سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحزب الشيوعي أقام شعائر مؤتمره السادس عشر وتقيد بوصية "بطريركه" وأحل قيادات "شابة" محل المسنة . الانقلابات العاصفة للمجتمع والاقتصاد في الصين يترجمها "التمثيل الثلاثي" ترجمة قاصرة وكاريكاتورية
لم يتغير شيء تقريباً في شعائر المؤتمرات الحزبية الشيوعية الحاكمة منذ نحو ثمانين عاماً، يوم حظرت قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي على الحزبيين انشاء التيارات والتكتلات داخل الحزب، بعد ان كانت حظرت على غير الحزبيين انشاء الأحزاب، وانفرد الحزب الشيوعي بالسياسة والدولة والأفكار والإنتاج والتوزيع. ولا يخرج الحزب الشيوعي، وهو يعقد مؤتمره السادس عشر 8 تشرين الثاني/ نوفمبر -14 منه أو يحتفل به، عن النهج المعروف والمتبع. فهو يجمع نحو 2100 مندوب وراء أبواب "المدينة المحظورة" أو "الممنوعة" الامبراطورية، على مقربة من ساحة تيين آن مين، ساحة بيجينغ بكين الحمراء، طوال سبعة ايام تامة. أنباء المؤتمر فلا تنبئ بالمؤتمر العتيد غير الأعلام الحمراء التي رفعتها بلدية العاصمة على الطرق المؤدية الى الساحة، وغير الطوق الذي ضربه رجال الشرطة على الساحة الكبيرة وجوارها. فانتشر رجال شرطة، في زيهم الرسمي أو في زي عادي ومدني يحجب وظيفتهم وعملهم عن الأنظار، وأحاطوا المكان، ومنعوا الفضوليين وأصحاب الآراء المختلفة من الاقتراب من المباني الرسمية. فأبعد رجال الشرطة صينياً أراد اظهار انكاره امراً لم يرقه. وأوقفوا مصوراً التقطت عدسته الحادثة، وصادروا شريط التصوير من آلته. وتعقبوا ستة محتجين لم يجمع بينهم إلا تظاهرهم، كل واحد على حدة، خارج مجلس الشعب الذي يستقبل المؤتمر. وسبق التئام المؤتمر اعتقال معارضين معروفين يتحدرون من "موجة" 1989 التي قتل منها الجيش الأحمر الصيني نحو ألفين في ساحة تيين آن مين "الحمراء". وأبعدت سلطات الأمن عدداً كبيراً، يعد عشرات الآلاف، من المتسكعين، والفلاحين اللاجئين الى المدينة، والعاملين الموقتين الذين لا يعرف لهم مأوى ثابت. وبذلك خلا الجو لمندوبي قواعد الحزب الذين يعدون، على ما يقال، ستين مليوناً من الحزبيين. وصار في وسع المؤتمرين الانصراف الى اظهار "علاقة الدم واللحم بين الحزب والشعب"، على ما نوّه الأمين العام المودع، جيانغ زيمين، في مؤتمر لا يكدره غريب، ولا يقلقه متطفل. وعلى رغم اضطلاع المؤتمر بالخطط السياسية والاقتصادية و"النظرية" المنوط بها رسم مستقبل الصين القريب خيمت سرية صفيقة على الإعداد للمؤتمر، وعلى افتتاحه، وبالأحرى على انعقاده. فلم يتح للصحافيين دخول قاعات المؤتمر إلا "وقتاً قصيراً"، على قول وكالات الأخبار، هو الوقت الشعائري او المسرحي الظاهر من فصول المؤتمر. فألقيت بعض الخطب. وتولى إلقاءها على مسمع من الصحافيين المحليين والأجانب، بعد تقرير الأمين العام رئيس الجمهورية ورئيس اللجنة العسكرية المركزية الحزبية حكام الأقاليم. وتقضي الشعيرة الثابتة ان يكون اول المتكلمين والخطباء رأس الحزب، الذي لا حزب غيره. اما رأسه ف"جماعة" هي لجنة