كيف تنظر أول امرأة قطرية تتولى منصب نائب مدير جامعة قطر للبحوث وخدمة المجتمع لقضايا الساعة من خلال اشرافها على ستة مراكز بحثية تابعة للجامعة، وعبر اهتمامها الشخصي بمجال البحوث، إذ ان لها 22 بحثاً ودراسة تشكل انتاجها العلمي منذ تعيينها في الجامعة استاذاً مساعداً في قسم أصول التربية بعدما حصلت على الدكتوراه في عام 1984 في فلسفة الآداب والتربية في جامعة درهام في المملكة المتحدة. وأفادت الدكتورة شيخة عبدالله علي المسند ان الجامعة ستنظم في نيسان ابريل المقبل مؤتمراً دولياً عن "هيكل وأداء ومستقبل المؤسسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي" وانها تعد لندوة "المجتمع المدني واشكاليات التحول الديموقراطي في المجتمع العربي" في أيار مايو المقبل. وفي شأن البحوث المهمة التي يجري اعدادها حالياً أوضحت ان هناك خطة للكشف عن المواهب والاهتمام بتوفير تعليم خاص بها اضافة الى السعي لوضع برنامج لتنمية الابتكار لدى القطريين، أما عن "التقطير" وهو السعي لتوظيف القطريين في الوظائف التي يشغلها أجانب حالياً قالت ان هذه القضية هي قضية الدولة لا الجامعة لكنها دعت الى التركيز على "النوعية والكفاية" في اختيار القطريين والقطريات لشغل الوظائف. ورأت الدكتورة المسند انه توجد فرص واسعة أمام المرأة القطرية للحصول على مناصب رفيعة في المؤسسات الحكومية وهنا نص الحوار: ما دلالات اختيارك كأول امرأة لتولي منصب نائبة مدير الجامعة للبحوث وخدمة المجتمع؟ - أنا لا أنظر الى الموضوع من زاوية أول امرأة تتولى هذا المنصب، وإنما أرى أن شخصاً له كفاية معينة وتم اختياره لهذا الموقع، وعندما جرى اختياري سعدت لأنني في نظر المسؤولين أملك الكفاية للقيام بهذا العمل، وليس لأنني امرأة. ألا يعني اختيارك للمنصب شيئاً للمرأة القطرية لأنك أول قطرية تتبوأ موقعاً مرموقاً في الجامعة؟ - معظم المراكز القيادية في الجامعة حالياً يشغلها قطريون. لكن المرأة بدأت تشغل مواقع جديدة؟ - صحيح ان اختياري قد يؤدي الى ارسال رسالة معينة، مضمونها أن بامكان المرأة ان تحتل منصباً عالياً في المؤسسات الحكومية إذا توافر لديها الاستعداد الشخصي والمؤهلات، فالفرصة موجودة، وما على المرأة إلا إثبات نفسها. وهل انتشرت النساء في مواقع عمل عدة داخل الجامعة حالياً؟ - أعتقد ان أكثرية العاملين القطريين سواء في قطاع التدريس أو الخدمات في الجامعة هم من النساء وليس الرجال، فالمرأة الآن تحتل مكانة وموقعاً في الجامعة. بصفتك نائبة مدير الجامعة للبحوث وخدمة المجتمع، ما هي أولوياتك في مجال البحوث خصوصاً أن المجتمع القطري يشهد تحولاً ويتغير، ولا بد من تفاعل الجامعة مع المجتمع فإلى أين وصلتم في هذا الميدان؟ - البحث العلمي جزء أساسي من رسالة الجامعة، والبحث ليس فقط من أجل التطوير البحثي ولكنه يرتبط أيضاً بالتدريس، وفي ضوء هذا فإن البحث العلمي يعتبر مطلباً أساسياً وضرورياً لكل شخص يريد أن يتخذ من سلك العمل الجامعي مسلكاً في حياته، وهو جزء أساس في حياة عضو هيئة التدريس. ولدينا في الجامعة حالياً ستة مراكز بحثية وهي مركز البحوث العلمية والتطبيقية، ومركز البحوث التربوية، ومركز الوثائق والدراسات الانسانية، ومركز دراسات السيرة والسنّة، والمركز الوطني للأبحاث الاقتصادية ومركز دراسات الخليج أنشئ حديثاً، وكل هذه المراكز تلعب دوراً كبيراً في تنشيط البحث العلمي داخل الجامعة، وأيضاً في عملية ربط الجامعة بالمجتمع عن طريق البحث العلمي. وهناك بحوث تأتي بمردود للمجتمع من خلال عناية البحث بمشكلات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. ومثلاً ينصب اهتمام مركز البحوث التربوية الأساسي الآن على اجراء بحوث حول كيفية وضع مقاييس ومعايير يتم عبرها تقويم الطالب، والتأكد من انه حصل بالفعل على المهارات الأساسية الضرورية التي تقارب المستويات العالمية لأي طالب في سنه. وهل أجريت بحوث من هذا النوع في السنوات الماضية؟ - لم تجر بحوث في هذا الشأن لتقويم مستويات الطلاب في السابق كما يحدث حالياً، وقد أجريت دراسات لكنها كانت تتناول زوايا اخرى، أما الآن فنحن نحاول في مركز البحوث التربوية على سبيل المثال أن نضع اختبارات مقننة لقياس مهارات معينة عند كل مستوى دراسي مراحل التعليم المختلفة وخصوصاً مادة الرياضيات، وقد بدأنا هذا البحث حالياً. وهل لديكم بحوث اخرى ذات علاقة بالمجتمع وقضاياه؟ - تجرى في مركز الوثائق والدراسات الانسانية بحوث حول التجربة الديموقراطية في قطر ونتائجها وانعكاساتها وكيف تتطور، وسنقوم بتنظيم مؤتمر في الدوحة قريباً عن التحول الديموقراطي، وسيبحث في التجربة الديموقراطية في منطقة الخليج بصفة عامة وانعكاساتها المستقبلية وكيف يمكن خلق أرضية مناسبة للتجربة، وستتم دعوة شخصيات قطرية وخليجية تعمل في الحقل الجامعي ولديها كتابات ومساهمات في مجال الديموقراطية في العالم العربي. وهناك المركز الوطني للأبحاث الاقتصادية يجري الآن بحوثاً عن البنوك الموجودة في الدولة والخدمات التي تقدمها، كما تركز البحوث على نظرة المستثمر والدولة معاً. وسننظم مؤتمراً دولياً بعنوان "هيكل وأداء ومستقبل المؤسسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي" في نيسان المقبل، ويعمل الآن مركز الأبحاث التطبيقية العلمية مع قطاع الصناعة في المجتمع لحل مشكلات التلوث البيئي وبعض المشكلات الفنية في قطاع صناعات الغاز والنقل، ونحن ما زلنا في البدايات الأولى ونحاول خلق قاعدة للتطور في مجال البحث، ولا ننسى اننا جامعة صغيرة عمراً انطلقت عام 1977 وصغيرة في حجمها أيضاً، وما زلنا في المراحل الأولى في قضية البحث العلمي وتطويره. من خلال ما تجريه الجامعة من بحوث هل تعتقدين انها نجحت في مخاطبة القضايا الاساسية للمجتمع ام انها لم تنجح في ذلك حتى الآن؟ - لا أستطيع القول اننا نجحنا، واعتقد اننا حتى الآن لم ننجح، لكن ما هي الأسباب، فقد يكون من بينها ان للبحث العلمي قيمة لدى الأشخاص الذين يمتلكون وعياً يجعلهم يلجأون للبحث العلمي لاتخاذ القرار، لكننا حتى الآن نعيش في مجتمع نامٍ ولا يزال الوعي بقيمة البحث واللجوء الى الاسلوب العلمي لحل قضايانا في البدايات الأولى. وعلى سبيل المثال، بالنسبة لقطاع الصناعة خصوصاً صناعة النفط والغاز المتطور فإننا نجد ان