تعتمد الصياغة وصناعة الحلي عند العرب، على الذهب والفضة واللؤلؤ والأحجار الكريمة وغيرها. وكان الجوهريون العرب، يصنعون من هذه المواد، الأقراط والقلادات والعقود والخواتم والخلاخل والمرصعات. وكانوا يزخرفونها بنقوش جميلة، ويزينونها بصور من الطبيعة. ومنها ما كان يستعمل على شكل تعاويذ ورقى. وكانوا يدخلون في تقنياتهم مهارتهم الفنية وخبرتهم العلمية حتى يضفوا على مصوغاتهم أجمل الألوان والأشكال. وكان العرب الجنوبيون، أشهر الجوهريين العرب، حتى ان بعض كتاب اليونان بالغوا في ذلك، فأشاروا الى أوانٍ وأثاث وأدوات منزلية، كانت تصنع من دون سواهم من الأمم والشعوب الأخرى. وعثر المنقبون والأثريون في المقابر التي ضمت أجداث نساء عربيات جنوبيات، على أقراط وحلي نسائية. كما وجدت مصوغات أخرى من ذهب، لا يزال الصاغة يصوغون من أمثالها في العربية الجنوبية حتى يومنا. وبلغ عقيق اليمن وجزع ظفار شهره واسعة. ويذكر الاخباريون ان السيدة عائشة رضي الله عنها كان عقدها من جزع ظفار. وذكر ابن هشام والواقدي، انه كان لدى زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم قلادة من جزع ظفار. أما الأحجار الكريمة فكانت تشتهر بها اليمن، وهي ذات ألوان متعددة، منها البيضاء والسوداء والخضراء والصفراء والحمراء. ومنها ما هو مزيج من هذه الألوان جميعاً. وعثر الأثريون في مقابر "تمنع" عاصمة قتبان، على قلادة جميلة من الذهب، عثر عليها في مقبرة قديمة. وقد عمل على القسم الرئيسي منها على شكل هلال، بداخله زخارف ونقوش بالأحرف القتبانية، تشير الى اسمين، أحدهما انثى تدعى "هغرلت" وهو من اسماء قتبان. كما عثر على قلائد اخرى وصفائح من الذهب نقشت عليها صور بعض الحيوانات. وفي بعض الحفريات عثر على أساور من المعدن أو الزجاج أو العظام أو العاج. وهي مزخرفة بزخارف جميلة منقولة من الطبيعة بخطوط على السطح الخارجي، أو حبيبات دائرية تتكرر على محيط الأساور. وعثر أيضاً على بعض الخواتم الفضية والنحاسية والحديدية وعلى مجموعة كبيرة من الخرز بأشكال وأحجام مختلفة من العقيق والبلور الصخري والشيش والياقوت والزجاج المعتم والشفاف، واستعملت لأغراض شتى لدى الجوهريين العرب. وفي مدينة يثرب في الحجاز، كان يباع الحلي والمجوهرات في سوق بني قينقاع، حيث كان يأتيها النساء من أهل المدينة، يشترون ما يلزمهم. ويقدم اليها الناس من حواضر الحجاز وأهل البادية لشراء ما يطلبونه من مصاغ. وكان الصاغة في المدينة يصنعون الأساور والدمالج والخلاخيل والأقراط والفتخ والعقود من الذهب أو من الجوهر والزمرد، أو من الجزع الظفاري. ويقال ان المدينة بالحجاز كانت قد تميزت بصناعة الحلي والمجوهرات. ويذكر السمهودي انه كان في قرية زُهرة وحدها، وهي أعظم قرى يثرب بين حرة وأقم والسافلة، نحو من ثلاثمئة صائغ وجوهري. وفي تدمر، التي كانت تعتبر مدينة القوافل، تجمعت ثروات طائلة لدى التجار والوسطاء التجاريين ورؤساء القوافل ورجال المال والصيارفة، فاندفعوا لاقتناء المصوغات لنسائهم وفتياتهم. ويظهر ذلك في غزارة الحلي الظاهرة في المنحوتات التدمرية التي تزين الاعناق والأذان والمناخير، على شكل قلائد وعقود وأقراط، أو تزين صفحات الوجه وتزين ايضاً اليدين والرجلين. ونحن نستنتج من ذلك ان النساء الثريات في تدمر، كن يتحلين بالقلادات والعقود والأساور والأقراط والخواتم والمرصعات، وهي مصاغة من الذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة وغيرها. وتغنى العرب قديماً بالأذن التدمرية لجمال الأقراط التي تعلق بها. وعثر على منحوتة سلمة بنت يتم أرصو، وهي موجودة في متحف كارلسبرغ في كوبنهاغن بالدانمارك، تمثل حسناء تدمرية، يحلّي جيدها سبعة عقود، وعلى رأسها إكليل معقود بثلاثة صفوف، وسواران في كل معصم، وخواتم في اناملها، والرصيعة على صدرها، وعثر المنقبون في مدفن "شلم اللاث"، على تمثال للفتاة "مارتي" حفيدة مؤسس المدفن، وهي تحمل خمسة عقود وقلادات متعاقبة، ولها سواران وخمسة خواتم، اثنان منهما في أصبع واحدٍ في يدها. كما ترينا بعض المنحوتات الأخرى علب المجوهرات التي يحملها العبيد وتقدم للسادة. وكثيراً ما تكون هذه الحلي في التماثيل ملونة أحياناً بماء الذهب، وبعض الألوان الأخرى، تمييزاً للحجارة الكريمة. * استاذ جامعي.