كوفئ الكاتب الكندي المحدود الشهرة يان مارتل بما سمّاه "اكثر الجوائز اعتباراً" بعدما كتب "مسرحيتين سيئتين وبضع قصص سيئة ورواية سيئة". هو ثالث كندي ينال بوكر بعد مايكل اونداتشي ومرغريت اتوود، وأول فائز بعدما ارتفعت قيمتها من عشرين ألف جنيه استرليني الى خمسين ألفاً. شعر الكاتب الفقير الجوال بعد ترشيحه انه في طائرة فقدت مولداتها وعلى وشك السقوط "ولكن أشعر الآن انني بين ذراعي امرأة جميلة". كان موقع الجائزة الإلكتروني اعلن خطأ عن فوزه قبل اسبوع فخاب وأحس انه "احترق". لكن الحظ لم يخنه بعدما اتى رابعاً في مكاتب المراهنات. "أحس بالشفقة على اصحابها" قال ورجّح استثمار قيمة الجائزة في مشروع للبيئة لا يستغل سكان العالم الثالث. "حياة بي" رواية يان الثانية وتتناول فتى هندياً يشحن الحيوانات التي كانت في حديقة والده الى كندا لكي يبيعها للأميركيين. تغرق السفينة ويجد نفسه وحيداً على قارب النجاة مع ضبع وحمار وحش وقرد اورانغ - يوتان ونمر بنغالي. يبدأ صراع البقاء ومعه الأسئلة عن الوجود والله ويتحول ايمان بي من الهندوسية الى المسيحية والإسلام معاً. يبقى وحده مع النمر الذي يدعى ريتشارد باركر بعد ان يقتل الحيوانات الأخرى ليأكلها، وتسود الواقعية السحرية والابتكار من دون ان يفقد النص مرحه وجذبه القارئ. اللافت ان مارتل، تسعة وثلاثون عاماً، لا يحب الروايات الغريبة ويصر على ان "حياة بي" عن فتى عادي وبسيط يمتحن بطريقة غير عادية. روايته الثالثة التي بدأ كتابتها لا تخلو من الغرابة لكنها تتساءل مثل الرواية الفائزة عن طريقة التعامل مع الشر. فيها يطوف قرد وحمار في "بلاد حقيقية كهذه بريطانيا فيها اشجار وناس ومطر لكنها ايضاً عبارة عن قيمص ضخم". دعيت العاصمة النجمة الصفراء نظراً الى شكل التحصينات ولون الحجارة على انها في الواقع ترمز الى قميص اليهودي في عهد النازية. يرى ان "حياة بي" تجعلك تؤمن بالله او تتساءل لم لا تفعل. كان علمانياً وبدأ اهتمامه بالدين عندما كتب روايته الأولى "ذات" التي تتعرض فيها امرأة للاغتصاب "لكن ما ان افعل ذلك، فكرت، الى اين تذهب؟ الى اين تذهب بعد خبرة مدمرة للروح كهذه؟ كيف تعيش مع الشر؟ الفن هو الجواب في خلفيتي العلمانية لكن مرجعه الذاتي في حين يدعي الدين انه يعبر حدود الوجود الإنساني". يميّز مارتل بين الإيمان والعقيدة التي تخرق نحو التعصب المدمر: "لا ايمان لدى المتعصبين بل عقيدة. في الإيمان تثق وتُرضي لكنك تشد في العقيدة". قرأ مبادئ الإسلام والمسيحية والهندوسية ووجد ان الدين الجيد يشبه الرواية الجيدة في اننا نضع الشك جانباً. ولد يان مارتل في اسبانيا لوالدين ديبلوماسيين من كيبك. كان والده شاعراً شهيراً وهو يترجم اليوم مع زوجته "حياة بي" الى الفرنسية. لم يرغب الابن في ان يصبح كاتباً كوالده، وشاء أولاً ان يكون سياسياً ثم جذبته الأنثروبولوجيا والفلسفة. سافر الى الهند ليكتب روايته الثانية لكنها تشتتت فأهملها. كانت "الثالثة ثابتة" مع "حياة بي" ويقول مارتل في اول الرواية انه قابل هندياً في بولديتشيري قال له: "لدي قصة ستجعلك تؤمن بالله" وأخبره عن بي صديق الأسرة. لكن الشخص الحقيقي الوحيد وراء الرواية روائي برازيلي يدعى مواسير سيليار قرأ مارتل نقداً فاتراً عنه لجون ابدايك منذ نحو عشرة اعوام. حكى سيليار قصة يهودي على سفينة ينتهي وحده على قارب النجاة مع فهد اسود. بهرته الفكرة وتذكرها عندما كان يشعر بالضياع والإحباط في الهند ويبحث عن قصة. كان في الرابعة والثلاثين يومها، ألّف كتابين لم يبيعا ولم يحقق شيئاً في حياته. عندها تذكر فكرة البرازيلي وظهرت مقاطع كاملة من الرواية بسرعة، لكن الحيوانات رفيقة السفر تطلبت وقتاً اكبر وفكر في الفيل وفرس النهر قبل ان يستقر رأيه على النمر. "بي" مشتقة من كلمة "بيسين" اي مسبح بالفرنسية، وتختلف طبعة الرواية البريطانية الصادرة عن دار كانونغيت السكوتلندية المستقلة عن طبعتها الكندية. فكر اساساً ان الناس سيشعرون بالحساسية تجاه الدين في الكتاب وأخّر ارتداد بي الى الإسلام والمسيحية، لكن الناشرين وجدوا الأمر مربكاً لأنه اثر على تسلسل الأحداث زمنياً، فأعاد كتابة الفصول الأولى. يحب البساطة التي قد "تعكس حدودي" ولا يستطيع قراءة غونتر غراس "المعقد والكثيف". لا يقدر حتى ان ينهي "اطفال منتصف الليل" لسلمان رشدي التي فازت ببوكر في اول الثمانينات. يرى القارئ مساوياً له ويرغب في تسليته وهو يرفعه ويتجنب ان "يكثر" من القص لكي لا يشعر القارئ انه خُطف من دون ان يحصل على شيء. في النهاية يعود الناس الى الفن، ولا احد يتمنى على فراش الموت لو عمل أكثر او شاهد مزيداً من البرامج التلفزيونية. لا يريد شراء مسكن بالمال الذي ربحه من الجائزة ويفكر دائماً في ما يستطيع اعطاءه. سيتابع عمله التطوعي في الاعتناء بالمرضى الذين لا امل في شفائهم ويبقى مع الأديان ليجد نقاطاً تجمعها وتجمعنا.