حل الدولتين مهما كان ثمنه باهظاً على المستوى الإقليمي أو الدولي إلا أنه يعتبر أقل النقاط توتراً، لأن البديل صراع إقليمي يمكن أن تكون فيه إسرائيل طرفاً يضطر إلى الانخراط في عمليات عسكرية تهدد الوجود الإسرائيلي.. منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023م، وحتى اليوم أصبح حجم التغييرات يستحيل التنبؤ بمعطياته، فالمبشرون بالشرق الأوسط الجديد ينقسمون في أفكارهم وطموحاتهم إلى قسمين، الأول: إسرائيل ومن يدعمها وخاصة في أميركا حيث يرون في فكرة الشرق الأوسط الجديد أنها فرصة ستؤدي إلى تسوية القضية الفلسطينية عبر هضم حقوق الفلسطينيين وإخراجهم من المعادلة الدولية، والانتقال من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التوسع، القسم الثاني: هي دول الشرق الأوسط صاحبة الحق في تقرير مصير المنطقة، حيث تضع هذه الدول وعلى رأسها السعودية شرطاً واحدًا يستحق ما يدفع فيه من الأثمان، هذا الشرط هو قيام دولة فلسطينية وفقًا لحدود 1967م. فكرة الشرق الأوسط الجديد فكرة يعاد تعريفها وفق قيم المنطقة وليس وفق معايير الاحتلال، فإسرائيل عليها أن تدرك أن كل طموح يتجاوز معايير الحق الفلسطيني سوف يصاب بخيبة أمل، ومها كانت ادعاءات إسرائيل بنقائها الديموقراطي وقوتها في المنطقة إلا أنها يجب أن تستوعب بأن الشرق الأوسط ليس لعبة لطموحاتها وتمنياتها. قلب الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية، وإسرائيل تدرك أن الهيكل السياسي في الشرق الأوسط رغم تنوعه واختلافاته العقدية والعرقية، إلا أنه يتفق على حقيقة واحدة: هي فلسطين وحقها في دولة مستقلة، والفرصة أمام إسرائيل هي استثمار الهياكل السياسية المعتدلة في الشرق الأوسط والتي تطالب بدولة فلسطينية، لأن البديل لهذه الهياكل المعتدلة سيكون هياكل متطرفة تسعى لكي تشعل الحرب. وجود دولة فلسطينية مستقلة يحظى بدعم دولي لا يمكن لإسرائيل مواجهته، فالتحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين غيّرت معايير الرؤية لهذه القضية أو أي محاولة لطمس معالمها، فما يجب أن يقلق إسرائيل أن الحق الفلسطيني أصبح ركيزة أساسية في الاستراتيجية الدولية تدافع عنه دول كبرى لها قيمتها في الميزان الدولي، وهذا يعني أن تأثير أميركا الداعم الرئيس لإسرائيل قد يتراجع نحو إطار ضئيل عندما تتقاطع الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، كما أن أي محاولة لتقويض الاستقرار في هذه المنطقة عبر الضغط على دول المنطقة وخاصة المحيطة بإسرائيل سوف يؤدي إلى فوضى وعدم استقرار. ليس هناك فرضية تضمن عدم تجدد الصراع بين إسرائيل وبين حماس أو سكان الضفة الغربية، إسرائيل تدرك أن نقاط التوتر وزعزعة استقرارها مفتوحة وتتكاثر ولن تتراجع ما لم تستمع إسرائيل إلى رواية دولة معتدلة مثل السعودية والتي تصر على أن حل القضية الفلسطينية يكمن في حل الدولتين، فهذا الحل مهما كان ثمنه باهظاً على المستوى الإقليمي أو الدولي فهو يعتبر أقل النقاط توتراً لأن البديل صراع إقليمي يمكن أن تكون فيه إسرائيل طرفاً يضطر إلى الانخراط في عمليات عسكرية تهدد الوجود الإسرائيلي. إسرائيل يمكن أن تجد نفسها مستقبلاً أمام مسار سياسي يحاسبها ويحاسب تصرفاتها من جانب أميركا التي تتغير استراتيجياتها تدريجياً في محاسبة حلفائها، وحتى لو كانت هذه الفكرة تبدو مستبعدة حاليا إلا أن التطور التاريخي لأميركا وانحسار دورها الدولي يجعل هذه الفكرة مؤهلة للحدوث، فالداخل الأميركي يعيد ترتيب استراتيجياتها ولو كان ذلك يحدث ببطء ولكنه قادم. التزام المملكة العربية السعودية وهي الدولة العربية والإسلامية الأكبر، تجاه فلسطين التزام تاريخي غير قابل للنقض وهو ركيزة استراتيجية في السياسة السعودية لم تنقطع منذ اللحظة الأولى من احتلال فلسطين، وهذا الموقف لن يتغير لمجرد تزايد الدعم الأميركي لإسرائيل، فالسعودية ومن خلال طرحها الدبلوماسي ومواقعها الإقليمية والدولية تدرك أن الاستقرار الإقليمي طويل الأجل يجب أن يتفوق على المصالح السياسية من خلال دفع الأثمان الباهظة لقبول فكرة الحق الفلسطيني وإنشاء دولة فلسطينية. القصة التي لا بد وأن تدركها إسرائيل هي أن قضية فلسطين سوف تستمر في الثوران، فهي بركان بعمق تاريخ سكانها، ومستقبل هذه القضية يعود إلى الظهور مع كل أزمة، فالاستقرار مرتبط بحل الدولتين وإلا سوف تعود القضية مع كل أزمة إلى دائرة الاهتمام، إسرائيل مهما كان حجم استقرارها الداخلي وما تحصل عليه من دعم خارجي إلا أن ممارستها بحق الفلسطينيين تشكل تهديداً وجوديًا لها، وتدرك القيادة الإسرائيلية حالة الصدمة وانعدام الثقة التي خلفتها أحداث السابع من أكتوبر. حل الدولتين يتطلب تقديم تنازلات كبرى ومهما كانت هذه التنازلات مؤلمة لإسرائيل إلا أنها مطلوبة لتحقيق الاستقرار، فليس هناك بديل سوى نماذج متكررة من سنوات أخرى من الصراع المشحونة بالتنافس والعداء مع أطراف المنطقة، رسالة المنطقة إلى إسرائيل هي أن الدولة الفلسطينية المنتظرة تستحق دفع ثمنها السياسي والاقتصادي والجغرافي، وليس هناك رؤية واضحة المعالم لحل هذه القضية سوى حل الدولتين.