تنفيذه منذ توليه الرئاسة في نيسان ابريل 1999. وللتعبير عن أهمية المواعيد المقبلة، شدد رئيس المجلس الشعبي الوطني الغرفة الأولى للبرلمان السيد عبدالقادر بن صالح على أن الدورة الحالية "ستتأثر بتطورات الساحة السياسية وبالاستحقاقات المقبلة والمهمة". وبحسب بعض المراقبين، قد يتعين على رئيس الدولة أن يحسم، قبل نهاية السنة الجارية، أولوياته السياسية سواء لجهة التعجيل بإعادة تنظيم مؤسسات الدولة باجراء استفتاء على تعديلات جديدة للدستور أو لجهة البدء بمسار جديد للاستحقاقات الانتخابية. وتدعو جبهة التحرير الوطني حزب الرئيس، إلى "ضرورة تنظيم الاستفتاء على التعديل الدستوري قبل أي انتخابات تشريعية أو برلمانية". وأعرب الناطق باسم الحزب السيد عبدالكريم عبادة، في اتصال مع "الحياة"، عن اعتقاده بأنه "من الضروري معرفة صيغة النظام الدستوري الذي يرغب في وضعه الرئيس بوتفليقة رئاسياً أو برلمانياً، ليتم بعد ذلك تحضير القوانين التي تحدد الاستحقاقات الانتخابية". ويعني تنظيم الاستفتاء على التعديل الدستوري قبل الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة اخضاع الهيئة التشريعية والمحلية المنبثقة عن هذه الاستحقاقات، مهما كانت توجهاتها السياسية، إلى التوازنات الجديدة للسلطة التي سترد في الدستور الجديد. وفي هذا الإطار يعتقد رئيس الحكومة السابق السيد أحمد بن بيتور بأن "تغيير الدستور في الظروف الحالية سيؤدي إلى تعميق الأزمة"، وهو لذلك يدعو إلى تنظيم انتخابات رئاسية، في مسعى شامل للانتقال إلى نظام سياسي جديد. ويعزز التوجه نحو اجراء الاستفتاء على الدستور قبل الاستحقاقات الانتخابية رغبة بوتفليقة في إقامة انتخابات نزيهة، وهي الرغبة التي لمح لها كثيراً خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، إذ استنكر بشدة وجود "برلمان ناقص الشرعية". في مقابل ذلك، يعتقد فريق من المراقبين بأن تنظيم الانتخابات البرلمانية، للمرور بعدها إلى الاستحقاقات المحلية، قبل أي تعديل مرتقب للدستور، سيؤدي إلى خلق هيئة تشريعية جديدة قد تعارض مضمون التعديلات الدستورية، وبالتالي تقليص فرص نجاح أي محاولة لإعادة توزيع الصلاحيات في أجهزة الحكم. وفي هذا الإطار، قد تؤدي التحركات السياسية التي تقوم بها الأوساط المعارضة لبوتفليقة إلى ترجيح إمكان حدوث "انتخاب عقابي"، خصوصاً في ظل تردي الوضع الاجتماعي ومخاوف حدوث انتكاسة في الاصلاحات الاقتصادية. وتعمل شخصيات تولت مسؤوليات سابقة في الحكم، مثل مولود حمروش وأحمد طالب الإبراهيمي وسيد أحمد غزالي، على تكريس معارضتها لبوتفليقة بتنشيط الساحة السياسية في هذا الاتجاه. وحتى التيار الديموقراطي الذي يستعد، بشكل أو بآخر، إلى احتواء مبادرة وزير الدفاع السابق الجنرال المتقاعد خالد نزار والمتعلقة بدعوة الجزائريين إلى دعم "المشروع الديموقراطي" وقطع الطريق أمام ما أسماه "المشروع الاصولي" في مسعى يتعارض في مضمونه مع سياسة المصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد، يعتقد رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديموقراطي حزب الغالبية البرلمانية السيد نورالدين طرباق بأن "تنظيم الاستفتاء على تعديل الدستور من صلاحيات الرئيس. وما يهمنا كنواب هو ان تاريخ انتهاء اجال الهيئة التشريعية الحالية محددة بيوم 5 حزيران يونيو المقبل، حتى وإن جرى تنظيم الاستحقاقات خلال شهر آذار مارس المقبل". معلناً رفضه فكرة تنظيم انتخابات مبكرة "لأن وضعية البلد لا تسمح بذلك". ويبدو أن مطالب تنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها تلقى المزيد من اهتمام القوى السياسية، إذ يعتقد رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم حمس السيد عبدالكريم دحمان بأن "استدعاء الهيئة الانتخابية من صلاحيات رئيس الجمهورية. وفي اعتقادنا ان صدقية الدولة تمر عبر تنظيم انتخابات في الآجال المحددة لها، وتمديد عمر البرلمان لا يخدم مساعي الخروج من الأزمة".