كل المعطيات تؤكِّد بأن سوق العمل في المملكة مقبلة على مشاركة أكبر للمرأة السعودية التي انفتحت أمامها مجالات عمل أوسع، بل أصبحت المرأة موضوعاً للعديد من النقاشات والأحاديث، أحدها وليس آخرها نقاشات الحوار الوطني التي شغلت المرأة الكثير من جلساته، وأصبحنا في الآونة الأخيرة نلمس أن المجتمع بات أكثر فهماً وتقبلاً لدورها كعنصر أساسي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ غير أن هذا الواقع الجديد يطرح تساؤلات مهمة: ؟ هل تعليم وتدريب المرأة المتاح حالياً كافٍ لتأهيل المرأة لمتطلبات الوظائف التي يحتاجها سوق العمل وخطط التنمية؟ ؟ وهل بيئة العمل الراهنة ملائمة من حيث الأنظمة والقوانين والتسهيلات لتمكين المرأة من المشاركة بفعالية في قوة العمل الوطنية إذا أخذنا في الاعتبارات عادات المجتمع السعودي والتزامات المرأة السعودية؟ ؟ وهل نوعية الوظائف المتاحة حالياً للمرأة كافية وجاذبة وتلبي طموحات المرأة المهنية وتخصصاتها الدراسية التي أصبحت متاحة لها داخل وخارج المملكة؟ د. نادية باعشن تركز في مداخلتها في بداية هذه القضية على أن المنظومة التعليمية - ككل - سواء للمرأة أو الرجل غير كافية لتأهيلهم لسوق العمل وخطط التنمية، والسبب كما تقول د.باعشن أن التعليم لدينا يواجه نواقص عديدة، منها أن التعليم مازال يعتمد في أساسه على التلقي والتعليم النظري، وليس على الممارسة والتطبيق العملي؛ فمناهجنا في واد والعالم في واد آخر، ومازال لدينا نقص وفجوة في مواكبة مناهجنا للتطور العلمي الذي يشهده العالم؛ كما أن التخصصات التي تُدرّس في جامعاتنا غير مواكبة لمتطلبات سوق العمل؛ فجامعاتنا تُخرّج اليوم أعداداً بالآلاف في تخصصات غير ملائمة لسوق العمل. خذ مثلاً التاريخ والجغرافيا وعلم النفس وعلم الاجتماع واللغة العربية .. صحيح أنها تخصصات مهمة ومطلوبة؛ ولكن سوق العمل لا يحتاجها ولا يطلبها. ويتفق الأستاذ محمد عبدالرحمن المعيبد مع ما طرحته د.نادية باعشن حينما يقول: لا يختلف التعليم والتدريب للمرأة كثيراً عن الرجل، أما من حيث موائمة ذلك لمتطلبات سوق العمل فحري بنا أن نجيب عن نفس السؤال بالنسبة للرجل؛ لأن الإشكالية في مخرجات التعليم والتدريب وليس في المرأة؛ لأنها لا تواكب خطط التنمية. أما د.رقية الشبيب فترى أنه يجب قبل أن نطالب بتعليم وتدريب المرأة لتأهيلها لمتطلبات الوظائف التي يحتاجها سوق العمل وخطط التنمية نطالب بتوظيفها عبر حملة وطنية لدعم هذه الفكرة، فهناك البنوك والخطوط السعودية وغيرها من القطاعات الكبيرة باستطاعتهم استيعاب تلك الطاقات؛ لكن هناك عوائق يضعها البعض أمام المرأة السعودية تحول دون مشاركتها بفعالية في دفع قوة العمل الوطنية. ومن جانبها تؤكد د.نورة الشملان بأن هناك طلاقاً بائناً بين خطط التنمية ومخرجات التعليم - للأسف الشديد - فخطط التنمية من جهة ومخرجات التعليم من جهة ثانية، كما تقول د.الشملان، فالجامعات لا تُخرّج ما يريده سوق العمل والأخير لا يطرح ما تريده الجامعات، فالأفضل أن يكون هناك توافق بين سوق العمل وخطط التنمية حتى لا تطرح الجامعات إلا التخصصات المطلوبة في سوق العمل، فمن المفارقات الغريبة أن يكون لدينا عدد كبير من العاطلات عن العمل، وفي نفس الوقت هناك 7ملايين متعاقد! فكيف يحدث هذا لا بد أن هناك خللاً. الإشكالية والإشكال! ورغم أهمية التساؤل الأخير الذي طرحته د.