عندما تولى فلاديمير بوتين الرئاسة في روسيا، طرحت تساؤلات حوله، ذلك انه كضابط سابق في الاستخبارات، بدا لغزاً مستعصياً. وحاول بوتين ان يقدم اجابة وافية على هذه التساؤلات في اول مؤتمر صحافي موسع عقده في الكرملين اول من امس. واختير موعد المؤتمر الصحافي عشية انعقاد قمة جنوى للدول الصناعية، بهدف حفز الاهتمام الدولي بروسيا. لكن ما قاله بوتين، اثار ردود فعل واسعة داخل بلاده ايضاً، اذ فوجئ اليمينيون الذين اعتقدوا ان الرئىس الروسي اصبح حليفهم عندما سمعوه يتحدث عن "تقاليد كبيرة للحركة الشيوعية" في روسيا ويؤكد ان للحزب الشيوعي جمهوراً واسعاً وإن كان اقترح عليه تغيير اسمه الى حزب اشتراكي ديموقراطي. وأعرب فالنتين كوبتسوف نائب رئيس الحزب عن ترحيبه بتصريح بوتين الذي عارض دفن جثمان مؤسس الدولة السوفياتية فلاديمير لينين المسجى في ضريح قرب الكرملين. وكان الرئىس السابق بوريس يلتسن اكد عزمه على دفن الجثمان باعتبار ذلك رمزاً لانتهاء عهد الشيوعية. إلا ان بوتين اشار الى ان هناك اعداداً كبيرة من المواطنين الذين يعتقدون ان لينين رمز لكل حياتهم. وهذه التصريحات، مخيبة لآمال اليمين. لكن زعيم "اتحاد القوى اليمينية" بوريس نيمتسوف قال ان بوتين اطلق هذه الكلمات ك"تعويض" لليساريين عن اقرار سلسلة من القوانين الليبرالية التي طالبت بها الاحزاب اليمينية. وحاول بوتين ان يقدم تصوره عن النموذج الذي يطمح إليه، فتحدث عن دولة قوية باقتصاد ليبرالي. وقال انه يريد ان تنتهي فترة صلاحياته بتحسن في اوضاع المواطنين وتعزيز شعورهم بالأمن. وفي تأكيد على القطيعة مع الحكم السابق، انتقد بوتين بشدة بوريس بيريزوفسكي الذي وصف بأنه "ممول" يلتسن وعائلته والرجل الذي قال عنه بوتين انه كان "يعيّن ويطيح". وعندما سئل عما اذا كان يخشى نية بيريزوفسكي انشاء حزب سياسي لإسقاطه، اجاب بوتين "ومن هو بيريزوفسكي؟". ثم تابع ان بوسع الأخير ان يقول ما يشاء وإذا وجّه انتقادات صائبة فإنه "سوف يُشكَر". ولم يخرج بوتين عن طوره سوى مرة واحدة عندما سئل عن انتهاكات القوات الروسية في الشيشان، فتحدث مطولاً عن "الراديكاليين". وقال انهم يعمدون احياناً الى استفزاز الروس ودفعهم الى ارتكاب انتهاكات واستخدام ذلك دعائياً. وانتقد الصحافة لأنها تتجاهل جرائم قتل يتعرض لها المتعاونون مع موسكو. ولكنه اضطر الى الاعتراف بأن على القضاء ان يحاسب المذنبين من الجانبين. وبالفعل، اعلنت النيابة العامة امس اقتياد ستة من الجنود الى المحكمة لتورطهم في "تجاوزات" اثناء عمليات "التمشيط" الاخيرة في الشيشان. وعلى رغم اهمية الشأن الداخلي فان بوتين اراد ايصال رسالة قبل لقاء جنوى، وهو كال المديح لنظيره الاميركي جورج بوش وتحدث عن نية روسيا "الاندماج" في المجتمع الأوروبي. ولوحظ ان اعتراضه على برنامج الدرع الصاروخية الأميركي، خلا هذه المرة من الحدة، بل انه اكد ان روسيا لا تنوي تنفيذ برنامج مشترك مع الصين او دول اخرى لمواجهة النيات الاميركية في هذا المجال.