إحدى الروايات العالمية التي حازت على إعجاب الكثير من القراء، والتي تم تداولها على نطاق واسع، وإحدى الروايات التي تظل طويلا في الذاكرة، هي (حياة باي) الرواية الفائزة بجائزة البوكر العالمية للرواية عام 2002م، للروائي الكندي (يان مارتل)، التي نشرت ترجمتها العربية بترجمة اللبناني سامر أبوهواش، عام 2006م عبر منشورات دار الجمل، وحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي. كانت الرواية حديث جميع الأوساط الثقافية لما فيها من الإبداع في وصف علاقة الإنسان بالحيوان، ومشقة الإبحار وسط الأمواج المتلاطمة، يان مارتل سيتحدث عنها -في هذا الحوار الحصري «للرياض» والأول له مع أي صحيفة عربية- وعن ما حوته من رموز وأفكار لا يقل جمالا عن الرواية. * هذا الحوار -كما أعرف- هو أول حوار لك مع صحيفة عربية. ماذا تود أن تقول لقرائك العرب؟ * بالفعل، إنه أول حوار لي مع صحيفة عربية، وأنا سعيد جدا بذلك. تستطيع الصحف والكتب أن تفعلا الشيء ذاته، أي بناء الجسور بين الناس. فمن خلال هذا الحوار، لدقائق قليلة، يتقابل كاتب كندي مع بعض القراء السعوديين. لذا فإن أول شيء أود قوله هو: "مرحبا، كيف حالكم؟ أحييكم من كندا، ومن دواعي سروري أن ألتقي بكم". * لماذا اخترت الهند حين كنت تزمع كتابة روايتك؟ * مثل ما يحدث كثيرا في الفن، لقد كان الأمر من قبيل المصادفة ثم أصبح مصيرا. فأصدق جزء في رواية "حياة باي" هو توطئة الراوي. ذهبت إلى الهند من أجل أن أعمل على رواية تقع أحداثها في البرتغال. اخترت الهند لأنه بلد محفز للغاية وأرخص من كندا، لذلك اعتقدت أنها المكان المثالي لكاتب كندي لكي يكتب روايته. لكن تلك الرواية البرتغالية لم يكتب لها الحياة. ولذا صرت في الهند -وبشكل مفاجئ- دون عمل. ما فعلته بعدها هو أني فتحت عيني ورأيت ما كان أمامي، وقد كان ذلك العدد الهائل من الآلهة -في الهندوسية والمسيحية والإسلام والبوذية إلخ- بالإضافة إلى عدد هائل من الحيوانات. حينها جاءتني فكرة (حياة باي)، وقضيت ذلك الحين ستة أشهر في البحث لأجل الرواية. * (حياة باي) رواية مليئة بالمعلومات. هل تعتقد أن من وظائف الرواية أن تقدم مثل هذه المعرفة؟ * ليس بالضرورة. بعض الروايات تعد جوانية للغاية وتستكشف عقلية شخصية واحدة، وقد لا تحتوي الكثير من المعلومات عن العالم الخارجي. أما بالنسبة لرواية (حياة باي)، فقد كان شعوري أن الرواية لن تنجح إلا إذا كانت متجذرة في حدث متخيل يحاكي العالم الواقعي. كان لدي شعور بكونها حقيقية. لذا فإن كل المعلومات عن الحيوانات وحدائق الحيوان والدين وتحطم السفن إلخ كانت -مع بعض الاستثناءات القليلة- حقيقية في الواقع. إن توجهي في الكتابة هو مزج سحر الخيال بحيوية الواقع. * تبدو الرواية كما لو أنها قد صممت بالكامل قبل كتابتها. هل تفضّل هذه المنهجية في الكتابة دائما؟ * أجل، هذه هي طريقتي في الكتابة. كل كاتب أو كاتبة لديه طريقته التي تناسبه مهما كانت. بعض الكتاب يبدؤون الكتابة فقط دون أن يعرفوا إلى أين تمضي بهم قصصهم، وهذا الأسلوب لا يروق لي. إذ سأشعر كما لو أنني مهندس معماري يتطلب أن يضع مخططًا لمبنى دون أن يعرف ما إذا كان مستشفى أو مسرحًا أو ملعبًا. فمن وجهة نظري، يجب على الشكل أن يتبع الغرض، وما أكتبه في الفصل الأول يجب أن يحدده ما سيحدث في الفصل رقم 100. لذا أخطط وأفكر وأقوم بالبحث وأدون الكثير من الملاحظات قبل أن أبدأ الكتابة. أقوم بنفس الشيء في السفر وأعد نفسي بعناية، بيد أن متعة الجولة -سواء في الكتابة أو السفر- باقية. * تعتمد روايتك على الطريقة التي رويت بها، هل تتفق على أن الطريقة التي تروى بها القصة أكثر أهمية من القصة ذاتها؟ * أعتقد أن كليهما مهم. يجب أن يكون هناك تقنية سردية كما يجب أيضا أن يكون هناك مضمون (حكاية)، فالتقنية دون مضمون تجعل الفن عرضة للنسيان، في حين أن المضمون دون تقنية يجعل من الفن مملا. * لماذا اعتقدت أن من شأن الدين وعلم الحيوان أن يصنعا مزيجا جيدا على الرغم من أنهما جانبان مختلفان للغاية؟ * أعتقد أن الدين وعلم الحيوان يمسان جوانب إنسانية فينا. يشترك البشر مع الحيوان في العديد من الحاجات الأساسية، كالخوف والجوع والموطن والحاجة إلى الأمن. لكننا نستطيع أن نصل إلى أبعد مما تستطيعه الحيوانات بقدراتنا وتطلعاتنا البشرية الفريدة. فنحن أذكى بكثير من الحيوانات. ومن وجهة نظري، قارب النجاة في رواية (حياة باي) -حيث تقاسم باي (الصبي المتدين) ذاك الحيز الضيق مع الحيوان المفترس- كناية عن حالة الإنسان. نحن الكائنات المكرمة إلهيا الذين يجب أن نعبر المحيط ونصل إلى الخلاص. * لقد سافرت كثيرا إلى بلدان عدة. هل تعتقد أن ذلك قد ساعدك بشكل كبير في الكتابة؟ * أجل، لكن ليس بالقدر الذي يستفيد منه كاتب في أدب الرحلات. لم تكن رواية (حياة باي) عن الهند. لقد كانت في الهند في البداية، وكانت تستعرض شخصا هنديا، لكن ذلك مجرد إعداد للرواية. فالقصة عالمية بقدر أكبر. وما فعله السفر هو أنه قد فتح ذهني على العديد من الأشكال التي يمكن أن نكون عليها كجنس بشري. إن العالم عبارة عن كتاب عظيم وقد استمتعت دائما بقراءة هذا الكتاب. * ماذا وجدت من بحثك في الأديان؟ وهل مررت بنفس الحيرة التي عاشها بطل روايتك؟ * تكمن قوة الدين في أنه يرى النظام فيما قد يُرى خللًا إن نظرنا بغيره. يقدم الدين السرد الذي يمنطق ما لا يعد منطقيًا ويوفر ذريعة لاستخدام العقل. وخلاف ذلك، فإن المنطق -أو العقل- بحد ذاته أداة قوية لكنها عمياء. يمكنك فقط استخدام المنطق بشكل صحيح إذا كان لديك نوع من الإيمان، ولا يمكن أن يوجد الإيمان في حدود المعقول. يجب أن تكون مؤمنا أولا ثم بعد ذلك فقط يمكنك أن تستخدم العقل بصورة صحيحة، سواء لتحسين إيمانك الداخلي وجعله إيمانا يستند إلى العقل، أو لتطبيق إيمانك في العالم الخارجي. فالإيمان دون عقل خطير جدا، لأنه حينئذ سيكون مجرد عاطفة. بالنسبة لي، فقد نشأت بلا ديانة. حينما كنت أصغر سنا استبدلت الدين بالفن كأداة لفهم الحياة، وكنت متصالحًا مع ذلك، فالفن العظيم يمكنه أن يفعل الكثير. لكن في النهاية اكتشفت أنني أصبحت عقلانيا بشدة، ونحن لسنا بآلات صماء. فصميم أن تكون إنسانًا موجودا بما وراء العقل. وهكذا نجد التوازن المطلوب في كون الإيمان يمتزج بالعقل والعقل يتشرب الإيمان. * على الرغم من أنك كتبت عدة روايات إلا أن رواية (حياة باي) هي الأشهر. كيف تفسر ذلك؟ * بالحظ أو التوقيت، أو عدم تطعيم الرواية بالسخرية، أو المزج بين المغامرة والفلسفة، أو بالأسئلة الكبرى التي طرحتها الرواية. وفيما عدا ذلك لا أعرف، عليك أن تسأل القراء. * هل اخترت أحداثا غريبة (مثل الأعمى وجزيرة الطحالب) لتكون حقيقية، وبالتالي يسهل عليك تغيير القصة؟ * رويت قصتين في (حياة باي)، واحدة بحيوانات وأخرى بلا حيوانات، وهاتان القصتان تتنافسان فيما بينهما. لكنني لا أريد أن يكون لهما ذات الطبيعة المتماثلة. أردت أن يصعب تصديق القصة التي احتوت على الحيوانات تدريجيا، وأردت للقارئ الذي يميل إلى تصديق القصة التي احتوت على الحيوانات أن يثب إلى الإيمان، ويكف عن العقلانية، وستكون بذلك هي القصة الأفضل. كما قلت سابقا، نحن لسنا بحواسب آلية، وما من غلبة إن كنا عقلانيين تمامًا. لذا فإن دور جزيرة الطحالب في القصة التي احتوت على الحيوانات هو فقط أن تعوم إلى أبعد مما يمكن القارئ تصديقه بشكل عقلاني. * كيف قمت باختيار أسماء الشخصيات مثل باي وريتشارد باركر؟ * أكتب بحذر، وبالتفكير في كل شيء. لذا اخترت اسم باي (تنويه المترجم: باي = العدد "ط" في اللغة العربية = 3.14) لأنه رقم أو عدد غير نسبي، لكنه يساعد في فهم الكون عبر الرياضيات. قد لا نفهم الغرض المحسوس منه -تماما كالدين- إلا أنه يساعد على منح معنى للكون. أما بالنسبة لاختيار اسم (ريتشارد باركر) للنمر، فقد جاء من البحث. يوجد شخص اسمه ريتشارد باركر في رواية إدغار آلان بو الوحيدة (حكاية آرثر غوردن بيم) التي نشرت عام 1838م، وهناك ريتشارد باركر في حادث غرق سفينة (ميغنونيت)، والذي حدث عام 1884م، بالإضافة إلى غرق سفينة أخرى ورد فيها اسم ريتشارد باركر. ثمة الكثير من ريتشارد باركر! إنه الاسم المثالي لنمر. * لماذا اخترت فترة السبعينات كزمن لأحداث الرواية؟ * لأسباب تاريخية بسيطة. كانت فترة صعبة في الهند، وقد اختار أي هندي ممن لديهم المال الكافي والجيد أن يهاجر. * هل ثمة أي رمزية خلف اختيار الرقم 100 لعدد فصول الرواية؟ * إنه رقم لطيف ومعقود ومرضٍ للعقل. الدين مثل ذلك أيضًا، فهو يرضي العقل في اختياراته للرموز والأرقام. * كيف تمكنت من الاحتفاظ بالقارئ وتشويقه عبر صفحات طويلة من خلال مجرد رجل وحيد ونمر؟ * العناية، والعمل على ذلك باجتهاد كبير، الكتابة وإعادة الكتابة لألف مرة. * لماذا تجاوزت سريعا بعض الأحداث المهمة في الرواية مثل غرق السفينة؟ * لأنني ظننت أن القارئ يمكن أن يتخيل التفاصيل المادية والبصرية للغرق أكثر مما يمكن أن أكتبها. الكلمات رائعة في نقل الأفكار والمشاعر ولكنها فقيرة في رسم الصور، وكنت مهتما أكثر بالآثار المترتبة على غرق السفينة وما تلا ذلك. * ما رأيك بالاختلافات بين الرواية والفيلم؟ وإلى أي مدى أنت راضٍ عن الفيلم؟ * الفيلم هو تتمة بصرية جميلة للكتاب، وقد أضاف صورا مذهلة للغة. أعتقد أن أفضل تجربة تأتي من قراءة الكتاب أولا ثم مشاهدة الفيلم. * أخيرا، ما رأيك بالروايات العربية المترجمة إلى الإنجليزية؟ هل تعرف الكثير عنها؟ * قرأت بضع روايات لنجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل بالإضافة إلى بضعة قصص قصيرة هنا وهناك. أعتقد أنه يجب بذل المزيد من الجهد لتقديم الأدب العربي للجمهور الغربي. الأدب هو أفضل وسيلة للتعريف بالواقع الأجنبي. رواية حياة باي بوستر فيلم حياة باي