الانتخابات الاسرائيلية المبكرة للكنيست تعبر عن حالة الحراك المستمرة داخل المجتمع اليهودي في اسرائيل. وتعكس بصورة جلية حجم التفاعلات التي احدثتها خطوات التسوية المهتزة وتداعياتها بصيغتها الراهنة من زاوية الدفع نحو التطرف اليميني اكثر فاكثر في الخارطة السياسية الحزبية الاسرائيلية وفي المجتمع اليهودي، كنتيجة مباشرة للتنازلات الكبيرة التي قدمت من الجانب الفلسطيني والاطراف العربية الاخرى للدولة العبرية في سياق اطارات مدريد/ اوسلو واشتقاقاتها على المسارات الفلسطينيةوالاردنية وقبل ذلك مع مصر. فاتفاقات كامب ديفيد نزلت عند شرط الدولة العبرية انها الممثل الوحيد لفلسطين الانتدابية وعليه تمت المفاوضات وفق حدود ايار مايو 1921 البريطانية بين مصر وفلسطين. وبقي قطاع غزة بكامله تحت الاحتلال، وعلى ذات القاعدة جاءت مفاوضات المرحلتين على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي مع استمرار الاستيطان رغم اوسلو الذي انتقل بالارض الفلسطينية من محتلة الى متنازع عليها وبدون اي رابط بين المفاوضات ووقف نهب الارض والتوسع بالاستيطان والطرق الالتفافية، وهذا بالذات الذي فتح شهية التوسعية الصهيونية فالتقط ليكود برنامج خطوات الاساس بأولوية الاستيطان على السلام ففاز بالسلطة وسقط حزب العمل. فالمكاسب الكبيرة التي حققتها الدولة العبرية منذ مدريد وحتى الآن، جعلت من منظري الحركة الصهيونية يتجهون نحو اعتبار اتفاقيات اوسلو ثاني اكبر نصر في تاريخ الصهيونية بعد تأسيس الدولة العبرية على اكثر من 74 في المئة من ارض فلسطين التاريخية، وجعلتهم ايضاً يقرون بأن الغاء الميثاق بمثابة تطويع واعادة صياغة جديدة للتاريخ وفق الرواية الصهيونية بل والرواية التلمودية. هذه النتائج اذهلت الشارع الاسرائيلي وفتحت كل العالم الغربي امام الدولة الصهيونية التي اضحت تقيم علاقات رسمية او مكاتب تمثيل مع سبع دول عربية فضلاً عن الحركة المكشوفة والعلاقات التجارية مع عدد اكبر من الدول العربية. كل ذلك فتح شهية التطرف وساهم بتوليد متسارع لنزعات الجنوح لقطاعات يهودية واسعة جداً نحو برنامج اليمين ويمين اليمين، وهذا ما جعل من التسوية الراهنة تهتز كل يوم تحت وطأة الاشتراطات بل والاملاءات الاسرائيلية والمواقف الاميركية الفقيرة النزاهة، والمنحازة الى جانب ضمان الامن المطلق للدولة الصهيونية والافراد الاسرائىليين، وفرض مفهومها للسلام على حساب حق الشعب الفلسطيني في ارضه المحتلة وتقرير مصيره بنفسه وعودته وفق قراري الاممالمتحدة 194 و237، وعلى حساب الشعوب العربية وخاصة اقطار الجوار: الاردن وسورية ولبنان ومصر والسعودية. ان الانتخابات المبكرة للكنيست تأتي للاجابة عن سؤال الخارطة الاسرائيلية عن اي تسوية دائمة يجب التوصل والبحث، والخطوط العريضة لبرنامج اجماعي داخل الدولة العبرية يتجاوز حتى ورقة بيلين - ايتان سيئة المضمون والمحتوى. هذه هي وظيفة ومهمة الانتخابات المبكرة داخل اسرائيل وعلى طريق احداث اصطفاف اكثر يمينية متجاوزاً في تطرفه برنامج خطوط الاساس لحكومة نتانياهو. المقدمة اعلاه تكفي للقول بأن محاور انتخابات الكنيست في 17 ايار/ مايو 1999 تلامس تماماً الموضوع الفلسطيني من جهة العملية التفاوضية بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتانياهو وتالياً تلامس كل الاستحقاقات القادمة بما في ذلك انتهاء العمل بالمرحلة الانتقالية وفق اجندة اتفاق اوسلو الاول والوصول الى يوم 4/5/1999 المحدد لسريان الحل الدائم. فالخريطة السياسية الاسرائيلية بطيفها الواسع تتجه مع الانتخابات القادمة للاصطفاف وراء اجماع صهيوني يحمل اللاءات المعروفة: - لا للدولة الفلسطينية المستقلة والكاملة السيادة. - لا عودة لأي لاجئ الى اراضي 1948، وعودة محدودة لبعض النازحين واللاجئين الى الاراضي المحتلة عام 1967. - لا عودة للقدس الشرقية العربية الى السيادة الفلسطينية، وبقاء القدس الموحدة والكبرى 22$ من مساحة الضفة الفلسطينية كعاصمة ابدية للدولة العبرية. - لا تفكيك للمستوطنات القائمة في القدس والضفة والقطاع وانما اعادة تنظيمها، وضم الكتل الاستيطانية تحت السيادة الاسرائيلية. - لا وقف للاستيطان والتهويد ومصادرة الارض. وهذه اللاءات تصب الى اليمين من برنامج خطوط الاساس لحكومة نتانياهو وبغض النظر عن المنافسة المتوقعة على الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء… وبعد هذا تأتي الفروقات المتواضعة بين خرائط حزب العمل ضم 52$ من الضفة فضلاً عن القدس وترتيب خاص لمستوطنات غوش قطيف في جنوب قطاع غزة وبين خرائط اليمين ضم بين 58 - 64 في المئة - خرائط الجيش وموردخاي/ شارون. ان كل ذلك يعني في جملة ما يعنيه حقيقة الصراع بين الشعب الفلسطيني وامانيه الوطنية وطموحاته المشروعة وبين السياسات الاسرائيلية العدوانية التوسعية الرافضة للنزول عند قرارات الشرعية الدولية وخاصة 242 و338 التي لا تجيز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة، والقرارات 605 و607 و608 باجماع مجلس الامن الدولي 88 و1989 التي تنص على ان "الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة ارض فلسطينية محتلة بحدود 4 حزيران يونيو 1967". ان اعلان بسط سيادة دولة فلسطين على كامل الاراضي المحتلة عام 1967 طبقاً لقرارات ومرجعية الشرعية الدولية مسألة ضرورية وهامة جداً وعلى درجة من اللحظة التاريخية والفرصة الذهبية لتجاوز مظالم اوسلو والتصدي والاشتباك مع الاحتلال بكل الوسائل الممكنة وطريق اكيد نحو انتفاضة شعبية جديدة متطورة تجبر في حال ادائها وتوظيفها الحقيقي والفعلي المحتلين الاسرائيليين على الرضوخ والانصياع لمطالب الشرعية الدولية، تماماً كما اجبرت الانتفاضة الكبرى بين اعوام 1987 - 1993 حكومات رابين - شامير، رابين على الاعتراف بالشعب الفلسطيني وضرورة الحلول السياسية بعد فشل آلة القمع الاسرائيلية المتطورة العسكرية والمخابراتية والايديولوجية والسياسية في تصفية او حتى تطويع الانتفاضة الى ان بدأت الانقلابات السياسية في منظمة التحرير وصولاً الى اوسلو 1993. لكن الطريق الى اعلان بسط سيادة دولة فلسطين على كل الاراضي المحتلة عام 1967 الى خطوط 4 حزيران يونيو لن يكون امراً ادارياً بيروقراطياً يصدر من رام الله او من قطاع غزة، بل يتطلب نقلة نوعية في الوضع الفلسطيني تعيد من جديد اعادة بناء ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية اتجاه: - اعادة صياغة الوحدة الوطنية الفلسطينية في داخل الوطن المحتل وبين الداخل والخارج وبناؤها من جديد بعد الدمار الذي نشب