نورة الشملان إلا أن د.سالم بن سعيد القحطاني يأخذنا إلى "زاوية المرأة والتقنية" حينما يقول: يدرك المختصون في العمل وسوق العمل بالمملكة أن الحاجة لعمل المرأة متنوعة ومختلفة بشكل كبير عما هو متاح اليوم في السوق وعما تخرجه المعاهد والكليات التقنية حالياً، والجامعات التي في معظمها موجهة لتهيئة المرأة للعمل في القطاع العام وليس في القطاع الخاص؛ وبالتالي تكون مخرجات هذه الكليات مخالفة لما يتطلبه سوق العمل في القطاع الخاص الذي يعتبر هو الموظف الأول حالياً في المملكة، وإذا أمعنا النظر في متطلبات الواقع المعاصر كما يقول د.القحطاني، هناك مؤشر كبير على أن المرأة لن تكون مؤهلة للوفاء بمتطلبات التنمية التي تشكلت وتنوعت وتغيرت بشكل كبير عما كانت عليه قبل عام 2000م. اليوم التقنية هي المتطلب الرئيس لعمل المرأة؛ حتى إن المرأة يمكن أن تعمل عن بعد من بيتها، أو حتى ربما من مدينة أخرى إذا توافرت لديها المؤهلات والقدرات التي تساعدها على القيام بالأعمال المطلوبة منها. لم يعد العمل المناسب للمرأة يتطلب منها الحضور إلى مقر العمل، فكثير من الأعمال اليوم يمكن أن تؤدى عن بعد؛ ولكن المصيبة أن التهيئة لهذه المهمة غير واردة عند مؤسساتنا التعليمية والتدريبية، وهذه هي الإشكالية وليس الإشكال في عمل المرأة، فالمرأة مستعدة للعمل والمجتمع يتفهم متطلبات المرأة وقدراتها، وهو يحتاج إلى مساهمة المرأة بالشكل الذي يسهم في الاقتصاد الوطني ويحترم لها وضعها الشرعي. مؤشرات واضحة د.عواطف أمين يوسف تلاحظ أن الفترة الأخيرة قد شهدت أضواء سلطت على المرأة ودورها المجتمعي، وحضورها الواعي في سوق العمل، فقد كان لها نصيب في المشاركة في الغرفة التجارية، ودخولها مضمار العمل الحر التجاري، وتشهد السجلات التجارية في الغرفة التجارية ما للمرأة من مشاركة جدية وصامتة في المجال التجاري؛ بالإضافة إلى شهادة البنوك المختلفة لدورها الاستثماري الواثق إلى حد ما. وتجزم د.عواطف يوسف أن تلك مؤشرات واضحة لمشاركة المرأة الفعال في سوق العمل؛ لا سيما أن سوق العمل في المملكة العربية السعودية مقبلة على مشاركة أكبر للمرأة السعودية وبجدارة في مجالات العمل المختلفة؛ التي تحافظ فيه المرأة السعودية على هويتها الإسلامية التي جُبلت عليها وتوشحت بغطائها الساتر، وانطلقت فيه بكل همة نحو هدفها المنشود؛ لا سيما أن الطريق أمامها مفتوح نحو انطلاقة صحية وصحيحة لتحقيق دورها الرائد في المجال الاقتصادي والتجاري؛ وحيث أصبح المجتمع أكثر تفهماً وتقبلاً لدورها الحيوي كعنصر أساسي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لغة الأرقام وتؤكد الأستاذة لمى الغلاييني كذلك على أن التخصصات المتاحة في الوقت الحاضر للمرأة لا تتفق وحاجة سوق العمل. وتقدم لنا الأستاذة الغلاييني - وعبر لغة الأرقام - ما يدعم هذا الطرح؛ إذ تشير إلى أن الخريجات من الجامعات من الإناث أكثر من الذكور بنسبة تصل إلى 86% وبالأخص في كليات التربية؛ فإن هذا الأمر كرس مشكلة البطالة، وقلل من مساهمة المرأة في سوق العمل لتصل نسبة مشاركتها إلى 6% مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى. وترى الأستاذة لمى الغلاييني كذلك بأن عدد خريجات الثانوية العامة اللاتي لن يتمكن من الالتحاق بالجامعات، سيتضاعف إلى عشرات الآلاف خلال السنوات المقبلة، بسبب أن المقاعد المتاحة لهن أقل من الحاجة الفعلية؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة القبول للبنات في الجامعات كانت 42% في عام 1996م وتراجعت إلى 22% في عام 2003م؛ مما يعطي مؤشراً واضحاً على أن عدد الفتيات اللاتي سيعانين من البطالة إذا لم تفتح مجال التدريب المهني لهن سيكون كبيراً. وتستطرد لمى الغلاييني: كل مخرجات التعليم تحتاج إلى إعادة تأهيل، مما يدعونا إلى تطبيق فكرة "المنهج الموضعي" الذي يمكن من خلاله تدريب الخريجات في بيئة العمل نفسها؛ بحيث يفي بمتطلبات المنظمة طالبة العمل، مما سيسهم في القضاء على نسبة كبيرة من البطالة بين النساء والرجال من المعاناة التي قد يعانيها أرباب العمل. غير كافية وتستمر مداخلات المشاركين في هذه القضية الحيوية حول التعليم والتدريب؛ حيث يقول أ.د.مازن بن فارس رشيد أن برامج التعليم والتدريب في المملكة غير كافية وعلى الخصوص بالمدن الرئيسية فما بالك بالمدن الأخرى، والجهات المسؤولة على التعليم لا تعطي الاهتمام المناسب لتدريب المرأة؛ لذلك تدنت مهارات المرأة الملائمة لسوق العمل؛ لذلك نجد أن النساء يتمركزن في قطاعات محددة بالذات، وعلى وجه الخصوص قطاع التعليم. ويضيف أ.د.مازن رشيد: مؤخراً تبنت الدولة كثيراً من برامج الإصلاح والتخصيص، وهذا الوضع يتطلب مهارات غير تقليدية غير التي تعودنا عليها في سوق العمل، والمرأة على وجه الخصوص حتى تلائم سوق العمل الجديد؛ لأن يكون لديها من المهارات التي تزيد من قدرتها التنافسية، وبالتالي تمكنها من المشاركة في القطاعات. وهنا يشير الأستاذ باسل سلمان الغانم إلى أنه بالنسبة للوظائف الطبية والتعليمية فقد قطعت المملكة مسافة لا بأس بها من تأهيل الطبيبات والمعلمات، أما ما يخص الشركات الخاصة والقطاع المصرفي بالتحديد فهناك ما يتطلب المزيد من الجهد في تأهيل الشخصيات القيادية والمؤهلات التخصصية للانخراط في هذا المجال. مهما فعلت وتقف الأستاذة ديما الهاجري مع الآراء التي تقول بأن تعليم وتدريب المرأة الحالي ليس كافياً لتأهيلها لسوق العمل؛ حيث تقول: ليس بالدرجة الكافية أو المطلوبة، والسبب لا يعود عليها، فمهما فعلت المرأة ينظر إليها على أنها عنصر غير مهم لبناء المجتمع وتنمية الوطن؛ ولكنها خطوة ممتازة وكل خطوة لها إيجابيات وسلبيات؛ ولكن المهم أن نخطوها. ونستطيع أن نتلمس السلبيات على واقع الحياة ونتداركها مستقبلاً فلا عيب بذلك. بيئة العمل وإذا انتقلنا إلى المحور الثاني الخاص بملاءمة بيئة العمل للمرأة تقول د.نورة الشملان: ليس مجالات العمل كلها مفتوحة أمام المرأة؛ لكن في مجالات العمل المفتوحة فالمرأة مهيئة للمشاركة بفعالية في قوة العمل الوطنية. وفي منظور الأستاذة رقية الشبيب فإن بيئة العمل الراهنة تعتبر ملائمة من حيث الأنظمة والقوانين والتسهيلات لعمل المرأة السعودية؛ وقد أثبتت جدارتها مراراً وتكراراً عندما يعطى لها المجال. وتضيف الشبيب: وأنا أتذكر أيام تم تطبيق السعودة في قطاع تعليم البنات بشكل مفاجئ ودون تدرج ومع ذلك نجحت المعلمة السعودية أيما نجاح؛ وأقول إن بنت الوطن مبدعة، وهذا ليس تعصباً وتحيّزاً مني، فهذه حقيقة لمستها بنفسي في مشواري العملي. أما د.