عبّر الرئيس جاك شيراك أمس عن "رعبه" إزاء تصريحات الجنرال الفرنسي السابق بول أوساريس عن التعذيب الذي مارسه خلال "معركة الجزائر" بين 1955-1957. ودعا الأجهزة العسكرية المختصة الى اتخاذ عقوبات تأديبية في حقه. لكن أوساريس، الذي صدرت دعوات في الجزائروفرنسا الى محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية، رد أمس بالقول انه يرفض "التوبة". وقال في بيان الى وكالة "فرانس برس": "كان من المحبذ ان اقدم هذه التوبة تماشياً مع روح الزمن، لكنني لن اقوم بذلك لان هذا التصرف يتناقض مع التاريخ". وكان الجنرال الفرنسي يرد على الاحتجاجات التي تلت نشر كتابه "أجهزة خاصة، الجزائر 1955-1957" الذي أثار موجة بلبلة عارمة في فرنسا. وقال متوجها الى اولئك "الذين لا يعرفون او يتظاهرون بعدم المعرفة" انه استدعي لمكافحة "الاعتداءات العمياء التي كانت تشنها جبهة التحرير الوطنية الجزائرية ... مع العلم انه لا يمكن التوصل الى مثل هذه النتيجة بدون تلطيخ الايدي، لسوء الحظ". وخدم الجنرال اوساريس في الجزائر خلال حرب الاستقلال. وكشف العام الماضي انه عذب شخصياً وقتل 24 سجيناً. وقال الرئيس شيراك في بيان أصدره قصر الأليزيه أمس ان تصريحات أوساريس، الواردة في كتابه وفي بعض الصحف، مثيرة ل "الرعب" وانه "يدين مجدداً أعمال العنف الوحشية والتعذيب والاعدامات السريعة والاغتيالات التي ارتكبت خلال حرب الجزائر والتي لن يكون هناك أبداً ما يبررها". وأضاف شيراك انه طلب من الجهات المعنية "العمل فوراً على اتخاذ الاجراءات المناسبة" لشطب إسم أوساريس من جوقة الشرف الوطنية، كما طلب من وزير الدفاع الآن ريشار "اقتراح سلسلة من العقوبات الانضباطية التي يمكن اتخاذها بحق هذا الجنرال". وتابع انه ينبغي على المؤرخين العمل سريعاً لإلقاء الضوء على ما تخلل الحرب في الجزائر وكشف المسؤوليات عن الأحداث التي حصلت. وأكد ان "الحقيقة كاملة ينبغي ان تُكشف عن هذه الأعمال غير المبررة، من دون تناسي ملايين الشبان الفرنسيين الذين قاتلوا بشجاعة وشرف". ويُعد العنصر الجديد الذي ينطوي عليه موقف شيراك هو الدعوة الى إجراءات عقابية بحق اوساريس 83 عاماً وتجريده من وسام جوقة الشرف الذي يحمله. وقال وزير الدفاع انه يدرس الإجراءات العقابية بحق الجنرال المتقاعد. كما عبر رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان عن "ادانة اخلاقية تامة للممارسات الرهيبة التي اعترف بها وتبناها" اوساريس. وارتفعت أصوات عدة مجدداً من أوساط الحزب الشيوعي وحزب أنصار البيئة الخضر وكلاهما يشارك في حكومة جوسبان للمطالبة بلجنة تحقيق تتولى تحديد المسؤوليات عن الممارسات البشعة التي تخللت الحرب في الجزائر. لكن وزيرة العدل ماري ليز لوبرانشو اعتبرت ان حصول محاكمة في خصوص ما جرى "ممكنة، لكنها صعبة". وقالت، في المقابل، انه تمكن ملاحقة أوساريس قضائياً بتهمة "الإشادة بجرائم الحرب" مما يعرضه لعقوبة السجن خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 300 الف فرانك. وكان أوساريس قال في كتابه ان المسؤولين الفرنسيين، وبينهم وزير العدل آنذاك فرنسوا ميتران، كانوا على إطلاع على ممارساته. وفي الجزائر، أكدت السيدة حسانة ظريف، شقيقة شهيد الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي الذي قتله الجنرال أوساريس في آذار مارس 1957، أنها بصدد إجراء اتصالات مع السلطات الجزائرية المعنية وزارة المجاهدين لرفع دعوى قضائية ضده بعدما اعترف بجريمته. وطالبت السلطات الفرنسية بتقديم "كل الحقيقة في ظروف اغتيال أخي". ومعروف ان الأوساط الفرنسية زعمت ان بن مهيدي، أحد أبطال الثورة، انتحر في زنزانته خلال اعتقاله. وقالت في حديث الى التلفزيون الجزائري مساء الخميس: "إنني اطلب من هذا الجنرال،إن كان له شرف الجندي الفرنسي كما يدعي، أن يقول لنا كيف قتل البطل التاريخي العربي بن مهيدي وما هي الوسائل التي استعملها في تعذيبه وماذا قال له قبل أن يموت تحت التعذيب". وكان بن مهيدي اعتُقل في مأوى سري في منطقة الأبيار في أعالي العاصمة.