كثر الحديث اخيراً عن "بروتوكولات حكماء صهيون" اثر عرض المسلسل التلفزيوني "فارس بلا جواد"، الذي اثارت اسرائيل والولاياتالمتحدة احتجاجات ضده بحجة معاداته للسامية واليهود. وبغض النظر عن المسلسل وما يتضمنه من احداث ثار حولها كثير من الشكوك. الا ان من المهم التوقف امام مغزى هذه الزوبعة الاميركية والاسرائيلية والتعرف الى اسبابها ودوافعها، لأنها أكثر أهمية من قيمة المسلسل سواء الفنية او التاريخية، وذلك لما اثاره حول الكشف عن "بروتوكولات حكماء صهيون" التي وضعها عام 1773 أعتى زعماء المنظمة الصهيونية العالمية من كبار رجال المال والحاخامات اليهود، وصاغها آدم وايزهادبت استاذ اللاهوت والقانون الديني في جامعة انغولدشتات بهدف بسط سيطرة اليهود على العالم خلال قرنين من الزمن، وتحويل غير اليهود عبيداً لهم بعد إثارة الثورات الاهلية والحروب التي تنهك العالم. ومن دون الخوض عميقاً في الاحداث التاريخية التي جرت تنفيذاً لما نصت عليه البروتوكولات نتوقف امام بعض بنودها التي ترتبط بالواقع الذي نعيش، ونرى كيف تم تطبيقها حرفياً لما فيه مصلحة اسرائيل والصهيونية العالمية: أ- من البروتوكول الثاني عن شعارات الحرية والمساواة: "إن الحرية السياسية ليست سوى فكرة لا يمكن ان تصبح أمراً واقعاً، وكل ما يقتضيه وصولنا الى السلطة ان يبشر شخص ما أو هيئة تابعة لنا بالتحرر السياسي بين الجماهير، وعندما تعم هذه الفكرة ستقبل الجماهير بالتنازل عن امتيازاتها وحقوقها، وسنستغل فكرة الحرية في اثارة النزاع داخل المجتمع الواحد، ولا يهم مطلقاً لنجاح مخططنا ان يتم تدمير الحكومات القائمة بفعل قوى داخلية او خارجية لأن المنتصر أياً كان سيحتاج إلى رأس المال وهو بكامله في ايدينا". ويبدو هذا ما وقع بالضبط في الاتحاد السوفياتي السابق وبلدان اوروبا الشرقية التي ثارت على الانظمة الشيوعية وأسقطتها مطلع التسعينات باسم الحرية، ثم وقعت بعد ذلك في الفوضى والحروب الاهلية والانفصالية وباتت أسيرة قروض البنك الدولي، واصبحت عصابات المافيا هي المسيطرة والمتحكمة في مصير هذه المجتمعات وتتزلف حكوماتها الى الدولة العبرية تقرباً من الولاياتالمتحدة، وكانت أول شروط اسرائيل التي نفذت فوراً، فتح باب هجرة اليهود إليها. ب - من البروتوكولين الحادي عشر والتاسع عشر حول شن الحروب: "يجب عند اثارة الحروب ان تثار بطريقة مدروسة، بحيث تتجه مساراتها لتحطيم كلا الجانبين المتحاربين، وبصورة تغرق فيها الامم المتحاربة في الديون التي تتكفل منظماتنا بفرضها وعقدها، ثم توجه مؤتمرات الصلح بعدها في الشكل الذي يمهد لشن حرب جديدة. وهو ما يتطلب احلال عملائنا في المراكز الحساسة السياسية والاقتصادية والعسكرية في اعقاب كل حرب من اجل تنفيذ المهمات التي تعهد لهم بها لسلطتنا الخفية المسيطرة من وراء الستار، وبغرض ان تصل ديبلوماسيتنا الخفية الى درجة من النفوذ والتغلغل، بحيث لا يصبح من الممكن لأي دولة ان تعقد اتفاقاً، او تجري اي مفاوضات من دون ان تكون لديبلوماسيتنا يد في الامر". وتم تطبيق هذا البروتوكول حرفياً في الحربين العالميتين الاولى والثانية، عندما استهدفت المؤامرة من الحرب الاولى اسقاط حكم القياصرة في روسيا واحلال الحكم الشيوعي مكانه، واثارة الصراع بين بريطانياوفرنسا من جهة والمانيا من جهة اخرى. وانتهت الحرب عام 1918 بهزيمة المانيا، بعدما كانت منتصرة. وكانت الشروط المجحفة في معاهدة فرساي التي وضعها ديبلوماسيون يهود امثال يعقوب شي، وناحوم سوكولوف المشرف على اجهزة الدعاية والذي كتب في ما بعد كتاب "تاريخ الصهيونية"، هي السبب في نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939. وفي منطقتنا اثبتت الاحداث ان اليهوديين هنري كيسينجر وزبغنيو بريجنسكي كانا وراء دفع صدام حسين الى شن حربه ضد ايران عام 1980، والتي استنزفت قوى العالم العربي ومزقته طوال ثماني سنوات، وكان من نتائجها التمهيد لحرب الخليج الثانية عام 1990. ج - وثيقة الاستخبارات الكندية حول دور اسرائيل في الحرب العالمية الثالثة: يقول الادميرال ويليام جاي كار في كتابه "احجار على رقعة شطرنج" ص210: "بعدما وصلت