بلدية القطيف تطلق "مبادرة التوت القطيفي" بمشاركة 80 متطوعاً    مبادرة لتنظيف بحر وشاطئ الزبنة بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية والتطوعية    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    الأمير فيصل بن سلطان: مؤشرات 2024 تبرهن على حكمة القيادة وقوة عزيمة أبناء الوطن    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م        بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير    افتتاح مستشفى الدكتور سليمان فقيه بالمدينة المنورة: أحدث التجهيزات وأفضل الخبرات لأفضل تجربة رعاية صحية    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    القيادة تهنئ رئيسة تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    أمير عسير: نجاحات متتالية لمستهدفات طموحة    أمير نجران: ترسيخ مكانة المملكة بين الدول    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    حددت الشروط والمزايا..اللائحة الجديدة للاستثمار: تخصيص أراضٍ وإعفاءات رسوم للمستثمرين الأجانب    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    قدامى الشباب ينتقدون نتائج توثيق البطولات    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    32 مليون مكالمة ل 911    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطبة مجلس الشورى قبل الانتخابات الرئاسية . تغير القيم في إيران يمكن استيعابه لئلاّ يطرحه أعداء نظامها 1 من 2
نشر في الحياة يوم 01 - 05 - 2001

خطابي الرسمي الأول بعد مراسم القسم القيته هنا في مجلس الشورى في 4/8/1997، وكان في الواقع عصارة عهد قطعته للشعب الإيراني الشريف، والأهم من ذلك عهدي مع الله سبحانه وتعالى للقيام بالمسؤولية والخدمة العظيمة التي وضعها الشعب على عاتقي. واليوم، عندما اعود الى ذلك الخطاب أؤكد استمرار التزامي بفحواه ويشكل ذلك تجسيداً لمعتقداتي ودليلاً الى مسؤولياتي، وأرى اليوم وانا على اعتاب الأشهر الأخيرة من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقي انه من الأنسب ان احضر مرة أخرى الى بيت الشعب لأخاطب الشعب الشريف والعظيم المتفاني والصامد العزيز، من خلالكم أيها النواب.
خطاب 4/8/1997 يشكل عهداً محوره الأساسي ادارة أمور البلاد في اطار الدستور الذي يعتبر الانجاز الكبير للثورة الاسلامية وميثاقنا الوطني. في هذه الفترة اعتبرت الثقة التي منحني اياها الشعب الرأسمال الأكبر في مسؤولياتي. ومن الواضح ان اكون على علم ودراية بالمشكلات التي يعاني منها الشعب والتي أدخلت الحزن الى قلبي. اعلم ان قسماً كبيراً من أبناء الشعب يمر بظروف صعبة وان موائدهم متواضعة وانهم يسعون كثيراً لكنهم يحصدون قليلاً، وان آثار ضعفنا والمشكلات والعقبات والضغوط والنواقص تنعكس في البداية على هذه الشريحة من المجتمع. من الطبيعي ان يتحمل الجميع المشكلات التي نواجهها وان نسعى جميعاً لمواجهتها، يجب ان نكدّ كثيراً لانجاز الأعمال العظيمة، الم يتحمل قائدنا الكبير الآلام والمصاعب؟ الم يتحمل مسؤولو البلاد الضغوط والمشاق؟ علينا ان نتحمل وبصبر. وأنا خادمكم الصغير كذلك، وأنا مثل الجميع اعاني معاناة الشعب وأسعى لحل مشكلات هذا البلد. اعترف بأنني لم أصارح الشعب الشريف بجميع المعاناة والمشكلات التي تواجهني، لكن ذلك ليس بسبب مصالحي الشخصية، بل من أجل المصالح الوطنية.
لا يحق لأي مسؤول خدوم ان يهدد البلاد بأزمة بطرح معاناته ومشكلاته، بل عليه ان يسعى للحيلولة من دون تحويل المشكلات الى أزمات، واذا واجه أزمة فعليه تحمل ذلك كي لا تصيب تلك الأزمة الشعب.
سأقدم في أقرب فرصة تقريراً تحريرياً وافياً الى القائد الكبير للثورة الإسلامية ولنواب الشعب والشعب الإيراني الشريف والى الرأي العام، ومن هنا أطالب بتواضع واخلاص جميع أصحاب الفكر والمخلصين وكل من يعمل لسمو الإسلام ورفعة ايران، سواء كانوا من أنصار الحكومة أم من المنتقدين الأعزاء، أن يبرزوا الجوانب السلبية لهذا التقرير.
