جولة وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى المنطقة وانتهاء لقاءه مع السلطة في قطاع غزة، تم مرة جديدة حصر كل ما دار في اللقاء المذكور عبر مجموعة ضيقة مسؤولة من عدد من الافراد، بينما دعت السلطة لاجتماع لاحق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدلاً من دعوتها لحضور لقاء باول. فسمعت التنفيذية ما تم الافراج عنه في لقاء السلطة - باول. فأين نحن من حقيقة ما جرى ويجري، وأين نحن من حقيقة الانتفاضة الباسلة وشفافية الشعب بشعاراته الوطنية تحت راية انتفاضة الاستقلال. أخشى أن أقول بأننا ما زلنا في الحالة الفلسطينية نراوح في قلب وعلى اعتاب نظام سلطوي مغلق لا يزال يستنسخ نفسه بديلاً عن الشعب وحركته الوطنية الائتلافية. ان ميدان البحث والعمل الجاد لاعادة بناء الاصطفاف الوطني ورد القرار المسلوب من قبل المجموعة الضيقة الى القيادة الائتلافية الموحدة للشعب بكل طبقاته وتكويناته وتعبيراته السياسية عملية وطنية شاملة لتصحيح مساء القرار الفلسطيني ووقف سياسة التفرد والانفراد بالقرار الوطني، ويجب بالضرورة ان تتضافر معها كل القوى والفصائل والشخصيات. ولنعتبر من عدونا ومن مساعي شارون لتوسيع دائرة تحالفاته من الأقصى الى الأقصى. والى ان نصل الى استعادة ديموقراطية القرار الغائبة منذ مدريد - أوسلو حتى يومنا، أقول بلغة واضحة هذه عملية كفاحية لن نظفر بالنصر فيها إلا بمقدار السير والنظر نحو الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود 4 حزيران يونيو 1967 وعاصمتها القدس، من دون الظفر بهذا لن نربح معركة الديموقراطية في الظروف التي نعيشها فضلاً عن كون الشعوب العربية التي انجزت استقلالها قبلنا ب50 عام و60 عام لم تنجز بعد ديموقراطياتها حتى يومنا، نحن لدينا أنظمة يسمونها توتاليتارية وأنظمة شمولية، بلغتي أنا اسميها أنظمة استبدادية شرقية، الحاكم يقدم نفسه "لا يوجد في جعبتي إلا أنا". لذلك تحصل أمام عيون شعوبنا مشاهد الانتخابات في البلدان العربية وفلسطين، فمثلاً تحصل انتخابات في مصر يأخذ الحزب الحاكم 37 في المئة من أعضاء مجلس الشعب بالانتخاب، ترتفع مباشرة بعد الجولات الانتخابية نسبته في البرلمان الى 87 في المئة، من أين؟ هم الذين طرحوا أنفسهم كمستقلين وقاموا بغش وخداع الشعب على أساس أنهم مستقلين وليسوا مربوطين بذنبة حزب الحكومة، بعد نجاحهم على اكتاف الشعب التحقوا به، فارتفع الرقم الى 87 في المئة في البرلمان، الأمثلة الأخرى معروفة للجميع، فحتى ننتزع الديموقراطية نريد أرضاً حرة من املاءات واشنطن واسرائيل، نريد دولة نقف عليها، لأننا بنينا ديموقراطية على قاعدة التعددية، لكننا بنيناها بين "غابات البنادق" عندما كنا بأغوار الأردن ومخيمات لبنان وصبرا وشاتيلا والفاكهاني، وعندما ضربت هذه الغابات تراجعت هذه التعددية بالأشكال التي نعرفها جميعاً، لدرجة طمعت كثير من العواصم العربية ان ترثنا أحياء بسلسلة لم تتوقف من الانقسامات والانشقاقات والضغوطات حتى اليوم، لأن حمل القضية الفلسطينية مكلف جداً، والذي جرى بمدريد أقوله بلغة فصيحة كان "فك ارتباط" بالقضية الفلسطينية، لأن مؤتمر مدريد انعقد على اساس مفاوضات ثنائية مباشرة، وكل واحد لوحده، بشؤونه المحلية وشؤونه القطرية والاقليمية، ليس بالتحاور، حتى انه لا يوجد أي اساس قانوني أو سياسي للتحاور، قلت هذا كثيراً مع القيادات السورية والقيادات المصرية والأردنية وقيادات عربية متعددة عشية مدرىد وأثناء وبعد مدريد، ولم يكن هناك أي شيء يؤدي الى التحاور في المفاوضات، لا أساس سياسي ولا أساس قانوني، فقط نيات وتحطمت هذه النيات مباشرة بعد انفضاض مؤتمر مدريد والانتقال الى المفاوضات الثنائية المباشرة. لأن أصحاب النيات الحسنة لا يدخلون دوماً الجنة. ولهذا نحن نصارع من أجل ان نبني وطناً على الأرض بأفق الشعب كله، بالغلابة الموجودين فيه باللاجئين والمعثرين.... لا أن يختزل الوطن بالعلم والنشيد والقليل من الناس جالسين على قمة الهرم، ويعود أبناء الجاهلية الذين أورثونا النكبة الكبرى أسياداً علينا أسياداً على الثورة والانتفاضة والشعب في يومنا، وقع هذا في التاريخ وممكن ان يقع، ولذلك نقول: نريد ان نحمل الانتفاضة والسلاح والرؤية حتى لا تحل "البلطجة" محل العقل، ولا تحل سلطة وبندقية قطاع الطرق، محل البرنامج السياسي، هكذا ممكن ان ننهض بأوضاعنا وهذا ما نسعى له، صحيح انه مكلف وطويل ومعقد، لكن دائماً علينا ان نرى البوصلة الى أمام، ونعطي الضوء الذي يدفع الى أمام، وليس الذي يعطي الاحباطات. ان سلوك ونهج الافراد والمجموعة الضيقة المغلقة بديلاً عن الاطار الائتلافي الذي يمثل كل الشعب بتياراته الوطنية وانتماءاته السياسية والفكرية أصبح فاقعاً وفاقعاً في خطورته ونتائجه السلبية بل والكارثية. وعليه نقول، ان الصراع في هذه المرحلة يجب ان لا يختتم بدولة على أجزاء من القدس مقابل إلغاء حق العودة، وأجزاء من الضفة والقطاع مقابل الهيمنة الأمنية الاسرائيلية وسلخ أكثر من 20 في المئة من الضفة بما فيه غور الأردن وشاطئ البحر الميت، كما طرح في كامب ديفيد - 2، وكما طرح في وثيقة كلينتون 23/1/2001 وكما يضغط الآن على السلطة الفلسطينية للقبول بمضمون هذه الافكار. اننا نعمل ليكون ختام نضالنا مسكاً وحصاداً مثمراً نحو دولة فلسطينية على كامل تراب الضفة والقدس والقطاع حتى حدود 4 حزيران 1967 وبالقدس عاصمة لها وتثبيت مبدأ حق اللاجئىن بالعودة وفق القرار 194، وبإقرار سياسي وقانوني واخلاقي مؤطر ومقونن، ليبدأ الصراع الجديد لتطبيق القرار وعودة اللاجئين. نعمل لدولة ديموقراطية تعددية، والتداول السلمي للسلطات، والحريات كواحدة من عناصر الديموقراطية. من جانب آخر، وعلى ضوء التطورات المتلاحقة في الوضع الاسرائيلي الداخلي، وكما نطالب بالشفافية والديموقراطية وبالعودة للمرجعية الائتلافية في اطار منظمة التحرير، اتطلع الى كل قوى شعبنا في مناطق 1948 الجزء الآخر من قلب الشعب الفلسطيني داعياً ايضاً الى صيغة ائتلافية بين فلسطينيي 1948 بين القوى والشخصيات، حيث هناك امكانية متوافرة على رغم انه لا يوجد الى الآن ضوء باتجاهها. فالنصف مليون ناخب عربي فلسطيني داخل أراضي 1948 يمثلون 12.5 في المئة الى 13 في المئة من مجموع الكتلة الناخبة داخل اسرائيل تعرضت في الانتخابات الأخيرة الى سلسلة من الانقسامات التي فتتتها فأضعفتها، وكان بالامكان، وهذا ما سعيت له بكل صراحة، حيث التقيت بجميع قادة هذه الاحزاب في عمان بأمل ان يتوحد الموقف لهذه الكتلة الناخبة العربية، إما بالمقاطعة الكاملة من الجميع اذا بقيت المسافة بين شارون وباراك بين 18 - 20 في المئة. واذا تقلصت المسافة فعندئذ ضرورة فحص الموقف من جديد حيث تصبح الكتلة العربية عندئذ مقررة بمصير السياسة الاسرائيلية. والصيغة الأخرى التي بحثت بها ايضاً هي ان ينزل مرشح ثالث وأقصد مرشح عربي حتى تقع جولة ثانية بالانتخابات لأن المرشح العربي عندما يحصد نسبة الاصوات العربية عندئذ لا يستطيع ان يحصل أي طرف على 50 في المئة من مجموع المقترعين، الأمر الذي يقود الى دورة ثانية ويصبح عندئذ موقع الكتلة العربية أكثر قدرة وحسماً على التقرير بالسياسة واملاء اشتراطات معينة، ومن دونها في الجولة الثانية لا أحد ينجح. وهذا لم يقع، فوقع التشتت بين أحزاب قاطعت، واحزاب وضعت ورقة بيضاء، وأحزاب وضعت ورقة سوداء، حتى تميز ورقتها عن الورقة الأخرى. وبالقوانين الانتخابية الاسرائيلية لا تحسب هذه الأوراق بالنسب الأخيرة. ولهذا الآن، الجهد يجب ان ينصب لتجاوز أمراضنا في الساحة الفلسطينية. الآن الانتفاضة في المربع الخطر، تجاوزه بيدنا معاً بوحدة وطنية ائتلافية على القواسم المشتركة الجامعة بين استمرار الانتفاضة والمقاومة الوطنية وبين اعادة بناء كل العملية السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، ولا عودة لمفاوضات مرحلة انتقالية طويلة الأمد تنفذ على مراحل كما يطرح شارون - بيريز، والارتقاء بالوحدة الميدانية نحو برنامج سياسي فلسطيني موحد لشعبنا ويقدم للعرب شعوباً ودولاً قبل القمة العربية المقبلة 27 آذار/ مارس لتصحيح العلاقات الفلسطينية - العربية والربط بين الوطني والقومي على قاعدة الالتزام المتبادل بقرارات القمم العربية المستندة لقرارات ومرجعية الشرعية الدولية، بدلاً من سياسة تراجعات الحلول الجزئية السامة على مساحة العشرية الأخيرة منذ مدريد/ أوسلو حتى يوم الانتفاضة والمقاومة هذا. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.