المؤامرة الى هدفها في المانيا، اتجهت الى هدفها الثاني: فلسطين، ذلك انهم قرروا جعل فلسطين المحور المستقبلي لمخططاتهم، ونقطة الارتكاز العالمية للمؤامرة التي باشرت العمل تحت قناعها الجديد "الصهيونية السياسية" التي وضعت نصب عينيها هدفين: الأول، اجبار دول العالم على الاعتراف بالوطن القومي لليهود في فلسطين، وبالتالي انشاء دولة مستقلة اسرائيل تكون قاعدة المستقبل التي ينطلق فيها العمل للحرب العالمية الثالثة المستقبلية. ويتمثل الهدف الثاني في تأمين السيطرة على ثروات المنطقة بأكملها. وكانت الخطوة الاولى اصدار وعد بلفور 1917 بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وطرد الاتراك من الشرق الادنى العربي وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين بمعاونة العرب والتمهيد لهجرة اليهود الى فلسطين". وتشكلت لجنة صهيونية في فلسطين لتقديم النصح الى الجنرال كلايتون الحاكم العسكري البريطاني لفلسطين: اعضاؤها ادوين صامويل اليهودي الذي كان أول مدير للاذاعة الاسرائيلية، واسرائيل سيف رئيس لجنة التخطيط الاقتصادية والسياسية، وحاييم وايزمان اول رئيس جمهورية لاسرائيل. ويذكر الكاتب الفرنسي جورج باتو في كتابه "المشكلة اليهودية" ص 38 "إن المسؤولية تقع على عاتق اليهود الذين احاطوا بالرئيس الاميركي ويلسون ورئيس وزراء انكلترا لويد جورج ورئيس فرنسا كليمنصو في عملية قلب معاهدة الصلح الى صلح يهودي". وكانت القضية الفلسطينية الشاغل الاول للدوائر الصهيونية آنذاك، التي لم تنس الالتفات الى عصبة الامم التي نصت معاهدة فرساي على انشائها، وهو ما تفاخر به ناحوم سوكولوف رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني في 25/8/1952 عندما قال: "إن عصبة الامم فكرة يهودية". وكتب حاييم وايزمان في مجلة "جوديشه" العدد 4 لعام 1920: "سنستقر في فلسطين أردتم أم أبيتم. إن كل ما تستطيعون عمله هو تعجيل هجرتنا أو إبطاؤها قليلاً، بيد أن من الخير لكم أن تساعدونا حتى تتجنبوا انقلاب قواتنا ضدكم". أما مهمة اسرائيل في المستقبل فتكشف عنها وثيقة حصلت عليها ادارة الاستخبارات الكندية تتعلق بالمؤتمر الاستثنائي للجنة الطوارئ لحاخامات اوروبا الذي عقد في بودابست في 22 كانون الثاني يناير 1952 برئاسة الحاخام الاكبر ايماتويل رابينوفيتش، وفيها يقول الحاخام المذكور: "يجب أن أبلغكم بأن الهدف الذي ما زلنا نعمل من اجله منذ ثلاثة آلاف عام اصبح في متناول ايدينا، اليوم، وتحتم علينا دنو الثمرة اخيراً ان نضاعف الجهد ونكرس له كل ما اوتينا من عبقرية وخبرة. وأستطيع ان أؤكد لكم الآن أنه لن تمر اعوام قلائل حتى يسترد شعبنا المكان الاول في العالم الذي هو حقه الطبيعي المغتصب منه منذ اجيال طويلة، فتعود بذلك الامور الى طبيعتها، ويصبح كل يهودي سيداً وكل غوييم عبداً. إنكم تذكرون نجاح المنهج الذي طبقناه منذ عام 1930، فتمكنت حملة الدعاية الشاملة التي دبرناها من اثارة الحقد في المانيا ضد الغرب وضد السامية، ثم إثارة الحقد في الغرب ضد الشعب الالماني بسبب العداء للسامية، وهذا هو الخط الرئيسي لمنهجنا الحالي الذي نقوم بتنفيذه الآن ... سيكون الهدف الاول لهذا المنهج نشر العقلية العسكرية والقتالية في اميركا، وسنعمل ايضاً على إلصاق تهمة العداء للسامية بالشعب الروسي، وسندعم بالمال والنفوذ المنظمات التي تتبنى الدفاع عن السامية في اميركا خصوصاً. اما الهدف النهائي لهذه الخطة فهو بالطبع الحرب العالمية الثالثة التي ستفوق في آثارها ودمارها كل الحروب السابقة، وسنعمل على ابقاء اسرائيل حيادية في هذه الحرب حتى تنجو من آثارها، ولتصبح بعدها مقراً للجان التحكيمية والاستشارية والمراقبة، التي سيعهد اليها آنئذ الاشراف على مجموع قضايا الشعوب الباقية. ستكون هذه الحرب معركتنا الاخيرة في صراعنا التاريخي ضد الغوييم، وسنكشف آنئذ عن هويتنا الحقيقية للعالم". ولا نحتاج الى كبير جهد لاثبات ان خطوات تنفيذ هذا المخطط سائرة بهمة عالية سواء على الساحة الاقليمية في الشرق الاوسط أو الساحة العالمية خصوصاً بعد احداث 11 ايلول سبتمبر. * لواء ركن متقاعد وخبير استراتيجي مصري.