السؤال المطروح، وهو صحيح وفي محله: ماذا قدم رئيس الجمهورية؟ لعل السؤال الأصح الذي يجب ان يطرح هو: ماذا قدمنا جميعاً؟ ان هدف طرح هذا الموضوع هو طرح الأفكار والآراء حتى تُدرس وتُقوَّم المواقف والبرامج بشكل أفضل، هل ان ما حصل في 23/5/1997 هو حدث نابع من أحاسيس عابرة يزول بأحاسيس أخرى أم هو ناجم من واقع؟ لو أنعمنا النظر الى هذا الواقع على رغم اختلاف وجهات النظر لتمكنا من ان نبحث عن الحلول المناسبة وان نعكس هذا الواقع الذي اعتقد انه كان سائداً آنذاك. ان الثاني من خرداد 23/5/1997 هو حدث ناجم من ذلك الواقع. طبيعي ان تعرفوا ايها الأعزاء ويعرف جميع ابناء الشعب الإشاعات التي كانت سائدة قبل وصولي الى الحكم، التي كانت تقول ان وصول فلان الى سدة الحكم سيؤدي الى سقوط الإسلام والثورة والأمن في البلاد.
من الضرورة ان أذكر هنا عناوين المراكز التي كانت تروج لهذه الاشاعات، لكني لا أود ان اذكرها، وليس من الصعب معرفتها ومعرفة المنابر والأجهزة والمؤسسات التي استغلوها لبث وترويج هذه الاشاعات. لكن ابناء الشعب سلكوا واختاروا طريقاً آخر، وهذا الاختيار لقي كذلك دعم قائد الثورة وتأييده. ان هذه الأمواج تجددت بعد فترة قصيرة، وسعت عناصر من خلال رسم صورة حالكة لكل شيء، وبتعبيري "احراق مركز تجاري كبير للوصول الى منديل صغير"، وظهرت هذه الأمواج مرة أخرى في شكل نشط وفاعل في المجتمع.
هناك تحديات اعتقد انه من الممكن ان نواجهها، وأطالب جميع عقلاء القوم وعقلاء المجتمع الذين ينتمون لشتى التيارات والمجموعات ان يدعوا للوسطية والعقلانية والمنطق.
ان التحدي هو طرح الأمور على ان ما يجري هو نزاع بين المدافعين عن الثورة والمناهضين لها. ويجب الا ينكروا بأن أبناء الشعب والمواطنين قاطبة وجميع العقلاء والذين يعانون، يطالبون بإصلاحات معقولة في اطار الدستور، والا يحاولوا من خلال تقسيم المجتمع الى قطبين ان تتهيأ الظروف للتشدد والتطرف. ان الافراط أو التفريط خطران يهددان المجتمع. الأول يؤدي الى ظهور حركات متطرفة تحت غطاء معايير مقدسة وقيِّمة وتأخذ مثلاً صبغة اسلامية وثورية ومدافعة عن الحرية واحترام حقوق الشعب، والخطر الثاني الذي هو أخطر من الأول يتمثل في تكوين هذه الحركات داخل المؤسسات والأجهزة الحكومية المسؤولة وهي التي في الحقيقة يجب ان تقدم خدماتها الى أبناء المجتمع وان تضمن مصالحهم، وبالتالي نجدها توجه ضرباتها الأساسية الى النظام والشعب. والمثال على ذلك ما حصل في موضوع مسلسل الاغتيالات ووجود تلك المجموعة داخل الجهاز الأمني وتوجيهها ضرباتها الأولى للجهاز الخدوم والمتفاني في وزارة الأمن، ومن ثم الى النظام والشعب، وقد تمكنا بمساعدة الباري عزّ وجلّ من صدها.
