غيب الموت رمزاً من رموز العمل الاسلامي، وأفل نجم من سماء العالم الاسلامي، انه المفكر الكبير عادل حسين الذي وافاه القدر يوم الخميس الماضي 15 آذار/ مارس عن عمر يناهز 68 سنة، بعد خمسة أيام من اصابته بجلطة دماغية. وقد خرجت في اليوم التالي الجمعة مدينة القاهرة، كبيرها وصغيرها، لتشييعه في موكب جنائزي رهيب قلما عاشته العاصمة المصرية منذ عشرات السنين، وقد كان المشيعون بحسب أحد الأخوة من مختلف التوجهات السياسية والفكرية، من علماء وكتّاب وصحافيين وحتى عسكريين. وانضم بدوره الى قافلة الشهداء والصديقين - نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا - التي انضم اليها قبله كل من، الشيخ العلامة العثيمين الذي أثرى المكتبة الاسلامية بالعشرات من الرسائل وصلت الأربعين، والعالم المجاهد محمد مهدي شمس الدين، الذي جمع الفقه بالسياسة فكان له الفضل أن أسهم بفكره وعلمه في تحرير بلاده، الجنوب اللبناني من الاستكبار الصهيوني. كما فقد العالم الانساني قاطبة الشيخ العالم الرباني المجاهد عبدالحميد السايح، الرئيس الأسبق للمجلس التشريعي الفلسطيني، وغيرهم كثير من علماء الأمة ورجالاتها الأفذاذ، الذين تركوا فراغاً كبيراً يصعب ملؤه في هذه الظروف العصيبة. وها هي اليوم مصر تشيع أحد رجالاتنا، من طراز آخر كله تواضع وعلم وصلابة في الحق. ذاك هو فقيدنا المرحوم عادل حسين، إذ يعد من المثقفين القلائل الذين وقفوا في خندق الحق الى جانب محنة الشعب الجزائري في السراء والضراء، في الشدة وفي الرخاء، بفكره وقلمه ومواقفه. أقول هذا الكلام ليس بكاء مني على الأطلال كما يقول المثل العربي، بل لأن الأقدار جمعتني بكثرة من المثقفين ورموز العمل الاسلامي في المشرق يوم كانت الجبهة الاسلامية قاب قوسين أو أدنى من سدة الحكم. وقد خاب ظني في بعضهم لأن ما ان حلت بنا المحنة بانقلاب كانون الثاني يناير 1992، فكان ما كان... وهي في نظرنا منحة لا محنة، لأن الله أراد أن يمتحننا، هل نشكر أم نكفر، تمحيصاً لصفوفنا، ليميز الخبيث من الطيب. وفعلاً لقد وجدنا قليلاً من الرجال الذين لم يبدلوا ولم يغيروا، وما زالوا والحمد لله، منهم فقيدنا الغالي أخونا الأستاذ عادل، وقد كان فعلاً ممن فقهوا وعملوا بصدق بقول الأثر: "ألا إن رحى الاسلام دائرة فدوروا مع الاسلام حيث دار، ألا ان الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب". فقد دار رحمة الله امتثالاً وعبادة مع القرآن معنا، يوم أدبر عنا السلطان وأدار ظهره للجبهة. وتلك حكمة الله نتقبلها بقلوب مؤمنة صادقة، لأن الجبهة الاسلامية بالنسبة الينا وسيلة من وسائل الخير، وليست هي كل الخير، فما شاء الله قد فعل. ان الأستاذ المرحوم عادل حسين صال وجال في الندوات العلمية الوطنية عموماً، وبعض التجمعات التي نظمتها جبهتنا الاسلامية خصوصاً في بعض ولايات الوطن. ومن آخر التجمعات حضوره لتجمع في شهر أيار مايو 1990 أو 1991 لا أتذكر بالضبط، بمدينة