دعا زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني المهندس قلب الدين حكمتيار إلى تشكيل جبهة إسلامية عالمية موحدة لمواجهة "الحرب الصليبية التي أعلنها جورج بوش على العالم الإسلامي في أفغانستانوالعراق والسودان وفلسطين وغيرها". وأكد حكمتيار ل"الحياة" في أول لقاء صحافي منذ اختفائه في إيران قبل نحو عام جرى عبر وسيط أن تواجه القوات الأميركية المصير نفسه الذي واجهته القوات السوفياتية في أفغانستان، ورأى أن واشنطن ستغرق في المستنقع الأفغاني في حال أرجأت هجومها على العراق لأشهر. وحض زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني حركة "طالبان" على عدم الانشغال بالقضايا الهامشية كتفجير أماكن اللهو والالتفات إلى المعركة الأكبر وهي مقاومة القوات الأميركية، نافياً في الوقت نفسه أي علاقة تنظيمية تربط حزبه ب"طالبان" أو "القاعدة". وفي ما يأتي نص الحوار: أعلنت الجهاد ضد القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان، ولكن ليس ضد الحكومة التي أتى بها الأميركيون وهو ما انتقدتك في شأنه حركة "طالبان"؟ - لذلك أسباب عدة أولها ان الحكومة الأفغانية لا تساوي لي شيئاً وليس لها أهمية تجعلنا نلتفت اليها، لذلك لا تستحق أن يعلن الجهاد ضدها. وأعتقد أن ليس من الحكمة أن نضيع الوقت على حكومة ورقية. أما السبب الأساس فهو انه يتعين ديناً وعقلاً أن نميز بين العدو الأصلي من غيره وأن نقسم الأعداء إلى درجات ونتعامل معهم كل بحسب خطورته، ولا يجوز لأحد التشكيك في أن هذه الحكومة ستنتهي تلقائياً حالما ينهزم أسيادها الأجانب، لذلك أوصي "طالبان" بالترفع عن الانتقادات والاعتراضات وممارسة العمل الإيجابي ضد العدو، وتركيز جهودهم ضد القوات الأميركية عبر العمليات العسكرية بدل التفرغ لتفجير محلات أشرطة الفيديو وغيرها، فالمعركة مع الأميركيين وسبب ما نعيشه هو الوجود الأميركي في أفغانستان، ولا بد من القضاء على هذا الوجود وحينها ينهار كل ما يتبعه من أزلام. وعلى "طالبان" ألا تعتقد أن السلطة في البلد في أيدي الأفغان الذين يحملون ألقاباً حكومية ويعملون في مناصب مهمة، اذ ان هؤلاء لا يملكون الصلاحيات، وهم محكومون ومكبلون. هل لديك أي علاقة مع تنظيم "القاعدة"، وهل التقيت أسامة بن لادن بعد عودتك من طهران، وكيف تنظر إلى ما ينسب إليه ويشيد به من عمليات في الولاياتالمتحدة والكويت واليمن وغيرها؟ - لا توجد بيننا وبين "طالبان" و"القاعدة" علاقة تنظيمية، ونعتقد أن من الخطأ حصر المقاومة في البلدان الإسلامية بشخصية أسامة بن لادن، وأن ننسب كل معارضة للولايات المتحدة إليه. أخطأ القادة الأميركيون حين ظنوا أن القضاء على بن لادن قضاء على المقاومة ضد بلادهم، لأن هذه ليست إلاّ رد فعل لسياسات الولاياتالمتحدة الاستفزازية والخاطئة والمعادية للإسلام التي أدت إلى إثارة غضب الشعوب. في امكان الأميركيين قتل المئات من الشخصيات أمثال أسامة بن لادن، ولكن ليس في وسعهم إخماد لهيب المقاومة. ونحن من طرفنا نعلن دعمنا كل حركة تعمل للإسلام وتناضل من أجل إعادة الاستقلال ومساعدة المظلومين والمضطهدين في حروبهم ضد المحتلين. هل تنظر إلى الوجود الأميركي في المنطقة العربية والإسلامية بمثل ما ينظر إليه اسامة بن لادن؟ - إن نظرة الأمة أفراداً وجماعات إلى الوجود الأميركي العسكري والسياسي في الدول العربية والإسلامية واحدة، فالجميع يريد أن تقفل القواعد العسكرية الأميركية وتعمد أميركا إلى سحب قواتها وتوقف تدخلها في شؤون البلدان الداخلية وتمتنع عن مساعيها في جعل البلدان الإسلامية سوقاً لأسلحتها وبضائعها وتتخلى عن فكرة السيادة على العالم. جبهة موحدة هل صحيح ما ذكر عن تعاون بينكم وبين بن لادن و"طالبان"، وهل هناك جهود لتشكيل جبهة موحدة؟ - أنا دائماً كنت ولا أزال أدعم فكرة توحيد كل الحركات والأحزاب الإسلامية على مستوى البلد والعالم من أجل تشكيل جبهة موحدة، وأتمنى أن يتحقق حلمنا هذا على الواقع من أجل تحقيق الهدف المنشود. لكنني أقول، وبكل أسف، أنه لم يتم بعد إجراء أي نوع من المحادثات على مستوى رفيع بيننا وبين حركة "طالبان"، وأنا واثق من أن كل المجاهدين المخلصين سيجتمعون في صف واحد للدفاع عن الدين والعرض والبلد والشعب. هل لديكم اتصالات مع القوى الأفغانية الأخرى وتحديداً في الحكومة، وكيف تفسر وقوف شخصيات جهادية قاتلت ضد الوجود السوفياتي إلى جانب الأميركيين؟ - نتجنب الاتصال مع الجماعات المنضمة إلى الحكومة لأنها وقفت مع أميركا، ولا جدوى من الاتصال بها بعدما وافقت على الهجوم الأميركي، وباتت تعمل داخل إدارة شكّلتها واشنطن، فيما تتولى القوات الأميركية حراسة القصر الرئاسي، وتسيطر القوات الأجنبية على كل مطارات البلاد. ونحن نعتقد أنه لا يجوز شرعاً التعاون مع المحتلين، كما لا يجوز العمل في هذه الحكومة لأنها عميلة، فالإسلام لا يسمح للمسلم بأن يعيش ذليلاً صاغراً أمام الكفار والمعتدين، وأرى أن أفغانستان حالياً تصنف ك"دار حرب"، ويجب على الأفغان جميعاً إخراج القوات الغازية من أرضهم. ومن غير الممكن أن نصل مع الذين وقفوا مع أميركا إلى حوار لأن لا فائدة ترجى من الاتصال والحوار معهم، وهم أنفسهم وقفوا مع الروس سابقاً، وكانوا يحصلون منهم على أسلحة ومساعدات مالية. هل تعتقد أن رسالتك الأخيرة إلى الكونغرس الأميركي أتت ثماراً؟ - كان الهدف من تلك الرسالة كشف الحقائق التي يتستر عليها قادة أميركا ويخفونها عن شعبهم وعن العالم. وأود أن أوضح للعالم بأن الولاياتالمتحدة لم تكسب شيئاً من هجومها الغاشم على أفغانستان، وقادة أميركا يعرفون تجربة الكرملين في أفغانستان وسيواجهون المصير نفسه، اذ انهم وقعوا في مستنقع يصعب عليهم الخروج منه، وسيواجهون مشكلات لا قبل لهم بها، والدليل انهم بعد عام على عدوانهم يتعرضون لهجمات المجاهدين وبدأت العمليات المضادة تشتد يوماً بعد يوم. ما هي العمليات التي قمتم بها حتى الآن، وما هو وجه المقارنة بين عملياتكم والعمليات التي كنتم تقومون بها ضد السوفيات؟ - أدعو الله أن يجعل مشاركتي في الجهاد ضد الأميركيين أعظم من مشاركتي في الجهاد ضد الروس، وأن يكون حظي في هذا الجهاد أكبر بكثير، وأتمنى أن يعدني الله مشاركاً في جميع العمليات التي قمت بها ضد أميركا والتي ستحصل في المستقبل. وفي عملية حسابية حين نقارن عدد العمليات التي وقعت في الأشهر الأربعة للغزو السوفياتي لأفغانستان مع الفترة نفسها للغزو الأميركي، ندرك أن العمليات الحالية أكثر بكثير من حيث العدد والخسائر، اذ طبق المجاهدون كل ما تعلموه من خبرة ومهارة وحنكة عسكرية أيام حربهم ضد السوفيات. كيف تقوّم السياسة الباكستانية تجاهكم، وهل هناك تعاون مع دول الجوار في حربكم ضد الأميركيين؟ - الشعب الأفغاني يحمل في قلبه مرارة من كل الدول التي ساعدت أميركا في عدوانها على أفغانستان. فروسيا والصين لديهما مشكلات بسبب وجود حركات إسلامية مناهضة لهما ورأتا في الحكومة الإسلامية في أفغانستان سبباً في مشكلاتهما فتعاونتا مع أميركا، وكذلك فعلت إيران، أما باكستان فهي داخلة في لعبة المنافسة مع الهند وروسيا وإيران، وترى نفسها مضطرة للوقوف إلى جانب أميركا في كل صغيرة وكبيرة، فدعمت الولاياتالمتحدة في تشكيل حكومة التحالف الشمالي ولم تمانع في القضاء على حركة طالبان أسستها وأوجدتها. الشعب الأفغاني في كفاحه لا يأمل في أي دعم أو مساندة من البلدان المجاورة ولا من العالم، وسيواصل المقاومة بفضل الله، ومعتمداً على ما يملك من أسلحة وعتاد. وربما بعدما تقوى المقاومة ويتيقن جيراننا أن أميركا تواجه فشلاً ذريعاً وليس أمامها إلا الانسحاب تبادر بعض الدول إلى دعم المقاومة، وهذا ما وقع إبان الغزو السوفياتي لبلادنا. هل تعتبر نفسك مستهدفاً أميركياً ، وما رأيك في تفتيش مخيم شمشتو الذي يوجد فيه أتباعك من قبل الأمن الباكستاني والأميركي؟ - أود هنا ذكر نقاط عدة قبل الاجابة عن السؤال، وهي ان الولاياتالمتحدة تعادي كل شخص إسلامي وكل قوة إسلامية. وهي كانت تساعد الائتلاف الشمالي ثم دعمت "طالبان" في معارضتها لنا. وهي أجبرت الحكومة الإيرانية على اصدار قرار بإخراجي من إيران وطلبت منها ألا تقوم بما يجعلني أقع في فخ أميركي وأقع في الأسر، لكنني خرجت بقرار مني ومن دون إبلاغ المسؤولين الإيرانيين وقدمت إلى أفغانستان وهذا ما لم ترتضه أميركا، وصرح زالماي خليل زاده ممثل الرئيس جورج بوش في أفغانستان بأن إخراج حكمتيار من إيران لا يدل على حسن نية الإيرانيين. وبعد عودتي إلى البلد قامت القوات الأميركية بهجوم صاروخي مباغت عليّ وأعلن رئيس الاستخبارات الأميركية جورج تينيت عن تنفيذ الهجوم بواسطة طائرة من دون طيار، ما أدى الى مقتل أربعة من أنصاري، وأيد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الهجوم، وكذلك فعل بوش حين قال إن أميركا لا تمانع من الهجوم على كل من يهدد مصالحها. اذ يعتقد الأميركيون بأن الهجمات على جنودهم ومراكزهم بدأت بعد عودتي إلى البلاد، وبعدما أعلنت الجهاد ضد القوات الأجنبية الغازية لأن "طالبان" و"القاعدة" في رأيهم ليستا قادرتين على تنفيذ مثل هذه العمليات ولذلك ينسبونها لي. لذلك قامت القوات الأميركية بالبحث والتفتيش الشامل واجتاحت محافظات من أجل البحث عني وفتشوا نورستان ووردك وميدان وغزني وبعض المناطق في لوكر وكانوا يقولون لكل مسؤول ولاية يأتون إليها بأننا عرفنا أن حكمتيار هنا ورصدنا مكالمات هاتفية له وجئنا نبحث عنه. ما هي خسائر الأميركيين حتى الآن؟ - يتجاوز عدد القتلى والجرحى من الجنود الأميركيين 670 جندياً وتقدر خسائرهم في الأرواح بمعدل خمسة أشخاص يومياً بين قتيل وجريح، وبدأت هذه النسبة بالارتفاع أخيراً. كيف تنظر إلى فوز الأحزاب الإسلامية الباكستانية؟ - هذا تطور إيجابي، ونحسب هذا الفوز من المستجدات الإيجابية على الساحة لذلك نحن مسرورون بأن الشعب الباكستاني صوت للأحزاب الإسلامية، والبيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأفغانية وعبرت فيه عن قلقها من نجاح ما وصفها ب"الأحزاب المتطرفة" لا يمثل الشعب الأفغاني المسلم، ومثل هذه التصريحات ليست إلاّ محاولة لإرضاء الولاياتالمتحدة. وتنبغي الإشارة الى أن سقوط "طالبان" على أيدي الأميركيين أضعف معنويات المؤمنين، لكن هذه العزيمة سرعان ما عادت بعد بدء المقاومة وإن شاء الله ستقوى بعد هزيمة أميركا على أرض أفغانستان. ما هو موقفكم من الاستعدادات الأميركية لضرب العراق؟ - لا نفرق بين الهجوم على أفغانستان والهجوم على العراق، وقلنا سابقاً ان مصير العالم الإسلامي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالحرب على أفغانستان، فإذا نجحت أميركا، لا سمح الله، في هذه الحرب وتمكنت من تحقيق أهدافها، سيصعب عندها وجود مقاومة أخرى ضد أميركا في أي بلد آخر، وبعد نجاحها في أفغانستان ستلجأ الى شن حرب شاملة على كل الدول التي تصنفها ضمن "محور الشر" و"الدول المارقة". ولكن اذا انهزمت القوات الأميركية في أفغانستان سيكون العالم الإسلامي في أمن وسلام من شرها ولن تتجرأ على الهجوم على أي بلد آخر. وأريد ان أشدد على ان امكانية نجاح المقاومة في أفغانستان أكبر من أي بلد آخر، وما هو ممكن ومتيسر هنا غير ممكن في مكان آخر، وإنني على يقين بأنه في حال أرجأ الأميركيون الهجوم على العراق ولم ينفذوه في الأشهر المقبلة فإنهم سيواجهون حالاً سيئة جداً في أفغانستان وسيقعون في مستنقع لا يمكنهم الخروج منه، وحينها لن يبادروا إلى الهجوم على أي بلد. "صدام حضارات" هل ترى أن هناك "صدام حضارات" بدأ بالفعل؟ - نعم، بدأت بالفعل الحرب بين الحضارات وستستمر هذه الحرب إلى الأبد، وأظن أن الذين ينكرون هذه الحرب ويرفعون الشعارات للمصالحة والتفاهم والحوار بين الحضارات يخدعون العالم ويخدعون أنفسهم، وإن شعار المصالحة والتعاون عبارة عن شعارات غربية ترفع للقضاء على المقاومة. الحضارة الغربية شنت حرباً شعواء على الحضارات الأخرى والغربيون يطالبون غيرهم بالاستسلام وعدم المقاومة، ويريدون أن تكون حضارتهم هي السائدة في العالم. والا ماذا تعني المصالحة في وقت يشن الغرب حربه علينا. أين التفاهم بعدما أقامت أميركا قواعد عسكرية في كثير من البلدان الإسلامية، واحتلت بالقوة أهم النقاط الاستراتيجية في العالم، وأعلن بوش حربه الصليبية، وادعى رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني انه هزم الشيوعية وسيهزم الإسلام، وصرح وزير الخارجية الألماني بأن الغرب لن يقبل سلطة الشريعة في أفغانستان؟ هم يسعون إلى فرض نموذجهم في الحياة على الشعوب الفقيرة. هل تتفق مع أسامة بن لادن أن الحرب الحالية حرب صليبية؟ - لا شك في أن هذه حرب صليبية، وما يجري في فلسطينوأفغانستان والسودان والحرب المحتملة في العراق كلها حلقات في سلسلة الحروب الصليبية التي أعلن عنها جورج بوش.