بصراحة، السياسة الخارجية لإدارة جورج بوش تخيفني، لأنها مخيفة. هذا الشهر أقرّ مجلسا الكونغرس بغالبية ساحقة موازنة وزارة الدفاع للسنة المالية التي بدأت أول الشهر وكانت 355.4 بليون دولار، او ما يزيد على موازنات الدفاع في الدول العشرين التالية. ولن تحل سنة 2005 والزيادات المتواصلة في موازنة وزارة الدفاع الأميركية حتى يربو الانفاق العسكري الأميركي على بقية العالم مجتمعة. هذه الموازنة تهدف الى السيطرة على العالم لا مجرد اسقاط صدام حسين أو مكافحة الارهاب. قبل عشر سنوات كان ديك تشيني وزير الدفاع وبول وولفوفيتز وكيل الوزارة للسياسة، وهما وضعا مبدأ ان تحكم الولاياتالمتحدة العالم، الا ان بوش الأب أحبط مخططهما. والآن الأول نائب الرئيس، والثاني نائب وزير الدفاع، وبوش الإبن هو الرئيس، وقد احتضن المخطط القديم، من دون أن يكون بالضرورة يعرف حقيقة المخطط، فجهله وقلة خبرته يسهلان على العصابة اليمينية المتطرفة جداً ادارته. موازنة الدفاع الهائلة لا تفهم الا بوضعها الى جانب "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة" التي نشرتها ادارة بوش في 20 من الشهر الماضي، وأثارت زوبعة مستمرة. فهي نصت أولاً على حرية الولاياتالمتحدة في شن حرب اجهاضية او استباقية ضد ارهابيين او دول تملك اسلحة دمار شامل، وثانياً عدم السماح لأي دولة او مجموعة دول بتحدي التفوق العسكري الأميركي، وثالثاً تفضيل الاجراءات الاحادية، او من جانب واحد، على المعاهدات الدولية والمنظمات الدولية في منع انتشار الاسلحة النووية. وفي حين انني لم أبدِ رأياً سوى الاعتراف بالخوف، فإنني اختار آراء من قلب الولاياتالمتحدة، فالبروفسور جون ايكنبري من جامعة جورجتاون قال ان مبدأ بوش سينهك التحالفات الدولية ويضعف نظاماً عالمياً تحكمه القوانين وتستفيد الولاياتالمتحدة منه. اما البروفسور توني جوت من جامعة نيويورك فحذر من ان العراق مجرد بديل للأعداء التقليديين: روسيا والصين وكوبا، وقال ان الحرب غير المبررة عليه ستعرقل الحرب الضرورية على الارهاب. ربما كان العراق مجرد بداية في مخطط اليمين الأميركي. ولكن التعامل معه مؤشر على المستقبل، فالادارة تكذب وتكذب وتكذب لتبرير حرب تخدم اسرائيل وحدها. وأنا لا استطيع هنا ان اسجل مراجعي كلها، بالاسماء والتواريخ، فأقول انها عندي لمن يرغب، وأكتفي بالتالي: مع بوش، الحقائق مطاطة، والموضوع يؤكد ان اهم اتهامات الادارة ضد صدام حسين "شطحات خيال". الاستخبارات الأميركية تشكك في ادعاءات بوش عن العراق، والموضوع يتحدث عن اسلحة الدمار الشامل. العلماء يشككون في قضية بوش ضد العراق، والموضوع عن أنابيب الألومنيوم والمشروع النووي العراقي المزعوم. براغ تنفي الاجتماع العراقي، وهذا الموضوع يجب ان يكون القول الفصل عن مزاعم اجتماع الارهابي محمد عطا مع ضابط استخبارات عراقي في براغ، فالرئيس التشيكي فاسلاف هافل نفسه اعلن هذا الاسبوع انه لا يوجد اي دليل على عقد الاجتماع المزعوم. فشل القيادة الاميركية، وهذا التحليل يتحدث عن فشل عام. أتوقف هنا لأقول انني أرجو ان يغير ابناء العراق النظام في بغداد، وأن يستطيعوا بناء نظام ديموقراطي لجميع ابناء العراق. غير ان الادارة الأميركية لا تكتفي بالسجل الحافل للنظام العراقي، وإنما تلجأ الى الكذب مرة بعد مرة، ما يجعل المواطن العربي مثلنا يدرك انها تكذب أيضاً عندما تتحدث عن إقامة عراق ديموقراطي بعد صدام حسين، وعن صيانة وحدته الاقليمية. مرة أخرى، هذه الادارة مخيفة، فهي وضعت نفسها فوق المنظمات الدولية او خارجها، وتجاوزت اتفاقات دولية قائمة، وانتهكت القانون الدولي في احتجاز معتقلي خليج غوانتانامو، كما انتهكت قراراً من المحكمة العليا الأميركية نفسها عندما قررت في تشرين الثاني نوفمبر من السنة الماضية محاكمة المتهمين بالارهاب في الولاياتالمتحدة أمام محاكم عسكرية، مع ان هناك قراراً من المحكمة العليا يمنع قيام محاكم عسكرية طالما ان المحاكم المدنية موجودة. وإذا كان رأيي متوقعاً فربما قبل القارئ رأي مجلة "بزنس ويك" الاقتصادية وهي من أعمدة النظام، فقد وصفت سياسة الادارة بأنها انفرادية، متغطرسة، مهينة للحلفاء، تكساسية، مهددة، تدمر تماسك الأسرة الدولية. هذه السياسة وضعها بول وولفوفيتز لخدمة اسرائيل تحت شعار "الصقور"، لذلك فعندما اكتشفت الادارة ان كوريا الشمالية ماضية قدماً في برنامجها النووي، قررت التعامل معها ديبلوماسياً، واستمرت في التهديد بحرب على العراق الذي لا يملك سلاحاً نووياً. وفسر وولفوفيتز هذا التناقض بصفاقة اسرائيلية، فقال: "بحسب ما أعرف فإن صدام حسين كان الزعيم الوحيد في العالم الذي بارك هجمات 11 أيلول... وهذا العداء الواضح ليس موجوداً في كوريا الشمالية". وولفوفيتز يقلب المنطق مع الحقائق، ولكن يبقى واضحاً من كلامه ان صدام حسين متهم بالفرح للارهاب الذي ضرب أميركا، لا بتنظيمه، وان العراق مجرد بداية وموازنة عسكرية تفوق مجموع بقية العالم لا يمكن ان تهدف الى بلد او اثنين، بل للسيطرة على العالم في استعمار جديد.