سطيف، عاصمة الهضاب العليا بالشرق الجزائري، بمناسبة ذكرى مجازر 8 يار 1945 التي راح ضحيتها في يوم واحد في كل من مدن: سطيف وقالمة وخراطة أكثر من 45 ألف شهيد على يد المستكبر الفرنسي. وقد ظهر يومها بعض شذاذ الأفاق، ونحن في مدينة الوفاق، وعابوا علينا احضار مفكر اسلامي غير ملتح هو الأستاذ المرحوم عادل حسين. لقد أعجبت بمواقف عادل حسين الجريئة التي أقلقت بعض الصغار حتى في الحركة الاسلامية في مصر، وهو الأمين العام المحنك لحزب العمل "الاسلامي". وهو الرجل الذي شرب حتى الثمالة من ينابيع الماركسية عقوداً من الزمن، تربى وترعرع في أحضانها، الأمر الذي أدخله السجن عشر سنوات من عمره. كما حبس بعدها مرات على مدى الأعوام الماضية في قضايا رأي. وعلى رغم ذلك ظل متمسكاً بمبادئه في الدفاع عن حقوق الانسان والأمة الاسلامية. إذ بعد دراسة وتعمق وبحث هداه الله الى أصوب طريق، فعاد الى جادة الصواب وحظيرة الاسلام الرباني الذي اختاره الله للناس أجمعين، وذلك في صيف سنة 1978، وكان له الفضل الكبير يومها في تحويل حزب العمل الذي أسسه وترأسه الأستاذ ابراهيم شكري، أحد الرفاق القدامى لأحمد حسين الشقيق الأكبر لعادل حسين مؤسس "جمعية مصر الفتاة" التي تعد من أكبر القوى السياسية في مصر في الثلاثينات والأربعينات، الى الاتجاه الاسلامي، منذ انضمامه اليه سنة 1985. وبانتصار الثورة الاسلامية في ايران سنة 1969، لاحظ كما الكثير من الماركسيين والقوميين العرب، التعاطف الشعبي العربي والاسلامي مع الثورة الايرانية، وأدرك عمق الانتماء الى الاسلام وعمق الوعي الديني في الضمير الشعبي. كانت تلك لحظة حاسمة في مسيرة عادل حسين الفكرية والسياسية لينتقل الى المعسكر الاسلامي. الأمر الذي أكسبه ثقله الكبير خارج مصر، كما داخلها. وهو الثقل الذي ميز دور كثيرين من المفكرين المصريين أمثال فهمي هويدي وطارق البشري ومحمد سليم العوا ومحمد عمارة وعبدالوهاب المسيري وغيرهم، الذين أدركوا ان دور رسالتهم لا ينحصر داخل مصر. ان الترحم على روح الفقيد عادل حسين، يحتم علي الترحم على حزبه الذي وئد وهو ما زال في أوج عطائه كتجربة انسانية يجب انصافها، متذكراً بأسف وحسرة سياسة نظمنا العسكرية مع أحزاب المعارضة الجادة. فآخر الدواء الكي كما يقال. وصدر قرار عسكري فوقي طبعاً، بعد اجتهادات غير موفقة في المدة الأخيرة، لتجميد حزب العمل الاسلامي، كما كان الشأن من قبل بالنسبة للجبهة الاسلامية في الجزائر، مع الفارق الكبير، لا لشيء إلا لأن الجبهة الاسلامية كانت تملك جل المجالس المنتخبة: بلدية وولائية بل وحتى برلمانية. أخيراً لا يسعنا، في الجبهة الاسلامية للانقاذ، بمناسبة هذا المصاب الجلل إلا أن نتقدم نيابة عن أعضاء وأنصار الجبهة الاسلامية للانقاذ بتعازينا القلبية لعائلات المفقودين الأربع، وكافة اخوانهم وتلامذتهم وأنصارهم في العالم الاسلامي كله. جنيف - محمد مصطفى حابس عضو مجلس الشورى الوطني للجبهة الاسلامية للإنقاذ