المكتب السياسي الدائمة وتعد سبعة اعضاء من 21 عضواً. وعلى هذا تكلم جيانغ زيمين، المندوب الى رئاسة الحزب والدولة، ثم القوات المسلحة في 1993، منذ ثلاث عشرة سنة، غداة سحق الحركة الطالبية في الساحة الحمراء. وندبه، يومها، الى الرئاسة "بطريرك" الحزب الشيوعي الصيني، بعد القائد المؤسس والمرشد ماوتسي تونغ، دينغ هسياو أو شياو أو زياو بينغ. ودينغ هو خليفة ماو غير المعين. ولم يخلف سلفه "الكبير" إلا في 1978، غداة عامين وبعض العام على وفاة السلف. فطرد دينغ الخليفةَ المعين، ولا يدرى على وجه الضبط مَن عيّن هُووا غو فينغ هل هو الأمين العام الراحل ام "عصابة" على رأسها أرملة ماو وبعض خلصائها وحل محله. وابتدأ حركة "تحديث" الصين. فابتكر فكرة "السوق الاشتراكية". وهي سوق رأسمالية خالصة، دعا دينغ رأس المال الأجنبي، أي الأوروبي والأميركي والياباني، الى الاستثمار فيها والتملك والإتجار. واشترط ان يميز "الإصلاح" الاقتصادي من السياسة. فتترك هذه الى الحزب الشيوعي وقيادته، ولا يشارك القيادة الحزبية شريك من الصينيين طبعاً. وبقي دينغ بطريرك الحزب الشيوعي الصيني، وكان بلغ التسعين، بعد اعتزاله المناصب الحزبية. وفي الأثناء عزل من كان تنسم فيهم القيادة، ثم لامهم على "ضعفهم" ومماشاتهم، فوق ما يحتمل الحزب ويقتضي انفراده بالسلطة، حركة المطالبة الديموقراطية الطالبية. وأوكل الى الرئيس المنصرم منذ البارحة، جيانغ، الأمانة. ولم يقتصر استخلافه على جيانغ، المالك سعيداً منذ ثلاث عشرة سنة. فاستخلف خليفة خليفته، اي خليفة جيانغ. وهو ليس غير هو وتلفظ رو، على قول من لهم علم بالصينية جينتاو، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، ومقدَّم القيادة منذ 14 تشرين الثاني مساء. وقضى دينغ، فيما قضى فيه قبل وفاته، بترك من بلغوا السبعين من قادة الحزب، إبان انعقاد المؤتمرات - وهذه تعقد مرة كل خمسة اعوام - القيادة، اي عضوية المكتب السياسي. ولا تزال كلمة دينغ نافذة الى اليوم. والتقيد بنظام الخلافة على مقتضى السن يبلغ هوجينتاو الستين في اوائل 2003 حين انتقال منصب رئاسة الجمهورية إليه، وترك جيانغ 76 عاماً ورئيس الوزارة زو رونجي 74 عاماً، ورئيس المجلس النيابي لي بينغ 74 عاماً، مناصبهم في مؤتمر واحد، قرينة على دوام "حكم الصين من وراء القبر"، على قول احد مراقبي السياسة الصينية. فحتى "التجدد"، وإيلاء المناصب من هم في سن "فتية"، يجريان مجرى الامتثال لوصية الآباء والجدود والموتى العظام، والإجماع على هذا الامتثال. ويطمح جيانغ الى النسج على منوال سلفه، اي الى التقاعد ظاهراً، وتوريث مناصب قيادية عالية وراجحة الى انصاره ومريديه. فتبقى كلمته نافذة، وهو على قيد الحياة ولو من غير منصب. وهو يؤثر ان يجمع الكلمة النفاذة التي يتمتع بها المسنون العقلاء في التقليد الكونفوشيوسي، الى المنصب العالي الذي يشرف، من غير تشاوف، على اللجنة العسكرية المركزية الحزبية. و"إبقاء القيادة المطلقة للحزب في القوات المسلحة" ركن ثابت من اركان "فكر ماوتسي تونغ"، أو معلم بارز من معالم دليل