على رغم كل المصاعب والأوجاع التي نعيشها جميعاً، فنحن ننتمي لشعب عنوانه البارز: "لا يضيع حق ووراءه مطالب"، نحن ننتمي الى شعب يصر على أن يكون أو أن يكون، ولا يوجد في قاموسنا أن لا نكون. الآن نحن أمام وضع يتبلور خطوة خطوة، وضع نوعي جديد، شارون جاء الى السلطة بما يمثله شخص شارون، واعتقد أن هذه هي المدفعية قبل الأخيرة التي تشهرها اسرائيل في مواجهة شعبنا. وصل شارون الى السلطة ببرنامج جديد معلوم للجميع. والأهم أن شارون المعروف تاريخياً من دير ياسين الى قبية الى نحالين الى صبرا وشاتيلا، ومن سيناء الى هضبة الجولان والدفرسوار، هو حالة توسعية عدوانية محاطة بقاعدة يمينية واسعة تشمل كل الأحزاب الاسرائيلية اليمينية واليمينية المتطرفة. ولذلك لا ننظر الى شارون باعتباره شخصاً، ولا ننظر إليه وهو في السلطة باعتباره زعيماً أو رئيساً للوزراء، وانما ننظر اليه محاطاً بتلك الأحزاب المعروفة أيضاً بعدوانيتها وتوسعيتها. يقوم برنامج شارون على "القدس موحدة عاصمة أبدية"، وعلى "ضم مساحات واسعة من الضفة" الفلسطينية تشمل الكتل الاستيطانية الكبرى ومعظم المستوطنات، كما تشمل وادي الأردن وغور الأردن والبحر الميت، لتكون جزءاً لا يتجزأ من اسرائيل، وكل الجولان كمنطقة أمنية عسكرية اسرائيلية. هذا البرنامج محمل أيضاً بمشاريع وخطط استيطانية، فشارون هو الزعيم الأكبر للمشاريع الاستيطانية التي عرفتها الدولة العبرية منذ 1967 حتى يومنا. وهذا البرنامج الانتخابي أعدّ العمل به في الحكم، لذلك ستلاحظون أن حكومته ستتبنى هذا البرنامج في الكنيست وتأخذ عليه غالبية في الكنيست لأنه، مرة أخرى، لا يوجد في اسرائيل شيء اسمه حساب الحقل وحساب البيدر، كله لغة واحدة بالنسبة الى الأحزاب والقوى السياسية. تقابل هذا الوضع الذي جاء به شارون، ادارة أميركية جديدة معلوم لدينا جميعاً أنها تنتمي الى الحزب الجمهوري، وهذا الحزب يمكن أن يكون في سياسته الشرق الأوسطية أفضل نسبياً لأنه مدعوم بقوى ضغط أساسية لها مصالح في الشرق الأوسط عند العرب وليس عند اسرائيل. لذلك يمكن، إذا كان هناك وضع فلسطيني ووضع عربي فاعل ضاغط، ان يكون موقف الادارة الجمهورية أفضل من موقف الادارة الديموقراطية، لأن الادارة الديموقراطية تاريخياً منذ عشية النكبة حتى يومنا كانت دوماً أكثر انحيازاً لاسرائيل، قوى الضغط الخارجية عليها من داخل الولاياتالمتحدة تتمثل بشكل أساسي بمركز الضغط الأميركي اليهودي الذي يهتم بالسياسة الخارجية، أي بأوضاع الشرق الأوسط. وعليه فإن شارون الآن سيحاول أن يدفع ببرنامجه نحو التنفيذ والترجمة العملية، لذلك يحاول أن يجمع من حوله ليس فقط قوى اليمين واليمين المتطرف، بل أيضاً ما يسمى ب"اليسار الصهيوني" وفي المقدمة حزب العمل. لماذا يريد أن يكون "العمل" الى جانبه؟ "العمل" خرج من المعركة الانتخابية الأخيرة ضعيفاً، فالمسافة بين شارون وبين باراك 24 نقطة من الرأي العام اليهودي. و"العمل" خرج من المعركة مهشماً ومنقسماً على نفسه، بين أناس مستعدين أن يمشوا مع شارون بحكومة يسمونها "حكومة وحدة وطنية" وأناس معترضين. وفي مقدم الذين يطالبون بحكومة وحدة وطنية، شمعون بيريز، الذي يقدم نفسه على أنه حمائمي وحامل جائزة نوبل، وبالتالي يعتقد أن في امكانه أن يناور ويضغط على شارون ليجذبه نحو حل ما بين سياستي ليكود والعمل، والأخيرة عبرت عن نفسها بمسيرة عشرين شهراً من حكم باراك. الى جانب بيريز يدفع لهذا الاتجاه باراك شخصياً، لأن باراك صاحب زعامة الجناح الصقري في حزب العمل، ويريد أن يجسر بين حزب العمل وبين شارون بحكومة يسمونها "حكومة وحدة وطنية". لكنها ستكون حكومة شلل، حكومة معطلة عن الفعل والتأثير بالبحث عن حلول سياسية شاملة، وبعيدة جداً عن الشرعية الدولية، بينما سيشتد غول الاستيطان ونشر المستوطنات على التلال وفي كل مكان يتم الوصول اليه في الضفة الفلسطينية والجولان، وبالتالي يواصل مشروع شارون التوسعي خططه من دون قدرة على حل أي قضايا بوسائل سياسية. يقابل هذا جناح آخر في حزب العمل مع "ميرتس" ومع أوساط أخرى أيضاً ذات طبيعة قريبة، مثل حزب "الخيار الديموقراطي"، وحزب "الشعب المتحد"، يصر أصحابه على عدم المشاركة بحكومة وحدة، لأنهم يرون جيداً ماذا تعني "حكومة الوحدة". عندما كان باراك هو المتفوق في انتخابات أيار مايو 1999، وحزب العمل هو الأكبر وعنده 36 نائباً، دعا باراك كلاً من شارون وليكود الى حكومة "وحدة وطنية"، وكان شارون مستعداً لذلك لكنه طالب بقضية مهمة: "حق الفيتو في مجلس الوزراء المصغر" الذي تتخذ فيه القرارات الكبيرة العسكرية والحربية والعدوانية، والقرارات السياسية الخاصة بمصير الأرض والحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين. ورفض باراك ذلك. والآن انعكست الصورة واصبح شارون متفوقاً، وهو لن يعطي حزب العمل حق "الفيتو"، ولذلك ستكون وزارة شلل للحلول السياسية الشاملة، وعودة الى الوراء بحلول انتقالية طويلة الأمد تنفذ على مراحل بينما يتوسع الاستيطان ويتواصل. علينا ان نلاحظ بدقة أن في مقدم اشتراطات برنامج شارون لكي يشق طريقه: وقف الانتفاضة سواء بالمناورات السياسية كما جرى مع الانتفاضة المغدورة الكبرى عام 1993 بموجب مبادئ أوسلو، أو وقف الانتفاضة بالعنف والدماء والحروب المحدودة. حروب تنطلق فيها اسرائيل من مناطق ب وج، المناطق الفلسطينيةالمحتلة، الى محاصرة المناطق أ التي هي في يد السلطة الفلسطينية بهدف انهاكها بالقتل والحصار والتجويع والمذابح حتى تركع السلطة الفلسطينية وتقول: "كفى لم نعد نتحمل". الركن الثالث في برنامج شارون هو التكتيك باتجاه استفزازات متعددة الألوان للبنان وسورية، منتظراً أن يرتكب أحد في لبنان خطأ أو خطوة ليستخدمها مبرراً لعدوان في عمق لبنان، ولتدمير البنية التحتية وضرب القوات السورية في لبنان، وأيضاً ليستفز السوريين، فإذا قاموا بردة فعل من خارج لبنان، أي من داخل الأراضي السورية، ضرب عمق الأراضي السورية، حتى يولد حالة في المنطقة تعطيه المهلة الزمنية الكافية سنتين أو ثلاثاً، ريثما تحين الانتخابات المقبلة. ومن أجل أن ينفذ مشاريعه الاستيطانية، سيعرض على السلطة الفلسطينية تخفيف الحصارات، تخفيف عمليات التجويع والقتل والاغتيالات، تخفيف قصف المدن والبلدات. كذلك سيعطي السلطة دولة فلسطينية على المناطق أ وب أي ما مجموعه 42 في المئة من مساحة الضفة والقطاع. وستكون هذه الدولة معترفاً