داخلها. - وقبل ذلك البدء بالاتجاه نحو عملية حوارية وطنية فلسطينية تفتح الطريق نحو استكمال الوحدة الوطنية على اساس البرنامج الائتلافي المشترك. - الوصول الى خطوط لاجماع وطني فلسطيني تمثل الخطوط الحمر امام كل الحركة الوطنية الفلسطينية. ان هذه النقلة النوعية بعناصرها الثلاثة قادرة على تفعيل وتثمير كل مكامن ومواضع القوة في الوضع الفلسطيني، وقادرة على اعادة طرح الورقة الفلسطينية الرابحة بقوة على طاولة المفاوضات وفرض حلول الشرعية الدولية المتوازنة نحو سلام شامل. نعم ان المناخ الصحي في الوضع الفلسطيني يجعل من الدروب سالكة تماماً امام احداث انعطافة نوعية في الوضع الاقليمي والدولي وكل ذلك يهيء اعلان بسط سيادة دولة فلسطين. وخلاصة القول ان اعلان بسط سيادة الدولة الفلسطينية على كل الاراضي المحتلة عام 1967، خيار وطني كفاحي لتجاوز مظالم اوسلو/ بروتوكول الخليل/ واي ريفير، وليس خيار مساومة او نزول عند اشتراطات الطرف الاسرائيلي. كما انه خيار انتفاضة متطورة متجددة وخيار استراتيجي طريقه الوحدة الوطنية، وحدة الشعب، وحدة كل القوى بين الداخل والشتات. اما الرهان على انتخابات الكنيست او الربط بها فلن يعطينا سوى برامج اسرائيلية يمينية لحلول مرفوضة تقزم الحقوق الوطنية الفلسطينية. علينا ان نسير قدماً في الاعداد والتهيئة نحو يوم 14/5/1999 ولن ينجح اي قرار اداري بيروقراطي في فرض وقائعه دون الاعداد الكامل له، ونحن شركاء في الاعداد وفي ترجمة القرار ولسنا شركاء بأوامر ادارية تطلق من رام الله او قطاع غزة كما كانت تطلق من تونس سنوات الانتفاضة الباسلة. واطلقت الجبهة الديموقراطية في المؤتمر الوطني العام مبادرة 4/5/1998 لشعبنا والسلطة والمعارضة والعرب، دولاً وشعوباً، والعالم لاعلان بسط السيادة المعطلة على ارضنا المحتلة بعدوان حزيران يونيو 1967 عملاً بالشطر الآخر من القرار الاممي 181، وعملاً بقراري مجلس الامن 242 و338، والقرارات 605 و607 و608، باجماع مجلس الامن بما فيه الولاياتالمتحدة الاميركية. ودعت المبادرة الى اعلان بسط سيادة دولة فلسطين والى حوار وطني شامل بدءاً من ايار 1998 لنكسب مساحة عام كامل نعيد فيه بين الجميع ومع الجميع فصائل واحزاباً وشخصيات بناء ائتلاف ومؤسسات منظمة التحرير ووحدة الشعب بطبقاته وبتياراته لاعلان بسط السيادة في مايو 1999 حتى حدود 4 حزيران مايو 67 بما فيه القدس العربية الشرقية عملاً بالشرعية الدولية ودعوة كل العالم والاممالمتحدة للاعتراف بالسيادة الفلسطينية ومساعدة دولة فلسطين على بسط سيادتها على اراضيها المحتلة في مناطق ب، ج، المحمية الطبيعية، H2, H1 والقدسالمحتلة. المحزن ان الزمن يجري هدره بينما تحالف اليمين لا يهدر ساعة واحدة في تنفيذ برنامج خطوط الاساس الاستيطانية التوسعية في الضفة وجنوب القطاع وتهويد القدس. الآن الارض المحتلة والحقوق الوطنية تدعونا جميعاً اليوم قبل الغد الى سياسة حوارية جادة ومسؤولة، عملية وتوحيدية ولم يبق باليد زمن للهدر والتبديد اكثر، انها اربعة شهور حاسمة وكل ساعة فيها ذهبية والا ضاعت فرصة تصحيح مسار مظالم اوسلو/ واي ريفير ليبقى جناح منظمة التحرير الفلسطينية سيد "المقامرة" و"الفرص الضائعة". * الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.