الحزب الشيوعي الصيني الى الانفراد بحكم الصين وهذا معنى "فكر ماوتسي تونغ" العملي. وعلى هذا "الأساس" يتمنى جيانغ الإشراف الأعوام الباقية، وهي قد تطول الى عشرة او اكثر، قبل بلوغه الأجل. وفي انتظار حسم المسألة في الأشهر الثلاثة الآتية - فالخلافة العاجلة والمحسومة موضوعها القيادة الحزبية او الأمانة العامة، اما رئاسة الدولة ورئاسة اللجنة العسكرية فمؤخرتان الى آذار مارس 2003 - اعد جيانغ وأنصاره العدة "الفكرية" لتخليد إرثه. فعمد، قبل سنتين، الى رفع لواء إسهامه في "الفكر" الذي يقود الصين في طريق القوة والازدهار. وسهم جيانغ في جعبة القيادة الشيوعية الصينية هو ما يسميه "التمثيل الثلاثي". وهو يدعو الى دخول الفئات الرأسمالية الجديدة، من اصحاب الاستثمارات والكفاءات المهنية والتقنية العالية، الحزب الشيوعي. ويشترط عليها، في آن ومن غير فصل او تمييز، "موافقتها الفورية على برنامج الحزب الشيوعي ونظامه"، وسياساته. فيجمع الحزب الشيوعي لفظاً، بين الثبات على السنن الراسخة، اي على احتكار السلطة، وبين استقبال الجديد وتحولاته العاصفة في الاجتماع والاقتصاد. وجزء من المؤتمر السادس عشر، وهو الجزء الظاهر، تناول اخراج الخلافة، ومتعلقاتها المعنوية، اخراجاً مسرحياً أو صحافياً وتلفزيونياً. وعلى هذا، تكلم جيانغ ساعة ونصف الساعة. وكان نظراؤه في الأحزاب الشيوعية، ولو غير حاكمة، يتكلمون ثلاث ساعات الى خمس وقصب السبق معقود، ولا يزال، لفيديل كاسترو وساعاته السبع التي قد تطول الى اثنتي عشرة ساعة. فردد ما لم يفاجئ احداً. وإذا "جدد" بعض الشيء، فتكلم على أعوام ولايته الحزبية كلها، الثلاثة عشر، ولم يقصر كلامه على الأعوام الخمسة المنقضية منذ مؤتمر 1997، فإنما ذلك لأن ساعة الاحتجاب حانت. ويليق بالمحتجب التكريم. وآية التكريم الإقرار الظاهر، بالإجماع، بإسهام الأمين العام "الفكري" أو "النظري"، وإدراجه دستورَ الحزب على صورة حلقة جليلة تتهادى في معية الحلقة الأولى، "فكر ماوتسي تونغ" المتصل من غير وسيط ب"الماركسية - اللينينية"، أم العلوم أو العلم الأم، ثم الحلقة الثانية، "إصلاحات" دينغ زياو بينغ. وتقيد المؤتمرون بالمراسم هذه تقيداً بعث المراقبين على العجب. ففي وسط تظاهرات انقلاب بعض الصين، اقتصاداً واجتماعاً، رأساً على عقب، اقام المحتفلون على شعائر ترقى الى عهود "الركود" أو "الاستنقاع"، على ما سمى غورباتشوف، السوفياتي الأخير، وأنصاره الأعوام التي تولى الحكم فيها الطاقم الذي فوّت على الاتحاد السوفياتي السير في ركاب "العصر". فلم يكد الأمين العام المنصرم يقرأ تقريره، وهو مزموره المكرر والمحفوظ، حتى وقف حكام الأقاليم والمحافظات والمناطق، ولا سيما "الاقتصادية الخاصة" منها وهي المناطق "الحرة" والمشرعة على الاستثمارات الأجنبية والخاصة، يعقّبون على خطاب جيانغ، شارحين ومفصلين ومادحين من غير تحفظ. ويقتصر الشرح على الموافقة، وعلى تحقيق احكام الأمين العام... العامة، وحملها على وقائع الإقليم. فإذا ذهب الأمين العام الى ان الصين، صينه، شهدت تحولاً وتقدماً في