من اللافت وبحسب تواتر التجارب في هذا الإطار أن يستبطن المثقف المحسوب على "التيار التنويري" وبلا وعي منه منطق "التكفير الديني"، الذي دأب على مهاجمته والزعم بأنه "سلاح التيار الإسلامي"، وأن الأخير يستخدمه بحسب زعمه عوضاً عن الحوار مع دعاة الحداثة والعقلانية!! إذ يعمد دعاة التنوير الآن في العالم العربي إلى ممارسة منطق مشابه: إرهابي وإقصائي النزعة وهو "التكفير الثقافي" على كل من خالفهم الرأي.. و على سبيل المثال: نشرت جريدة صوت الأمة المصريةفي صفحتهاالأولىذ وفي سياق حملتها على وزارة الثقافة بسبب إقالتها ثلاثة موظفين وافقوا على نشرثلاث روايات وُصفت ب"الرخيصة" صورة للوزير فاروق حسني تمتوليفها على الكمبيوتر تسخر منه، و تظهره "باللحية والعمامة"، في رسالة منها تعني أنه تحوّل من "مثقف مستنير" إلى "إسلامي متطرف"!! كما يستخدمون نفس السلاح التكفير الثقافي ضد كل من يخرجمن بين صفوفهم، ويتبنى رؤى وأفكاراً وخياراتتتباين جذرياً معهم (المفكر والسياسي والاقتصادي الراحل عادل حسين الأمين العام لحزب العمل المصري مثلاً عندما أطلقوا عليه لقب "مثقف سابق" لتحوّله من الماركسية الى الإسلام)، وقد يبلغ بهم الشطط فى هذا النوع من التكفير، حدّ السكوت أو الموافقة على إهدار حقوق المخالفين لهم ومصادرة حرياتهم (موقفهم من إغلاق جريدة الشعب المصرية في مايو عام 2000 والتي استمرت حتى اليوم، على الرغم من حصولها على 14 حكماً قضائياً بعودتها.. نموذجاً). عندما أعرض أمين عام حزب العمل المصري المعارض الصحافي عادل حسين عن "الماركسية"، واتجه نحو تبني وجهة النظر الإسلامية، فى الفكر والاقتصاد والسياسة، كان من المفترض أن يحترم دعاة التنوير في مصر رغبة حسين واختياره، نزولاً على إعلاء قيم حرية الاعتقاد، التي يدعي التنويريون أنهم الحرس التقليدي لها. غير أن إحدى المجلات المصرية الأسبوعية، والناطقة بلسان حال "التنوير" والتقدمية فى مصر، قررت طرد "حسين" من جنة الاستنارة، وعقدت العزم على أن تقيم عليه حد الردة، عقاباً له على "كفره" بالماركسية؛ إذ دأب صحفيو المجلة وكتابها على أن يطلقوا عليه لقب "مثقف سابق"..!!هكذا وبجرة قلم لم يعد حسين مثقفاً، من وجهة نظر منتحلي التنوير، بمجرد أنه اختار -وبمحض إرادته- أن ينحاز إلى المشروع الحضاري الإسلامي..! أثناء متابعتي للأزمة الناجمة، عن قرار وزير الثقافة المصري، إقالة عدد من معاونيه، بعد أن أجازوا نشر ثلاث روايات، وُصفت بأنها "كتابات رخيصة، و أنها تتضمن ما يخدش الحياء العام"، لاحظت وكأن عناوين الصحف خاصة تلك التي تتعاطف مع ما يُسمّون بالتنويريين و التي تابعت تفاصيل الأزمة، سواء كانت صحفاً مصرية أو عربية تصدر بعيداً عن القاهرة تريد إيصال نفس الرسالة؛ إذ جاءت العناوين على النحو الذي يستنكف، إطلاق صفة "مثقف" على كل من هو "إسلامي"، مثل: "المثقفون يواجهون الإسلاميين والحكومة في مصر".. ولا شك في أنالصياغة على هذا النحو، تعني أن الإسلاميين ليسوا مثقفين!! وهو نوع من "التكفير الثقافي" يلجأ إليه المتطرفون الماركسيون لتحقير مخالفيهم والنيل من منزلتهم العلمية والفكرية.. بعدما اختطفوا الحالة الثقافية العربية وعدداً من مؤسساتها الإعلامية والثقافية.. وشرعوا في توزيع "صكوك التنوير" على من يروق لهم، فيما يطاردون مخالفيهم بهذا النوع من "البلطجة الثقافية"، والتي تعكس "خسّة" لا تليق بمن ينتسبون إلى العلم والفكر والإبداع.. وإنما تليق وحسب بعالم "الإرهاب" وعوالمه السفليّة.