الموضوع الآخر الذي يجب ان أؤكد عليه هو قصورنا، ان الحكومة التي تعتبر معنية بالوصول الى التطور السياسي لم تسنّ قوانين دقيقة. اننا لم نوضح بعد مفاهيم شاملة ودقيقة للموافق والمؤيد والمعارض والارهابي والمعاند للنظام ولم نرسم حدوداً لذلك، وهذا العامل أدى الى تردي الأوضاع. فمثلاً، في ما يخص الموافق والمؤيد، ما هي الامكانات التي يجب ان يحظى بها؟ لا نعني ان الموافق يقول ما يحلو له ويفعل ما يريد، وكما هو في مصطلح اليوم ان يستفيد من جميع الامكانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي المقابل يجب الا يقمع كل معارض وألاّ يغلق فمه بأنواع الحجج وشتى السبل.
في المجتمعات المتقدمة، لا يكون المعارض حراً فحسب، بل يجب ان تضمن الحكومة حرياته، وفي المقابل يجب صد كل من تسول له نفسه تخريب الأوضاع وكذلك المعاندين والذين يسعون لقلب النظام، وذلك وفقاً للقانون. أرجو ان نوفق في سن مشاريع قرارات لتوضيح هذه الأمور.
اذا كنت أؤكد على وجهة نظر وفكرة: فإن هذه النظرة لم تعد اليوم نظرة شخص واحد، انها تستقطب القبول والتأييد والدفاع عن الرسالة الثورية والوطنية والتاريخية. ان هذا الموضوع هو الواقع، واعتقد ان هذا السبيل يمكن ان يقدم دعماً كبيراً لرقي ايران وتقدمها. أقولها بصراحة: لم اطمح الى اية مسؤولية، ولم تفلح أية ضغوط لثنيي عن نظرتي وعقيدتي حول الأمور. في الوقت نفسه أتقبل برحابة صدر اي منطق، وأستفيد من الكثير مما يطرح، وطالما توجد هذه الفكرة والنظرة فإن الضغوط المتنوعة لن تجبرني على التراجع. وأقولها لكي أريح الجميع، ان الذين ينظرون الى السياسة من جانبها الأخلاقي والثقافي، لا يكترثون للحكم و"البقاء في السلطة بأي ثمن"، اعتقد ان الشعب كذلك يطالب بهذا ويحترم من يحمل هذه الفكرة. من الطبيعي ان أوافق على السير بخطى ثابتة الى الأمام طالما يريد الشعب ذلك وطالما انا واثق من مقدرتي على ذلك، ولم أكن مثالياً مفرطاً في التفاؤل بحيث أظن انني سأحقق جميع الأهداف خلال ليلة وضحاها، يجب ان تتوافر مقومات الرقي والتقدم وألاّ تغلق العقباتُ جميعَ السبل، سأكون في خدمة الشعب طالما يريد ذلك وطالما اشعر بأنني قادر على السير الى الأمام على رغم المشكلات، ولو لم يتيسر لديَّ هذا الشعور فانني كنت أفضل ان اقدم خدماتي للشعب والثورة في منصب آخر.
من الطبيعي ألاّ تنصبّ الأهمية على الشخص. المهم هو مصالح النظام والمجتمع.
ما أشعر بأنه من مطالب الشعب ومن مقتضيات المرحلة الراهنة هو اننا لم نملك خياراً آخر سوى اقامة نظام ديموقراطي ديني، وهو ما دعت اليه الثورة الاسلامية. يجب ان نوفق وأن نهيئ مقتضيات وأسباب ذلك. ان الشعب وقف بصلابة امام المشكلات والأزمات.
لكي نعرف من اين جئنا وأين نقف وبالتالي نضيء الدرب نحو المستقبل، يجب ان نعرف الحقائق. وانظر الى هذه الحقائق بنظرة تحليلية فاحصة، وآمل ان نصل الى علاج لجميع المعاناة والمشكلات. هناك ابحاث ودراسات كثيرة - أجريت في مركز البحوث في مجلس الشورى الاسلامي وفي مراكز أخرى - تؤكد ان الأوضاع في أعقاب "الثاني من خرداد" شهدت تغييرات واضحة، وان التوجه نحو القيم في المجتمع شهد نمواً كبيراً، واتجهت النظرة نحو النقد، لكن الموضوع المهم في هذه الأبحاث هو الاهتمام بمعايير جديدة في اطار القيم الدينية للثورة الاسلامية والمفاهيم التي طرحتها الثورة. من هذا المنطلق، فإن "الثاني من خرداد" ادخل القلق الشديد في قلوب الاعداء، وفي اعتقادي ان طرح اعداء الثورة موضوع "فتنة خاتمي" طرح ذكي، فقد شعروا بان المجتمع في أمس الحاجة الى التغيير وانهم كانوا يأملون بأن يأتي التغيير من خارج النظام، وانهم احسوا بان "الثاني من خرداد" جذب الحركة العظيمة المطالبة بالاصلاح والتغيير نحو النظام وأهدافه، وهذا الأمر بالذات بدّد آمال اعداء الشعب الإيراني.