عهده، ردد حاكم اقليم سيتشوان ان نسبة نمو اقليمه في الأعوام المنصرمة لم تقل عن 7،9 في المئة، وهي تزيد 4،2 في المئة على المتوسط الوطني. ولم تعصم الأمانة العامة، على علو شأنها، الأمين العام الجديد، هوجينتاو من تلخيص المؤتمر كله و"موضوعه" في "إعلاء شأن الماركسية - اللينينية وفكر ماوتسي تونغ وفكرة التمثيل الثلاثي". فهو، شأنه شأن السيدة وانغ يينشيانغ، 40 سنة مندوبة اقليم شانتونغ و"الطالعة" الى بكين اول مرة في العمر، "سعيدة جداً في كونها هنا". فإذا اجمع المندوبون، من السيدة وانغ، الناشطة القاعدية، الى الأمين العام ورئيس الجمهورية الوشيك وربما رئيس اللجنة العسكرية المركزية، السيد هو، على موضوع المؤتمر هذا، فكيف تعقل استجابة نداء المرشد الأول، والامبراطور الشيوعي فعلاً، ماوتسي تونغ، الى الفنانين والأدباء والكتّاب والمثقفين الصينيين في 1956، غداة سبعة اعوام على دخول "جيش الفلاحين" الماوي بيجينغ وشنغهاي، "لتتفتح مائة زهرة! لتصطرع مائة فكرة!"، على ما دعا جيانغ في تقريره؟ التفاؤل العسير وغني عن القول والبيان ان موضوعات المائة زهرة العتيدة، او المائة فكرة، ما على المؤتمرين، او عامة الصينيين، إلا إلقاء نظرة سريعة حولهم حتى تتصدى موضوعات الخلاف والمناقشة لأنظارهم. ف"الإصلاح" الذي خلصه دينغ من عقاله الشيوعي، ومن قمقم ماوتسي تونغ الاقتصادي والاجتماعي الى القمقم السياسي القائم والمستمر، ادخل الصين، اي البليون وثلاثمئة مليون صيني وهم خمس البشرية، دوامة الرأسمالية وانقلاباتها العاصفة. وأخرج من العطالة الإنتاجية والتجارية، ومن الشلل الديبلوماسي والسياسي الدولي، مشطراً عظيماً وهو عظيم كماً ونوعاً من بشرية القرن العشرين. وترتبت على الإدخال والإخراج مشكلات يناسب تعقيدها ثقل الصين الجديد، وكثرة مداخلها الى العالم. فغداة ابتداء الصين فتح اسواقها، في 1980، كان البليون صيني الذين عدتهم يومها، يتزايدون زيادة سنوية معتدلة بلغت 4،1 في المئة، مع مؤشر خصوبة مرتفع بلغ 9،2 من الولادات. وأدت الحملة "المالتوسية" القسرية الرسمية التي حضت الأسر الصينية على الاقتصار على ولد واحد، وعلى تأخير سن الزواج حتى سن الثلاثين، الى هبوط نسبة الزيادة السكانية الى نصف ما كانت عليه قبل عشرين سنة، فبلغت 7،0 في المئة. ونزل مؤشر الخصوبة الى ولادة واحدة وثمانية اعشار الولادة. فلم يزد عدد السكان في ثلاث عشرين سنة "إلا" نحو ثلث العدد الإجمالي وفي الأثناء بلغت الزيادة المصرية ثلثي عدد السكان، وهي نسبة الزيادة الهندية، وبلغت الزيادة الإيرانية ثلاثة ارباع عدد السكان.... وبلغ متوسط الحظ في البقاء على قيد الحياة من اقل من 66 سنة بقليل الى اكثر من 71 سنة بقليل. فنجم عن هذا هرم السكان، مع ما يترتب عليه من تعاظم تكلفة الخدمات الصحية والطبية، ومن وطأة إعالة المسنين على من هم في سن فتية وهي وطأة اجمالية وحسابية وإن لم تكن بالضرورة شخصية. وتدل القرائن الى ان الإنفاق الاجتماعي لم يساير الإنفاق الاستثماري المستقر على 3،36 في المئة من الناتج الإجمالي منذ نصف عقد، وكان