السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات.. والسياحة والمطاعم تتصدر الأنشطة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق أعمال المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار في الرياض    مدير المنتخب السعودي يستقيل من منصبه    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    نهاية الطفرة الصينية !    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع النهضوي الحضاري العربي : الواقع والأسطورة . صوغ العروبة عفوياً في لبنان وسورية المناهضين للتتريك ... والبحث عنها في الظروف المعقدة لعصر العولمة 2 من 2
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 2002

كان من الطبيعي ان ينقل المشروع الحضاري النهضوي العربي الى لبنان فسورية فمنطقة الهلال الخصيب، أوَليس إسهام الكتّاب والمفكرين وأيضاً الصناعيين اللبنانيين والسوريين في نهضة مصر، يكاد يعادل احياناً اسهام زملائهم المصريين؟ كما كان من الطبيعي أيضاً ان يتصدوا كلهم للسلطنة العثمانية التي تستعمرهم.
وتتوالى في لبنان ومنطقة الهلال الخصيب عملية التصدي للعثمانيين على مرحلتين: الأولى النصف الثاني من القرن التاسع عشر مقارعة عملية التتريك، المرحلة الثانية الربع الأول من القرن العشرين الثورة على السيطرة التركية اكانت عثمانية السلطنة أم تركية عثمانية خالصة تركيا الفتاة ومن ثم جمهورية أتاتورك. المرحلة الأولى كانت ثقافية هدفها إحياء اللغة العربية نهض بها آل البستاني المعلم بطرس وخلفاؤه وآل اليازجي ناصيف وإبراهيم ومن سار على دربهما، وقد أدّت الى نتيجتين مهمتين:
الأولى، بدايات أدب عربي بمستوى القرن العشرين.
الثانية، بداية صوغ مفهوم العروبة فالوحدة العربية.
كان قد صار بادياً للعيان منذ أوائل القرن العشرين أن عمر السلطنة العثمانية لن يطول. إلا أن الاطراف التي تستعد للاستيلاء على تركتها كانت على خلاف جذري في ما بينها، وهي ثلاثة:
الأولى، حلفاء الحرب العالمية الأولى، أي بريطانيا وفرنسا اللذان وقعا معاهدة سايكس - بيكو عام 1916 بتقسيم المنطقة في ما بينهما، ولكن بريطانيا كانت تعهدت في العام ذاته للشريف حسين بامبراطورية عربية إذا أشعل الثورة ضد العثمانيين كما وعدت اليهود بمقر في فلسطين وعد بلفور - 1917.
الطرف الثاني، العرب الذين شرعوا منذ أوائل القرن العشرين بتشكيل أحزاب وميليشيات تجمعت مع بداية الحرب حول الشريف حسين وبدأوا بزحف نحو هدفه الأول دمشق بقيادة الملك فيصل بن الحسين.
الطرف الثالث، هم الأتراك الذين تجمعوا بادئ ذي بدء في تركيا الفتاة وهذه عزلت السلطان عبدالحميد وأحلّت محله دستوراً لمجمل الامبراطورية العثمانية. ثم تجمعوا حول مصطفى كمال الذي آثر التخلي عن الامبراطورية عام 1923 في مقابل جمهورية تركية علمانية.
أَوَبَقي ثمة مجال للمشروع النهضوي العربي بعد تقسيم الامبراطورية العثمانية وإعادة تقسيم المنطقة وفق المصالح الأجنبية. فكلمة الهلال الخصيب تشير الى منطقة جغرافية هي التي قسمت الى دويلات وبهذا امتنع وجود حامل ما، فلم يبق بعد ثمة حامل للمشروع في حين أن مصر كانت ولا تزال وستبقى موحدة جغرافياً وبالتالي سياسياً ولهذا بلغ فيها المشروع النهضوي غايته.
كثيرة هي المشروعات الحضارية في تاريخ الانسانية أشير منها الى اثنين لعلاقتهما المباشرة بنا، وفي خلفية الاثنين الثورة الفرنسية والثورة الصناعية الأولى:
المشروع الأول هو الأنوار في القرن الثامن عشر أي السير على هدى العقل وقد أدى الى العلمنة أي الفصل بين الدين والدولة.
المشروع الثاني القرن التاسع عشر إحلال الدولة القومية محل الامبراطوريات آخرها امبراطورية نابليون. وسوف تقلص في القرن الواحد والعشرين العولمة دور هذه الدولة. وقبل الاثنين في الغرب طبعاً - النهضة القرون 14- 15 - 16 التي أحدثت انقلاباً جذرياً في التربية، إذ أحلت في الدراسة محل نصوص عصر الوسيط، النصوص الاغريقية واللاتينية. فكانت لهذا الانقلاب نتيجتان مهمتان: الأولى اضافة محور الانسان في تصور الكون الى محور الله، وكانت اقتصرت عليه تربية العصر الوسيط، النتيجة الثانية هي أسلوب الدراسة فقد صار يقوم على قراءة كل نص بلغته ثم تحليله بدقة لابراز معناه. القراءة هذه أطلق عليها اسم انسانيات أو أنسنة الانسان ان صح التعبير. فثمة إنسان جديد بدأ يتكون هو إنسان اليوم الذي يتصرف في شكل يجعله مسؤولاً عن ذاته وعن عالمه وبالنتيجة عن العالم.
