تسعى الحركة الصهيونية العالمية وأنصارها طوال الوقت الى استثمار جرائم النازية ضد اليهود كوسيلة للتغطية على جرائم الحرب الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والى إبقاء الصهيونية بعيدة عن تهمة العنصرية العالقة بها منذ ولادتها. وفي الموضوع الأول ألف بعض الكتاب، ومن بينهم اليهودي الاميركي نورمان فنكلشتاين، كتباً ومقالات عن "تجارة الهولوكوست"، وتنشيط تلك "التجارة" خصوصاً بعد حرب الأيام الستة التوسعية التي شنتها اسرائيل على ثلاث دول عربية هي مصر وسورية والأردن في حزيران يونيو 1967، في محاولة لتبرير أعمال الدولة العبرية "الصغيرة" الموجودة في محيط عربي "معادٍ". أما الموضوع الثاني المتعلق بتصوير الصهيونية على أنها حركة للم شتات اليهود في مأوى يعيشون ضمنه في سلام مع جيرانهم، فيفضحه قول مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل في مذكراته السرية ان سكان فلسطين العرب يجب توظيفهم في إزالة الأشواك وقتل الافاعي قبل ترحيلهم الى الصحارى في البلدان المجاورة. وقد درجت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على ترحيل الفلسطينيين وارهابهم بالمجازر خلال حرب العام 1948 وبعدها في دير ياسين وقبية ونحالين وحوسان وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا. واليوم تضم حكومة مجرم الحرب ارييل شارون وزراء يطالب بعضهم علناً، مثل رحبعام زئيفي بترحيل الفلسطينيين جميعاً الى خارج فلسطين وفقاً لسياسة ذات تسمية واضحة الدلالة هي "ترانسفير"، أي "نقل" السكان. ان سعي الصهيونية الى طرد سكان فلسطين من وطنهم من أجل اقامة اسرائيل الكبرى سعي دائم متصل وقديم. فبعد هيرتزل بسنوات، كان حاييم وايزمان الذي تولى رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية في العقد الأول من القرن العشرين يقول انه يريد "ان تكون فلسطين يهودية كما انكلترا انكليزية". وعندما أدرج وعد بلفور في كتاب تشرشل الأبيض سنة 1920 متضمناً عبارة "انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين" رحب وايزمان بذلك قائلاً انه سيحول ذلك الكتاب الأبيض "الى كتاب أزرق"، اي خطة عملية تنفذ على الأرض، مضيفاً: "العرب يجب ان يرحلوا". وماذا نقول عن معاملة اسرائيل للاقلية العربية فيها، أي اولئك الفلسطينيين الذين بقوا في بلادهم بعد نكبة العام 1948 وصار عددهم الآن نحو مليون عربي؟ للمرة الأولى سيحضر ممثلون عن فلسطينيي 48 مؤتمر الاممالمتحدة لحقوق الانسان في مدينة ديربان في جنوب افريقيا الشهر المقبل، ولا شك في ان هؤلاء سيفضحون في المؤتمر، اذا عقد، ممارسات اسرائيل العنصرية ضدهم في كل نواحي الحياة، بما في ذلك قتل 13 منهم في تشرين الأول اكتوبر الماضي عندما تظاهروا سلمياً احتجاجاً على بطش اسرائيل بإخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة. وماذا نقول عن تصريحات لقادة دينيين كبار في اسرائيل تقطر سماً وعنصرية من بينها قول الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحركة شاس الجمعة الماضي ان "المسيح المنتظر سيقذف كل العرب الى جهنم ويبيد الاممالمتحدة ضد اسرائيل وبنفخة واحدة سيطيرهم جميعاً" و"العرب يتكاثرون كالنمل في القدس القديمة... تباً لهم فليذهبوا الى الجحيم". من المؤسف ان مفوضة الاممالمتحدة السامية لحقوق الانسان ماري روبنسون حذرت الجمعة من ادراج موضوع مساواة الصهيونية بالعنصرية في مؤتمر ديربان من دون ان تقدم تفسيراً لتحذيرها. أليس مؤتمر ديربان مؤتمراً خاصاً بحقوق الانسان؟ لكن التفسير لموقف روبنسون جاء من مسؤول كبير في الخارجية الاميركية اشار الى ان بلاده تعارض ادراج الموضوع على جدول اعمال مؤتمر ديربان. وعقبت صحيفة "واشنطن بوست" في اليوم ذاته على تصريحه بقولها انه "رسالة حقيقية الى روبنسون التي تتولى التحضير للمؤتمر". وهكذا فإن الاممالمتحدة تبقى، مرة اخرى، اسيرة لسياسات واشنطن وضغوطها في ما يتعلق باسرائيل التي هي اكبر متمرد على قرارات المنظمة الدولية!