نادية باعشن فلا تتفق مع الرأي القائل بملاءمة بيئة العمل للمرأة حينما تقول رداً على السؤال المحوري: - بالطبع لا. فبيئة العمل الراهنة غير ملائمة من حيث الأنظمة والقوانين والتسهيلات لتمكين المرأة من المشاركة بفعالية في قوة العمل الوطنية؛ لأن الأنظمة كلها وضعت في زمن كانت المرأة فيه مغيبة أو غائبة عن سوق العمل، أما اليوم فهي موجودة؛ لكن لا يوجد نظام لحمايتها مع أن القائمين على وزارة العمل يقولون بأن الأنظمة تسري على الجنسين؛ لكن تظل للمرأة احتياجاتها الخاصة عن الرجل، فالرجل لا يحتاج لإجازة أمومة ووضع ولا لإجازات عدة، فهذه يجب تقنينها في مصلحة المرأة، أما ما هو مقنن فيجب استكماله لمصلحة المرأة. ويخالف الأستاذ باسل الغانم النقطة الأخيرة التي ذكرتها د.نادية باعشن قائلاً: لم يكن المجتمع السعودي أبداً حكراً على الرجال! لقد رأينا النساء تعمل في المناطق الزراعية؛ وكذلك بيع المحاصيل بعد الجني، فعمل المرأة والرجل لا بد وأن يكون جزءاً من عادات المجتمع أو نكون قد أضعنا نصف ما نملكه من قوى عاملة. وبشكل عام يؤكد أ.د.مازن رشيد بأن البيئة الكبيرة من المجتمع وبيئة العمل نفسها فيها كثير من الأنظمة تحتاج إلى تغيير، وتبني برامج محفزة للمرأة، ودعمها للمشاركة الفاعلة مع المجتمع، وتوفير الحماية القانونية والاجتماعية للمرأة، ولا بد من التوعية بأهمية عمل المرأة للمجتمع، وهذا يتطلب دوراً من جميع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والغرف التجارية؛ وكذلك توفير البيئة الملائمة للعمل، المادية كالمباني والمساحات؛ والمعنوية بحيث تعمل المرأة في مكان تشعر فيه بالراحة النفسية فتستطيع الإنتاج، والبيئة القانونية بحماية قانونية تستطيع أن تطالب بحقوقها، والبيئة الاقتصادية أن يكون الأجر مناسباً للعمل الذي تقدمه. فمثلاً الأماكن التي يعمل فيها أكثر من 50من النساء تقوم بتوفير رعاية لأطفال العاملات. وهنا يوضح الأستاذ محمد عبدالرحمن المعيبد بأن بيئة العمل الراهنة تعتريها بعض المعوقات لقصور في بعض مواد النظام، وفي جانب آخر عدم وجود آلية تنفيذ المواد الخاصة لعمل المرأة، مثل التأنيث الكامل لإدارات تعليم البنات والمشاغل النسائية وبيع المستلزمات النسائية. أما من حيث التسهيلات فأمامها مصدات هوائية عنيفة مثل وسيلة النقل، المناوبات الليلية، عزوف القطاع الخاص، عدم تفعيل استقلالية المرأة في عملها، عدم التزام وزارة التربية والتعليم بسكن المعلمات في المناطق النائية، مثل وزارة الصحة مع الممرضات، عدم تفعيل بطاقة الأحوال النسائية لمراجعة الدوائر الرسمية، التقيد بل الإلزام بوجود وكيل مفوض منهن. كل ذلك أعطى لبوس العادات والتقاليد والأعراف التي تغيرت عند الرجل، ولم تتغير عند المرأة بحكم ثقافتنا الذكورية. ومن جانبها تؤكد د.