نحو 28 في المئة قبل عقدين، ولم يجار نسبة النمو السنوي، المترجمة بين 3،9 في المئة، طوال الثمانينات ومعظم التسعينات، وبين 3،7 في السنتين الأخيرتين. وتضاعف تصدير السلع عشرة اضعاف بين 1986 5،25 بليون دولار و2001 249 بليوناً. وزاد استيرادها ستة اضعاف من 35 بليوناً الى 215. اي على قدر زيادة الناتج الإجمالي للفرد الواحد من 464 دولاراً الى 3996 في 1980 - 2001. وأما نسبة الإنفاق العام في التربية فلم تتعد 2،2 الى 3،2 في المئة من الناتج الإجمالي الداخلي طوال الأعوام الثلاثة عشر الماضية، وبلغ الإنفاق العسكري 3،5 - 4،5 في المئة، في السنتين الأخيرتين. ولم يقل عن 5،3 في المئة في عقد التسعينات. وطرأ التغير الأعمق على توزيع اليد العاملة. ففي غضون اقل من جيل واحد نزل العاملون في الزراعة من فوق الثلثين 9،68 في المئة الى اقل من النصف 9،46 في المئة. واستقر العاملون في الصناعة على 5،18 - 5،17 في المئة طوال 22 سنة. اما العاملون في الخدمات، من مكاتب ومصارف وتسويق وتجارة ودعاية ودراسات ووساطة، فزاد عددهم ثلاثة اضعاف من 6،12 في 1980 الى 6،35 في 2001. فعددهم هو ضعفا عدد "الطبقة العاملة" العتيدة. ولا ريب في ان هذه الزيادة، وهي التغير الأوسع والأعرض بين التغيرات الاجتماعية والاقتصادية منذ ابتداء "الإصلاح"، هي احد دواعي "التمثيل الثلاثي" الذي تفتقت عنه "ماركسية لينينية" جيانغ. وأدت الواقعة الاجتماعية والاقتصادية هذه الى انقلاب بنية التصدير والاستيراد، وحصة الفئات الاجتماعية في الناتج الإجمالي وأبوابه. فيسهم تصدير الخدمات في ما قيمته 43،30 بليوناً بالدولار. وتضطلع الخدمات بدور راجح في تصدير سلع مصنعة تبلغ قيمتها نحو 200 بليون دولار، تجعل من الصين "بطل" الاقتصادات المصدرة والسباقة بين الدول الخمس الأولى في هذا المضمار وصادرات الدول الخمس هي نصف اجمالي الصادرات العالمية في 2001. وتبلغ قيمة المنتوجات الزراعية المصدرة عشرين بليون دولار، اي عشر قيمة السلع المصنعة، وثلثي قيمة الخدمات الخالصة. بؤس السياسة وإذا وصفت هذه الأرقام، على نحو تقريبي، عمق التحولات التي ألمت بالصين، ورفعتها الى مرتبة القوة الاقتصادية، ودمجتها في الأسواق العالمية، دخلت الصين منظمة التجارة العالمية في اواخر 2001، وجعلتها "سوق القرن" الواحد والعشرين، فهي لا تنم إلا من طرف خفي بنتائج الانفجار الاقتصادي الاجتماعية والسياسية. فإلى تردي حال الخدمات العامة، من تربية ورعاية صحية وأبنية تحتية في الأرياف التي لا تزال تؤوي نصف الصينيين العاملين، يسهم العاملون في الزراعة بقسط من الضرائب يساوي ثلاثة اضعاف حصة المراكز المدينية الكبيرة. فلقاء السهم الفلاحي في المالية العامة لا يبادَل الفلاحون خدمات هم في امس الحاجة إليها. وينفق شطر من الجباية على الموظفين الحزبيين والإداريين المحليين. ويذهب شطر آخر الى بلديات المدن التي لا تجبي كفايتها من الضرائب. وإذا انتخب الفلاحون والريفيون مجالسهم البلدية، على ألا يتخطى المجلس البلدي المنتخب "مستوى" القرية - فالمستويات الأعلى يعود