بها من جانب اسرائيل. ومع هذه الدولة سيجري شارون مفاوضات في ظل ما يسميه "الصمت الكامل" في المناطق الفلسطينيةالمحتلة، والأمن الكامل للاسرائيليين، والمفاوضات ستكون على أساس اتفاقات مرحلية طويلة الأمد وليس البحث عن تسوية شاملة، وكل اتفاق يتطلب مراحل لتنفيذه، أي عودة الى السياسة البائسة والمجربة منذ العام 1973 وبالتحديد منذ كانون الثاني يناير 1974، عندما جرى فك الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية مع الدولة العبرية التي احتلت سيناء والجولان والأراضي الفلسطينية عام 1967. لذلك نحن الفلسطينيين والعرب أمام وضع نوعي يختلف عن الوضع الذي كان قائماً يوم 6 شباط فبراير. هذا لا يعني أن باراك ليس قاتلاً وليس سفاحاً، لكنه يطرح مشروعاً آخر وبرنامجاً زمنياً آخر، طرحه عشية الانتخابات وبعد الانتخابات أعلن الغاءه. نشير هنا الى أن الآتي يتوقف على الانتفاضة والمقاومة الوطنية أولاً، وعلى الشعوب والدول العربية ثانياً، وهذا يستدعي بالضرورة، حتى لا نمكن لشارون من خططه، أن نصون الانتفاضة الجديدة من عمليات الاحتواء والاغراء ومن المناورات السياسية للغدر بها كما تم مع الانتفاضة المغدورة 1987 - 1993، لم تتمكن كل آلة الحرب التكنولوجية المتطورة في ذلك الوقت بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية، المشكلة بزعامة شامير ورابين ثم حكومة الوحدة الثانية المشكلة بزعامة بيريز وشامير، من كسر انتفاضة الشعب على رغم تكسير العظام. فاضطروا جميعاً لأن يأتوا للبحث بالسياسة وبالمناورات السياسية في مؤتمر مدريد، ولم يتمكنوا من أن يصطادونا بالمناورات في مؤتمر مدريد - واشنطن، فوفد الأرض المحتلة الضفة والقطاع كان أكثر تماسكاً من مجموعة تونس، اصطادونا بين مجموعة تونس والدولة العبرية باتفاقات أوسلو السرية الشهيرة، سياسة الخطوة خطوة. لذلك علينا أن نصون الانتفاضة الراهنة من هذه المخاطر. وهذا يتطلب بالضرورة وحدة وطنية ميدانية تتطور الى وحدة سياسية ببرنامج سياسي جديد يصر على الجمع بين: 1- الانتفاضة المتواصلة. 2- ضرورة النهوض بالمقاومة داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بوجه المحتلين والمستوطنين. 3- إعادة بناء العملية التفاوضية على أساس تطبيق قراري الأممالمتحدة 242 و338 وإقرار مبدأ حق العودة عملاً بالقرار 194. ندعو الى التجاور بين الانتفاضة والمقاومة الوطنية وإعادة بناء كل العملية التفاوضية على أساس قرارات الشرعية الدولية الجامعة بين ضرورة رحيل الاحتلال الى حدود 4 حزيران يونيو 1967، وبناء دولة فلسطينية مستقلة على مجموع الضفة الفلسطينية وقطاع غزةوالقدس العربية المحتلة، والبحث بحل مشكلة الشعب اللاجئ عملاً بالقرار 194. هكذا يمكننا أن ننهض بوحدة الشعب في الأرض المحتلة، ونجمع بين صون الانتفاضة ونهوض المقاومة في وجه المحتلين والمستوطنين، نعيد الوحدة الى الشعب في الوطن والشتات. وعلينا أن نتمسك نحن والدول العربية بضرورة أن تكون كل العملية السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية لنتحاور بها ومرجعية دولية تضع نهاية للانفراد الأميركي. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.