عواطف يوسف بأن هناك تحسناً في وضع المرأة العاملة؛ حيث بدأت بعض الأنظمة والقوانين تنصف المرأة مثل تخليها عن الوكيل وحصولها على سجل تجاري، وبإمكانها الإقامة في الفنادق لحضور مؤتمر أو ندوة، وطبعاً هذا بفضل الله ثم لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين إلى إعطاء المرأة فرصتها في العمل، والإفساح لها للخوض في المجالات المهنية التي لا تتنافى مع الشرع على أن لا تخل المرأة أيضاً بمسؤوليتها الاجتماعية والفطرية. فتش عن الرجل النساء شقائق الرجال: تقول الأستاذة ديما الهاجري: وعندما يدرك الرجل السعودي معنى هذه الجملة ويطبقها في بيته ومجتمعه ستجد بيئة جيدة، فهناك من يظن أن وظيفتها ترف أو أمر ليس له داعٍ، وغالبية الشركات إن لم تكن معظمها تقتل طموح المرأة، فلا مساواة بالحقوق لديها بالرجل، ولا حوافز ولا تدريب ولا حتى ترقيات عكس المتاح للرجل تماماً. وهنا تشير الأستاذة لمى الغلاييني إلى أن 69% من مجموع العاملات السعوديات متزوجات؛ لذا فمن المهم المواءمة بين النشاط الاقتصادي والمهمات المتعلقة بالأسرة. كما أن 60% من الموظفات ذكرن أن الضغط النفسي يعد أكثر المشاكل التي يواجهنها في العمل، كما أن عدد الموظفات اللاتي يصبن بالأمراض التي يتعرض لها الموظفون نتيجة للضغط يعادل ضعف عدد الرجال، فالعديد من ظروف العمل تسهم في إصابة النساء العاملات بالضغوط، مثل أعباء العمل المتزايدة، ومحدودية السلطة في العمل، وعدم وضوح دورهن بشكل كبير في العمل، والصراعات داخل بيئة العمل، وفقدان الأمان الوظيفي، وضعف العلاقات، والعمل في مجال محدود وروتيني؛ كما أن هناك عوامل أخرى مثل المضايقات في العمل والمشاكل الأسرية التي تؤثر كذلك في عمل المرأة. ليست مقياساً أما د.سالم القحطاني فيقدم لنا رأياً مختلفاً عن كل ما سبق حينما يقول: بيئة العمل الراهنة ليست مقياساً على ما يمكن أن تؤديه أو تقوم به المرأة السعودية، فالمجتمع قد تغير، ويكفي أن ننظر إلى التسابق على كليات التمريض لتسجيل خريجات الثانوية لنعلم التغير الذي أصبح عليه المجتمع، ويكفي أن ننظر إلى مكاتب عمل النساء والشركات التي توفر فرص عمل للمرأة، كم تتلقى من طلبات توظيف، كما أن المشكلات ليست في التشريعات والأنظمة والقوانين فهي جميعاً تدعم عمل المرأة. المشكلة الرئيسية كما يقول د.القحطاني هي في التسهيلات التي تحتاج إليها المرأة للعمل، مثل النقل والتنقل والمرتب؛ حيث تعطى النساء دائماً عروضاً أقل من الرجال؛ وقد تستغل المرأة المحتاجة أسوء استغلال. وهذه الأمور هي في الواقع لب مشكلات عمل المرأة. نوعية الوظائف وحول المحور الأخير: هل نوعية الوظائف المتاحة حالياً للمرأة كافية وجاذبة.. إلخ؟! تقول د.عواطف أمين يوسف: في الحقيقة مازالت الوظائف الموجودة لا تروي عطش المرأة من حيث المستوى والراتب أيضاً؛ لكن هذا لا ينكر أن هناك دراسات جادة في كل مكان لاستحداث الدراسات الفاعلة التي تحقق طموحات المرأة في الداخل والخارج. أما أ.د.مازن بن فارس رشيد فيقول بأنه مازال عندنا فجوة كبيرة بمعدلات مشاركة المرأة بالنشاط الاقتصادي في المجتمع مقارنة بالرجل، ولا بد أن نستفيد من وسائل التكنولوجيا بشكل عام، وخاصة تلك التي تسهم في توفير فرص العمل للمرأة، وعلى ذات المحور تقول الأستاذة ديما الهاجري: للأسف إلى الآن لم تحصل المرأة السعودية على فرصتها كاملة، وهذا بسبب الكثير من القوانين التي وضعت، ويظن المجتمع أنها لحمايتها؛ لكن الصحيح أنها كائن وإنسان حر يفكر، وعاقل ومنتج مثله مثل الرجل؛ لكن بتلك القوانين التي تحجب المرأة وتجعلها غير قادرة على التخطيط. وعلينا كما تقول الهاجري التفكير جدياً في مناهجنا الدراسية التي توحي بأن المرأة خلقت لخدمة الرجل وهذا ما يتنافى مع المذاهب الأربعة بأن للمرأة دوراً، وعلى الرجل أن يوفر لها سبل الراحة. وفي منظور د.