تعيين مجالسهما البلدية الى الحزب وولاته - ارغم المنتخبون على الانصياع الى مطاليب الحزب والإدارة، اي على تحصيل الرسوم والضرائب التي يطلب إليهم تحصيلها، وإلا أقيلوا. ويؤدي الاستخفاف بالتكليف الانتخابي المباشر، خارج الانتداب الحزبي او الإداري، الى انهيار الفلاحين المنتخبين، مالياً ومعنوياً. ويحمل الفلاحون حملاً على شراء البذار من إدارة القضاء، وبالسعر الذي تفرضه. فيضعف دور اللجان المنتخبة جراء عجزها عن التوسط. ويفاقم تردي وضع الفلاحين فيض عدد السواعد التي يحتاج اليها العمل الزراعي بنحو 350 مليون عامل زراعي. فالأرض تستخدم، اليوم، 450 مليوناً من العاملين، وهي لا تحتاج، لقاء انتاج المنتوجات الزراعية التي تُنتج، الى أكثر من 100 مليون. والفائض الكبير يدخل في باب البطالة المقنعة. وبعض الثلاثمئة وخمسين مليوناً، وعائلاتهم، يتسللون إلى المدن خلسة، على خلاف نظام التسجيل الماوي الذي يلزم الفلاحين بالبقاء في الأرض ما لم تنجز لهم الإدارة ترك ريفهم على مثال "الجواز الفلاحي" السوفياتي. ولا يقل عدد المتسللين عن الثمانية ملايين في السنة. واجتمع منهم، في أثناء العقد الأخير، نحو مئة إلى مئة وخمسين مليون من اليد العاملة "الطافية" على صفحة سوق عمل مضطربة. وورثت المرافق الصناعية وعمّالها، من التخطيط الإداري والمركزي، ومن قيادة الحزب الشيوعي "بناء الإشتراكية"، على ما يقال إلى وقت غير بعيد، انتفاخاً لا يتفق مع معايير المنافسة الصارمة التي تخوضها الصين في الأسواق الكبيرة. وعلى رغم اضطرار رئيس الوزراء، المنصرم كذلك، زو رونجي، إلى تسريح 34 مليون من العاملين في القطاع العام، وهم 30 في المئة من جملة العاملين، وبيع عشرات الألوف من المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى القطاع الخاص، الوطني والأجنبي، لا تزال تكلفة القطاع العام على كاهل المالية العامة ثقيلة وباهظة. فعدد المنشآت الاقتصادية التي تملكها الدولة يبلغ 200 ألف. وبينما يُصرف نصف قيمة التسليفات المصرفية إلى مرافق القطاع العام، تكاد هذه المرافق لا تنتج ربع الناتج الصناعي والزراعي. وقلما تسترد المصارف العامة تسليفاتها من المرافق المبددة هذه. ولكن الإدارة الحزبية تعالج هذه الأمور بمعايير "سياسية"، على ما كان يدعو ماوتسي تونغ إلى المعالجة وعلى خلاف دعوة دينغ هسياو بينغ. فتحفظ على العاملين أعمالهم الإسمية. وتغض النظر عن التلكؤ في ردّ التسليفات، أو الاحجام عنه. وترعى تسديد العاصمة أجور العمال الذين سرحوا. وتتولى تغذية صناديق الضمان الاجتماعي بعشرات البلايين 36 بليوناً من الدولارات، تعويضاً عن عجز المرافق العامة عن تسديد اشتراكاتها. ولما اضطرت الصين الى خفض تعرفاتها الجمركية على السلع المستوردة 3 في المئة - غداة دخولها المنظمة العالمية للتجارة، ولقاء هذا الدخول الذي يدعم صادراتها إلى أسواق كبيرة مثل سوق المكسيك ودول "أبيك" - تدنت عائدات الدولة والمالية العامة من الرسوم على السلع المستوردة وبلغت قيمة المستوردات الصينية، في 2001، 214 بليون دولار، وتقل عن