فإلقاء نظرة عابرة على الاحصاءات والأرقام الحاضرة يوضح كيف كانت الأوضاع في ايران في اعتاب "الثاني من خرداد". سأوضح باختصار المؤشرات الرئيسية:
1- ان التركيبة السكانية لإيران في تلك الفترة أحدثت تطوراً عظيماً، فقد تضاعف عدد سكان ايران في عام 1997 مقارنة باوائل الثورة، وهذا يعني بأن 70 في المئة من أبناء المجتمع ولدوا بعد الثورة "الاسلامية" وانهم ترعرعوا داخل نظام الجمهورية الاسلامية. ان ما يعرف ب"الثورة السكانية" في علم الاجتماع قد تحقق في ايران، وفي دورة قصيرة، تغير المجتمع نحو مجتمع آخر.
2- نمو المدن وتطورها، فلأول مرة في أعقاب "الثاني من خرداد" تغيرت التركيبة السكانية وأصبح سكان المدن أكثر من سكان القرى والأرياف حيث أصبح 61 في المئة من السكان يعيشون في المدن، إن الاهتمام بالعيش في المدن يتطلب توجهات ومطالب خاصة، علماً ان الثورة نفسها تتطلب خدمات خاصة.
في هذه الفترة، حصل تغيير كبير في التربية والتعليم والثقافة العامة، فقد ازداد عدد الطلاب من حوالى 7 ملايين طالب في بداية الثورة الى 19 مليون طالب. وازداد عدد الطلاب الجامعيين الى مليون و250 الف طالب عام 1997، وان هناك اكثر من 3 ملايين طالب جامعي انهوا دراساتهم. وارتفع معدل المتعلمين من 47 في المئة في أول الثورة الى 79 في المئة. وفي المدن بلغ معدل المتعلمين 86 في المئة، وارتفع معدل النساء غير الأميات من حوالى 30 في المئة الى 74 في المئة.
الموضوع الآخر هو التطور الذي طرأ على التشكيلة الطبقية للمجتمع، فقد ارتفع معدل استهلاك الطبقة المتوسطة التي تسكن المدن وتطورت ونمت اسواق الاستهلاك، وتطور الى جانب ذلك قطاع الخدمات وظهرت طبقة كبيرة من الوسطاء في التجارة والاقتصاد، وبالتالي ظهر شكل جديد من الحصول على الثروة في المجتمع، فقد ظهر أشخاص يدخرون باقل الجهود والامكانات وبأقل مدة ممكنة ثروات طائلة، وهذه الظاهرة أدت الى تشاؤم الكادحين والصناعيين في المجتمع وسخطهم. التغييرات الطبقية والميل نحو الاستهلاك والحصول على الثروات من دون بذل الكثير من الجهد، هي من التغييرات التي شهدها مجتمعنا بعد الثورة.
التغيير في تشكيلة المجتمع ونظرته الفكرية والسكانية والطبقية أدى الى حصول تغيير في نظام القيم الحاكم في مجتمعنا، بما في ذلك، التغييرات في المجموعات التي تعتبر مصادر يرجع اليها، أي ان مجتمعنا التقليدي كان يكن احتراماً خاصاً لمراجع معينة يتخذها قدوة. ولاتزال موجودة تلك المجموعات التقليدية التي تعتبر مراجع.
هناك مجموعات فكرية جديدة حاضرة اليوم في المجتمع، ويمكن التأكيد أن دور المثقفين والجامعيين في التأثير في المجتمع ازداد كثيراً، وأعتقد انه في ظل هذه الظروف احست شرائح كبيرة من المجتمع أنها قادرة على طرح مطالبها في شكل شعارات ومواقف طرحت في "الثاني من خرداد". ان ما طرح هو عبارة عن: الوسطية وتثبيت النظام والتشديد على الدستور كمبدأ ومرجع لادارة المجتمع والاهتمام بحقوق الشعب وحرياته وتحقيق العدالة الاجتماعية.
