كل الذين كانت لهم أصابع أو اضلاع في الماراثون "العراقي" على مدى شهرين، خرجوا سعداء. بوش منتصر بالاجماع، من الكبار والصغار، بوتين لا يخفي بهجته لأن القرار 1441 يبعد شبح الحرب... شيراك بين الفائزين أيضاً، بل في مقدمهم، لأن جائزة الترضية له، بعدما مرّغ هواجس البيت الأبيض - وليس أنفه - ليقطف قراراً بنزع السلاح "سلماً". أما الصين فلم تجد في الصياغات المليئة بالألغام سوى "رسالة سلام وأمل"، على رغم كل الانذارات، واطلاق أيدي المفتشين في كل حارة ومصنع وقصر ومدرسة في العراق. بديهي أن يكون بوش المنتصر الأكبر، وهو لم يتردد في احراج جميع أعضاء مجلس الأمن، ولم يكونوا ربما خرجوا بعد من قاعة المجلس، ليبلغ العالم أن لا شيء يقيّد يد أميركا، حين تشعر انها مهددة بصواريخ الرئيس صدام حسين وترسانته. لغة أخرى، لم تكن مفاجئة، لا تتطابق مع أحلام الكبار والصغار في المجلس الذين تنفسوا الصعداء وكأنهم التقطوا فعلاً فرصة ذهبية للسلام، كافية لجعل الفرنسي فخوراً بكونه فرنسياً، ولا يقل السوري شأناً عنه، بين الروسي والصيني. لم يكن مفاجأة كبرى رفع دمشق يدها خلال جلسة التصويت في مجلس الأمن، فثمن الامتناع عن الاقتراع، أقله عزلة كاملة، وليست سورية استثناء بين جميع العرب في ادراك معنى الوقوف في وجه العاصفة الأميركية، أياً تكن مبرراتها المعلنة للتصويت بنعم مع القرار 1441. وكانت اشارة بالغة الدلالة الايحاء بمخاوف لديها من "صفقة" اميركية - ايرانية تحاك لترتيب الخريطة في مرحلة ما بعد غزو العراق... من دون أن يدين ذلك ايران ب"مؤامرة" حقيقية على حساب تحالفها مع سورية. اما الكلام على تلقي دمشق "ضمانات" اميركية بعدم امتطاء القرار لتفعيل الخيار العسكري، فيشبه الى حد كبير اطمئنان الفرنسيين والروس الى جدوى انتصارهم في حرب الكلمات والحروف التي سبقت الولادة العسيرة لاجماع الدول الخمس عشرة في مجلس الأمن. وبعيداً عن المفاضلة بين ال"واو" وال"أو" في نص القرار الدولي الجديد، اختار عدي صدام حسين، "بروتوس" ليوجه انتقاداً لاذعاً الى رفع اليد السورية. الجميع ادعى الحكمة والبلاغة، والسعادة، بمن فيهم بغداد التي اعتبرت ان المجتمع الدولي "انتصر" على "ادارة الشر الاميركية"... وتلك كارثة في قراءة ما حصل، وكأن العراق يملك القدرة على ما عجز عنه الكبار والأشقاء، أي تقنين "حق" الولاياتالمتحدة في "الدفاع عن النفس"، ونزع 1441 لغماً. وطالما لا نص في أي قرار يحدد حالات ذلك الدفاع، يكفي استهداف طائرة اميركية فوق البصرة أو الفرات وبيسان لتندلع شرارة الحرب، وإذ ذاك لن تجدي دعوات موسكو وباريس الى العودة لبيت الشرعية. تتكئ صحيفة "بابل" على ادراك "القيادة العراقية الحكيمة" التي ستعمل "بذكائها المعهود" لتفويت الفرصة على بوش! والواقع ان أي مواطن في العراق يدرك ان تلك الفرصة فاتت منذ زمن بعيد، وانه لم يملك منذ أكثر من عشرين سنة أي حق في الافتخار بكونه عراقياً. فاللعبة بين الكبار والصغار، والمأساة له، وباسمه، باسم الشرعية الدولية أو أمن اميركا، أو حتى أمن العراق.