سالم القحطاني فإن الوظائف المتاحة لعمل المرأة اليوم غير كافية للوفاء بالعدد المطلوب من الوظائف للمرأة السعودية؛ حيث إن المعروف أن البطالة بين السعوديات المؤهلات للعمل تفوق 30%، ويعتبر عدد النساء الباحثات عن عمل اليوم بالآلاف؛ وهذا يحتاج إلى عدد كبير من الوظائف للوفاء بهذه الحاجة. وقد يتوافر بعض الوظائف؛ ولكنها ليست جاذبة بما فيه الكفاية للمرأة السعودية للعمل فيه. إما لكون طبيعة العمل لا تتناسب مع ظروف المرأة السعودية، أو أن العمل ليس به استقرار وظيفي، أو لا يعطي المرتب الكافي للمرأة ولا يساوي جزءاً من مصروفها الذي تحتاج إليه لتصل إلى هذا العمل يومياً، مثل المواصلات والملابس وغير ذلك، ولهذا فإنهن يفضلن البقاء في البيوت على الذهاب إلى أعمال لا يستطيعون الاستفادة منها، أو حتى توفير مبلغ ولو بسيط في نهاية الشهر مما يدفع لهن كراتب. إذاً يمكن القول باختصار إن هذه الفرص الوظيفية لا تتفق مع تخصصها الدراسي ولا مع وضعها الاجتماعي؛ حتى وإن تلقت تعليمها خارج المملكة، فما زال العمل هو داخل المملكة، وهذا ما حدا ببعض السعوديات إلى البحث عن عمل في دول الخليج المجاورة لتجاوز عقبات تحقيق الطموحات بما يتناسب مع التخصص والمجهود المبذول. مجموعة من الآليات من المهم أن نتحدث هنا عن دراسة صادرة حديثاً عن وزارة العمل؛ كما تقول الأستاذة لمى الغلاييني بأن إجمالي الوظائف الجديدة المتوقع توفيرها خلال سنوات الخطة الخمسية الثامنة والناتجة عن النمو سيبلغ (106778) وظيفة؛ حيث يرتفع عدد هذه الوظائف إلى (30957) عام 1430ه، وستتركز أهم الوظائف الناتجة عن النمو في المهن العملية الصناعية والكيماوية والصناعات الغذائية، ويتوقع أن يصل عددها إلى نحو (11823) وظيفة جديدة عام 1430ه يليها البيع بنحو (7259) تليها الفنية بنحو (6224) وظيفة، وفي القطاع الحكومي (4863) وظيفة، وتلي ذلك وظائف هيئة التدريس التي سترتفع إلى (2623) وظيفة عام 1430ه. وتدعو الأستاذة لمى الغلاييني إلى ضرورة المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب بالمرأة السعودية، ومتطلبات واحتياجات سوق العمل الراهنة والمستقبلية؛ وذلك من خلال مجموعة من الآليات منها: - فتح تخصصات علمية وتطبيقية تكون أكثر استجابة لاحتياجات سوق العمل، مثل تخصصات الهندسة الإلكترونية والكهربائية والحاسب الآلي. - توسيع وتكثيف البرامج التعليمية الصحية، وتوجيه الاهتمام لبرامج إعادة تأهيل خريجات مؤسسات التعليم العالي اللاتي لم يعملن من خلال برامج التعليم عن بعد والبرامج التكميلية وبرامج التدريب على رأس العمل. - تسجيل الباحثات عن عمل ضمن قواعد البيانات الخاصة بالعمالة، وإدراجهن ضمن خطط وبرامج التعامل مع العاطلين عن العمل. - العمل على توعية المرأة بالفرص الاستثمارية في الأنشطة التجارية والصناعية بمنحها القروض والتسهيلات التجارية