الاهتمام في هذا القطاع بموضوع البحث أكبر من أي قطاع آخر، وهذا بسبب طبيعة قطاع النفط والغاز، إذ يجري تعاون قوي جداً بين هذا القطاع ومركز البحوث العلمية والتطبيقية. وهذا معناه ان العامل الأول للاهتمام بالبحث يكمن في قضية الوعي، وعلى رغم انني لا أريد أن أتحامل على كل الجهود السابقة الا انني أقول اننا في مراحل سابقة اهتممنا بالبحث لمجرد البحث من دون محاولة البحث عن المشكلات الاجتماعية وحلها. خلال هذه الفترة هناك اهتمام بمشروع قانون الأحوال الشخصية الذي وضعته رئاسة المحاكم الشرعية فهل ساهمت الجامعة في هذا الموضوع؟ - طبعاً، ان كثيراً من الأساتذة الذين ناقشوا هذا المشروع هم أساتذة في الجامعة، وكان نصف عدد الحاضرين في ندوة نظمها الشهر الماضي المجلس الأعلى للأسرة لمناقشة مقترحات قدمها لتعديل مشروع القانون كانوا من الجامعة. في المجتمع القطري حديث وخطط "لتقطير" الوظائف تشغيل قطريين محل أجانب يعملون في وظائف عدة فهل للجامعة اهتمام بهذه القضية أم أن بحوثها نظرية بعيدة عن الواقع ونبض المجتمع؟ - نحن نحاول أن تكون البحوث التي يتم تمويلها من الجامعة ذات مردود تطبيقي، ونحن نشجع القطري الكفوء المهتم بقضية البحث العلمي، خصوصاً أن قضية الاهتمام بالبحث هي قضية شخصية. وهذا معناه ان هناك عضو في هيئة التدريس مهتم بالبحث ويعتبر ان حياته تكمن في ذلك، وقد تجد عضواً آخر يقول لك انني لن أبحث إلا وفق ما هو مطلوب، فنحن نشجع القطري لكن في النهاية يجب أن نركز على مؤهلات الشخص المتقدم لعمل البحث، وهل لديه اهتمام، وهل هو قادر على اجراء البحوث أم لا. ولدينا عدد من الباحثين القطريين المتميزين العاملين في مراكز البحوث، فهناك الدكتورة هالة سلطان العيسى من قسم الكيمياء، ولدينا دكتور كلثم الغانم وهو من القطريين الذين لهم كتب ومنشورات في مجلات محلية وعالمية، ف"التقطير" ليس قضية الجامعة فقط، بل هو قضية الدولة، إذ لا بد من القيام بالتقطير، ولكنني أؤكد على كلام وزير الطاقة السيد عبدالله العطية الذي يؤكد دائماً أن التقطير هو مع النوعية الاهتمام بالنوعية وليس فقط التقطير من أجل التقطير، لأنه اذا كان فقط من أجل التقطير فإنه سيؤدي الى تدمير كل المؤسسات، أي انه لا بد من الأخذ في الاعتبار معايير معينة. وان الأخذ بذلك سيجعل القطري يعمل ويجتهد حتى يصل الى تلك المعايير معايير الحصول على الوظائف وهذا معناه انه يجب أن تركز خطة التقطير على النوعية على الكفاية. وكيف ترين مستوى البحوث في جامعة قطر اذا ما قورن بمستوياته في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؟ وهل صحيح انه أقل مما في دول المنطقة؟ - اذا تكلمنا عن النوعية فإنها لا تختلف، لكن اذا تحدثنا عن الناحية الرقمية فليس لدي من الاحصاءات ما يثبت ان انتاجنا أقل، لكن اذا سلّمنا بأن كلامك صحيح فإنني أعتقد انه لا فارق من ناحية النوعية إذ توجد لدينا بعض الأبحاث ذات النوعية العالية المستوى. وفي هذا الاطار أشير الى أن قضية التمويل تمويل البحوث تعد قضية مهمة وقد يكون تمويل البحوث لدينا في قطر أقل مما هو في دول خليجية أخرى على رغم انني لا امتلك احصاءات. وكم تبلغ القيمة المادية المخصصة للبحوث في جامعة قطر سنوياً؟ - ثلاثة ملايين ريال قطري. هناك قضية تشغل بال المجتمع القطري وهي توفير فرص العمل للخريج والخريجة فهل توافقين أن هناك مشكلة حقيقية يواجهها القطري والقطرية بعد استكمال الدراسة والخروج الى سوق العمل؟ - هذا الموضوع جرى بحثه مرات كثيرة في الجامعة، وانني بصراحة أعتقد ان فرص العمل موجودة لكن المشكلة ان القطري يريد فرص عمل من نوع معين وهذه أول مشكلة. ففرص العمل موجودة والدليل على ذلك ان خمسين في المئة من العاملين في البلد ما زالوا غير قطريين، لكن ما هي توقعات الخريج ومستوياته، وما هي نوعيته والمهارات التي يملكها. فللأسف انه في كثيرٍ من الأحيان لا يمتلك القطري المهارات اللازمة لبعض الوظائف، وأعتقد ان هذه المشكلة مرتبطة بتوقعات الخريجين القطريين لنوعية الوظائف التي يريدونها والمردود المالي لها، والشكل والمظهر الاجتماعي لهذه الوظائف. واذا كانت الخريجة تصرّ على العمل في وزارة التربية والتعليم فإنها لن تجد وظائف لأن معظم الوظائف في قطاع التدريس قد امتلأ. والى أين ستذهب الخريجة القطرية اذا أغلقت أمامها سبل العمل من بعض المجالات؟ - الآن ترحب كل أجهزة الدولة بالخريجة القطرية، وهناك برامج لتدريب الخريجة في شركة "قطر للبترول"، وتوجد فرص في مؤسسات أخرى، لكن ما هي توقعات الخريج أو الخريجة، ان ما يعتقده أحدهما بأنه صالح للعمل من وظيفة معينة قد لا يكون متوافراً الآن. وهناك أيضاً قضية التدريب والمهارات، فهل يملك الخريج القطري المهارات المناسبة لسوق العمل، أي أن القضية هي قضية مهارات وتوقعات. وهل يحظى مستوى انتاجية الفرد القطري باهتمامكم في البحوث الجامعية؟ - هذا سؤال كبير وعام، لكنني أعتقد ان الانتاجية تعتمد على نوع الشخص نفسه، فهناك قطريون حققوا انجازات باهرة في كل الأعمال التي تولوها، وهناك قطريون لا يوجد لديهم الدافع لبذل الجهد وتحقيق الانجاز. أيضاً يجب ان تكون هناك محاسبة، فالقطري يجب ألا يتم توظيفه لأنه قطري. واذا لم نوجد نظاماً للثواب والعقاب فإن هذا سيؤدي ليس فقط الى تسيب المنتج، بل ان انتاجية المنتج قد تنخفض. يلاحظ ان البنات في الجامعة يدرسن في أماكن وكليات منفصلة عن الطلاب فهل تفكرون في نظام جديد يوفر فرص التفاعل والنقاش بين الطرفين؟ - ان هذا النظام الحالي لا يضر بالعملية التعليمية طالما ان نوعية التعليم التي تقدم للبنين هي بالجودة نفسها التي تقدم الى البنات. هذا معناه انه لا توجد فكرة تؤدي الى دراسة مختلطة بين الطلاب والطالبات؟ - لا يوجد هذا التوجه. وكيف ترين تجربة دراستك في الخارج للحصول على درجة الدكتوراة في جامعة درهام في بريطانيا؟ - كانت تجربة مفيدة وناجحة، وأنا سعيدة لخوضي هذه التجربة لأنها اعطتني فرصة الاطلالة على العالم الخارجي والاستقلالية والموضوعية، وأكيد انها اضافت الى شخصيتي، ومن الصعب أن أفصِل ما بين ما تم اكتسابه هناك في بريطانيا وهنا، لكنني اقول ان الدراسة في الخارج في المجتمعات المتطورة تؤثر على الشخصية وتجعلك قادراً على المساهمة للارتقاء بمستوى مجتمعك ليبلغ مستوى متقدماً.