هذه كانت بداية أوروبا والهوية الأوروبية والانسان الأوروبي. ونحن مدعوون اليوم للتفاهم مع هذا الانسان.
وربما ان العولمة هي المشروع الحضاري المستقبلي للعالم الانساني. وهي حصيلة ثلاثة عوامل:
العامل الأول، الاعلام المعمم الذي ينقلك لتوه من إطارك المحلي الى عالم لا حدود له. ويكون ذوقك وحساسيتك ورأيك السياسي.
العامل الثاني، الترجمة التي تأخذ اليوم شكلاً معمماً في الدول الأكثر تقدماً. وبهذا تضع أمام الانسان المتقدم حاضر وماضي الانسانية.
العامل الثالث، الانترنت الذي يطلعك في كل ثانية على ما تود معرفته من علوم وآداب وأفكار، انه بمعنى ما موسوعة في متناول يدك.
إلا أن محاولة العولمة جعل العالم فسحة واحدة تصطدم بعقبتين من العسير تذليلهما: الأولى، كون الثقافة الأدبية بالمعنى الواسع لهذه الكلمة مرتبطة بلغة وهوية قوميتين. العقبة الثانية، هي انقسام العالم الى اثنين: الواحد متقدم والثاني متأخر. ذاك منتج وهذا مستهلك، فبأية قوة، بأية اعجوبة يمكن للمتأخر أن يتجاوز المسافة الحضارية بينه وبين المتقدم.
ما العرب والعروبة في عصر العولمة؟
للمشروع الحضاري بوصفه كذلك، كما ينتج مما تقدم، خاصتان ذكرتهما سابقاً. الأولى، كونه ينشأ عفوياً في مرحلة من مراحل تطور جماعة محددة المعالم أو الهوية الخاصة الثانية أقله سياسياً وثقافياً.
فمشروعنا نحن العرب كان، في مرحلة النضال ضد تركيا العثمانية وتركيا التركية إن صح التعبير من أجل الاستقلال عربياً في انطلاقته اللبنانية المعلم بطرس البستاني وابراهيم اليازجي والسورية نجيب العازوري الذي عاش في فرنسا ونشر كتابه عن الأمة العربية بالفرنسية عام 1905 بعنوان: يقظة الأمة العربية، كما نشر فريد أنطونيوس عام 1920 كتابه بالانكليزية اليقظة العربية. وخاتمة هذه السلسلة من الرواد زكي الأرسوزي الذي بدأ فور وصوله الى سوريا عام 1938 الدعوة الى أمة عربية واحدة.
اليقظة العربية هذه كانت عفوية، بريئة، خالصة، مجانية، ولكن في منطقة اعتبرها الأجنبي حيوية بالنسبة الى مصالحه، ففيها القناة السويس، والبترول وطريق البترول إضافة الى كونها موقعاً استراتيجياً في الحرب والسلم. فلم يكن في إمكانه أن يقبل إلا بالجامعة العربية ومشتقاتها مثل المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم ألكسو.
والأخطر شأناً من كل هذا وذاك هو السؤال عن الحامل لليقظة العربية شبيه مصر. فمنطقة الهلال الخصيب لا تشكل ولا في صورة من الصور وحدة سياسية أو ثقافية ما. والوحدة التي بشّر بها زكي الأرسوزي بقيت في حدود الآمال أو الحلم إذا شئت. ولهذا فعندما انتقلنا بين الحربين وبُعيد الحرب العالمية الثانية الى مرحلة وضع خريطة سياسية لمنطقة الهلال الخصيب تكاثرت القوميات، بعضها عاش على أنقاض حلم الأمة العربية مثل الحزب السوري القومي الذي أسسه أنطون سعادة عام 1932، أو لبنان الكبير الذي صار حقيقة واقعة حوالى 1935 عندما سلخت فرنسا خمسة أقضية من سورية وضمتها اليه، ناهيك عن اسرائيل التي غرست في قلب الوطن العربي والتي لا ندري ما إذا كانت تسهم اليوم في بعثرة العرب أو في تجميعهم.
فالكلام عن مشروع نهضوي حضاري عربي في الوضع الراهن أسطورة في أحسن الحالات أو أحياناً تجميع مفاهيم وشعارات في شكل مفتعل. فما العرب والعروبة والوحدة العربية في عصر العولمة؟ ذلكم هو السؤال المطروح علينا والذي نتصرف وكأننا أسقطناه من حسابنا.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.