قيمة الصادرات 35 بليوناً. وضيق انخفاض العائدات على تسليفات الدولة، ومصروفاتها، وتغذيتها الصناديق الاجتماعية، ولكن تقاليد "الإقطاع" الصيني، والحزب الشيوعي هو "إقطاي" الصين الأكبر والأثقل، تحول بين الدولة، وبين انتهاج سياسة يد عاملة وأجور وضمانات عقلانية. والاحجام عن العقلنة يتهدد القطاع العام بالانهيار. ورد العمال على أزمة السياسة الصناعية والمالية العامة بكسر امتثال النقابات الرسمية للسلطة وإجراءاتها، بذريعة تمثيل الحزب والدولة ل"قيادة الطبقة العاملة". فشهدت الصين تظاهرات عمالية "غاضبة"، على ما يصفها أحد باحثي مؤسسة أميركية، عمت الأقاليم الشرقية الشمالية التي أورثها العهدان السوفياتي والماوي صناعات منجمية آفلة وخاسرة. ويلابس الإدارة الحزبية فساد مستشر غذته الاستثمارات الأجنبية المباشرة وهذه بلغت 50 بليون دولار في السنة الجارية، بحسب إحصاء "أونكتاد"، وغذاه امتناع الحزب من رقابة من خارجه. فأحد أبرز التاركين، لي بينغ، رئيس جمعية الشعب المجلس النيابي، ضالع هو وأسرته في فضائح خصخصة كهرباء شنغهاي وكانتون. والمافيا الصينية من أنشط عصابات التهريب وأغناها. وتتواطأ مراتب سياسية وإدارية عالية مع العصابات هذه على تصدير السلع المهربة التي تصدر، بعد تزويرها، إلى الخارج. وحين تتصدى هيئات المجتمع المدني، ويبلغ عددها 870 ألفاً، لمعالجة قضايا البيئة والتراث بإزاء مقاولي بناء يعملون تدميراً في المدن العريقة وحقوق المستهلكين وتعليم الأولاد الفقراء ورعاية المعوقين، ترحب الإدارة الحزبية باضطلاع الهيئات الأهلية والمدنية هذه بجزء من الأعباء العامة، وبتخفيفها عن كاهل الدولة اعباء جماعات متعاظمة العدد ينفيها مجرى الصين الجديد من حياة وعلاقات اجتماعية سوية المدمنون، البغايا، المتسكعون.... ولكن القيادة الحزبية تنكر على الهيئات الأهلية والمدنية "التطفل" على شؤون إدارة الدولة وسياستها. فالسياسة، على معنى "التطفل" هذا، حرم على الجماعات المدنية، وعلى الناشطين غير الحزبيين. وإذا فتحت ابواب الحزب الشيوعي، على اشتراطاته التي ذكر بها جيانغ زيمين، بوجه الفئات الرأسمالية الجديدة والمتعولمة، فإنما ذلك نظير توسيع اسهام الاستثمارات الأجنبية في السوق الصينية، على حسب تأويل بعض المراقبين. فالحزبيون الجدد هم ضمانة بيع مرافق من القطاع العام الى استثمارات اجنبية يتولى الحزبيون انتقالها وبيعها الى مالكيها. ويضمنون "علاوات" الانتقال والبيع. فصين "السوق الاشتراكية" في عهدة قيادة الحزب الشيوعي، واحتكارها السياسة، تتجاذبها نزعات حادة ومتناقضة، من غير ان يعني هذا ان "الثورة" المناهضة "للبيروقراطية" على الأبواب، على ما حلم معارضو الكليانية التوتاليتارية في ستينات القرن الماضي. والحزب القائد ليس في طريقه الى الديموقراطية. وهو لا يتصور احتمال انحلاله، ولا جواز انفجار الصين تحت وطأة الإقطاعيات والتفاوت بين طبقاتها ومناطقها. ولكن المؤتمر السابع عشر في 2007، سنة واحدة قبل دورة الألعاب الأولمبية في بكين، قد لا ينعقد على مسرح من غير غيوم. * كاتب لبناني.