والصناعية من خلال تحفيز سيدات الأعمال على الاستثمار في تلك الأنشطة بمنحها القروض والتسهيلات من صناديق الإقراض الحكومية والخاصة. بعض الجاذبية وتلفت د. نادية باعشن انتباهنا إلى أن الوظائف المتاحة حالياً للمرأة في القطاع الخاص بقولها، والقطاع الخاص لديه رغبة عالية في توظيف الأيدي العاملة النسائية؛ بل إنه يفضل المرأة عن الرجل لأسباب عديدة، منها أن المرأة تريد أن تثبت ذاتها؛ ولأنها تأخذ العمل من مصلحة التحدي، ولديها خوف وانصياع للأوامر أكثر من الرجل، وهي موظفة مريحة ومنضبضة وتقبل بأجور أقل من الرجل، وهي البديل الأمثل عن العمالة الأجنبية في نظر القطاع الخاص؛ لكن المشكلة التي يعاني منها القطاع الخاص مع المرأة؛ كما تقول د.باعشن إن كثيراً منهن ينتمين للفكر الذي يخلط بين الاختلاط المشروع وبين الخلوة، فهناك لغط في المجتمع في هذه الأمور فتجد البنات هن أنفسهن يعزفن عن العمل في القطاع الخاص؛ نظراً لحتمية وجود الاختلاط المشروع، فالقطاع الخاص من الصعب عليه أن يفصل الرجال عن النساء في العمل مثل القطاع الحكومي؛ لأن القطاع الخاص يهمه الحافز وهو الربحية، فهذا اللغط هو الذي جعل المرأة تعزف عن العمل في القطاع الخاص؛ لكني أؤكد بأن القطاع الخاص مستعد لتوظيف المرأة إذا تخلت عن هذا اللغط الفكري، فهناك فكر سائد يحارب عمل المرأة؛ وإلا بماذا تفسروا المرسوم الملكي الذي صدر بتأنيث المستلزمات النسائية؛ لكن لم يستطع أحد تحقيقه حتى الآن بمن فيهم الوزير نفسه!! ويقول الأستاذ محمد عبدالرحمن المعيبد بأن الوظائف موجودة؛ ولكنها غير متاحة مثل المحاسبة، والإدارة، والمبيعات، والتسويق، والحاسب الآلي؛ لكن بعد صدور قرار مجلس الوزراء رقم (187) الذي أزال الالتباس عن مفهوم عدم جواز الاختلاط؛ والذي عممه وزير العمل بتاريخ 1429/2/20ه ومن هنا سيتاح المجال لتأنيث الوظائف المتاحة في القطاع الخاص والعام في حالة التطبيق، وهذا إزاحة لأكبر عقبة نأمل أن تحقق المقاصد التي يهدف إليها قرار مجلس الوزراء بسد فجوة في البطالة النسائية، وعندما تتاح الفرص ستعدل مسار التخصصات بالخبرة والتجربة. ويشير الأستاذ باسل الغانم إلى أن المرأة السعودية قادرة على إثبات وجودها على جميع الأصعدة. أما الأستاذة رقية الشبيب فترى بأن نوعية الوظائف المتاحة للمرأة حالياً لا تكفي وغير جاذبة ولا تلبي طموحات المرأة المهنية وتخصصاتها الدراسية، رغم أن بلادنا تعتبر قبلة الأنظار في العالم، فما الذي يجذب المرأة الأمريكية أو الأوروبية للمجيء إلى بلادنا ولبس العباءة والغطاء سوى إغراءات العمل؛ فلماذا نبخل على بناتنا بهذه الفرصة؛ لذا يجب أن تزال العوائق التي تقف في وجه المرأة السعودية المبدعة والناجحة؛ والتي أصبحت مطلوبة للعمل في الكويت وقطر والإمارات كمعلمات، وفي القنوات العربية هناك مذيعات سعوديات أثبتن نجاحهن بكل احترافية وثقة. وتشير د.نورة الشملان أيضاً إلى أن نوعية الوظائف المتاحة حالياً للمرأة غير كافية ولا تلبي طموحات المرأة المهنية والدليل كثرة العاطلات والبطالة؛ سواء كانت حقيقية أو مقنعة، فالكثير من المتخرجات يتوظفن في وظائف ليست لها أي علاقة بما درسن؛ والحاصل أنهن يتوظفن عن طريق الواسطة أو أي طريق آخر بوظيفة غير مؤهلة لها.