أعتقد ان ما حصل ويحصل لم يشكل خطراً على الثورة، بل هو فرصة كبيرة لها. ولو اعتبرنا ان ما حصل هو الاصلاح بعينه كما اراه أنا، فهناك مجموعتان تقفان في طريق الاصلاح، الأولى هي المجموعة التي تعارض أي تطور ولا يمكنها ان تتصور اي تحول وتغيير، وعناصر هذه المجموعة تصر على اتباع سبل متصلبة ومتشددة. والمجموعة الثانية هم الذين يحاولون نتيجة اغراض أو جهل ربط كل تطور في المجتمع بعوامل خارج النظام، وفي الحقيقة يعتبرون اي تغيير بداية لتغيير النظام والثورة. ان الاصلاح في الحقيقة لا ينسجم مع تطلعات هاتين المجموعتين، وتطلعات هاتين المجموعتين كذلك لا تنسجم مع الاصلاح الحقيقي لدى الشعب الايراني. ولكن، ماذا يريد الشعب وماذا طالب في البداية؟ وهنا اؤكد مجدداً أن رأي الشعب هو واضح في ما يخص التطور السياسي، أي الاهتمام بحقوق المواطنة ورفض النظرة الأمنية في المرافق العامة، خصوصاً في المجال الثقافي والسياسي والتي تؤكد اتخاذ سبل لمراقبة العلاقات الاجتماعية. هذه السبل هي التي تزيد من السخط وعدم الرضا خصوصاً لدى الطبقة الدنيا من المجتمع، وتؤدي الى عدم الاكتراث بتطور الثقافة الاسلامية والايرانية. كذلك اتخاذ استراتيجية المنع عوضاً عن المناعة، وتوجيه الضربات لحدود العلم والثقافة ببث دعايات يومية وبصورة مفرطة تؤدي الى ظهور أزمة هوية بين قيم الحكومة وقيم المجتمع، ونتيجة لعدم الاهتمام بهذا الواقع تظهر الخلافات بين الأجيال، بين الجيل الذي له نظرته الخاصة والجيل السابق له، وبالتالي ظهور انقسامات في الخطاب الوطني وولادة ثقافتين. أقول انه لو قررنا ان نكون متشائمين، ولو اتهمنا الاعداء بالسعي لاسقاط النظام، لماذا يجب الاّ نربط رفض قبول هذه الحركة والوقوف امام التغييرات الحقيقية التي يطالب بها الشعب الايراني بالاعداء؟
وفي ما يخص الأوضاع على الساحة الدولية في أعقاب "الثاني من خرداد"، ان ثورتنا سلكت طريقاً وعراً، اذ ظن الكثير أن هذه الأمواج ستنتهي مع نهاية الحرب، خصوصاً بعد الهجوم العراقي على الكويت فتتنفس الجمهورية الاسلامية الصعداء، ولكن للأسف، بعد فترة قصيرة لم يتحقق هذا الأمر، واشتدت الضغوط على الشعب وعلى الحكومة الايرانية حيث شهدت ايران في أواسط عام 1996 وأوائل عام 1997 واحدة من أشد الأزمات على الصعيد الدولي، أي اتهام الشعب الايراني وحكومته برعاية الارهاب بصورة مفرطة وظالمة، وفتحت ملفات عجيبة في مناطق مختلفة من العالم ضد الثورة والنظام الايراني، وقد تقلص نفوذنا في المؤسسات الدولية في شكل كبير، وفرض علينا الحظر الشامل من جانب الولايات المتحدة، كما فرض على الآخرين الالتزام بهذا الحظر، واشتدت الضغوط على الجمهورية الاسلامية وارتفعت نسبة مخاطر النشاطات الاقتصادية في ايران فوق ست درجات. والمثال في هذا الصدد هو عدد السياح الأجانب الذين زاروا ايران، فقد انخفض عام 1996 وأوائل عام 1997 بشدة. طبعاً، كانت هناك بعض النشاطات المشبوهة التي اعطت الفرصة للاعداء لبث الدعايات المغرضة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية. أما الوضع الاقتصادي في أعقاب وصول حكومتي الى سدة الحكم، فقد كانت هناك محاولات قيمة خلال فترة الحرب أو بعدها.
* رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والنص ترجمة مجازة لخطابه الأخير أمام مجلس الشورى في طهران.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.