"ربنا يهده، وكل من يمشي في خطاه"، "الله ينور عليك، برافو"... هذان هما الموقفان الرسميان الرئيسيان اللذان اتخذهما ابناء الشعب المصري وبناته في شأن الحاج متولي. إذ تمكن "الحاج" الذي يلعب دوره الفنان نور الشريف في رمضان 2001 من أن يتبوأ مركز الصدارة بين عشرات المسلسلات التي تكتظ بها شاشة التلفزيون المصري. هذه الصدارة، ليست بالضرورة بسبب تفوق القصة، أو سلاسة السيناريو، أو إبداع الممثلين، بل لأن المسلسل - الذي لم ينتهِ بعد - يطرح زاوية بالغة الحساسية في الجدل الأبدي بين الرجل والمرأة، هي تعدد علاقة الرجل بالجنس الآخر، أو كما يطرحها المسلسل، تعدد الزوجات. وعلى رغم أن الدراما المصرية تناولت هذه القضية المشتعلة في اعمال سينمائية، مثل "الزوجة الثانية" و"الزوجة ال 13" و"سيداتي آنساتي"، إلا أن تناول التعدد هذه المرة خلا من الصراع. فالحاج متولي متزوج من ثلاث، ومقدم على إضافة رابعة، وكل شيء على ما يرام. علاقته بهن ممتازة، وعلاقاتهن ببعضهن اكثر من ممتازة، وربما هذا ما أثار حنق النساء والرجال، وان اختلفت الأسباب. السيدات حانقات، فكيف يجرؤ الرجل على مثل تلك الخيانة؟ ولماذا يقدم على "فراغة العين" التي تفسر تشبيه بعض الرجال بالقطط التي تأكل وتنكر؟ وأين الرجل "الملاك" المخلص لزوجته الأولى والأخيرة الذي يصمد امام الإغراءات النسائية؟ أما الرجال فحانقون لسبب واحد، هو أنهم ليسوا الحاج متولي. قال أحدهم، وهو رجل في العقد الرابع يحمل شهادة جامعية، متزوج، وله طفلان: "كلنا هذا الرجل". قد يبدو المسلسل لبعضهم ترويجاً لفكرة تعدد الزوجات، وهي المرة الأولى التي يجرؤ فيها أحد على أن يجاهر بذلك أمام 68 مليون مصري، أضف الى ذلك حفنة القنوات الفضائية العربية التي تعرض المسلسل في رمضان. "لا أفهم كيف يبث التلفزيون الحكومي مثل هذا المسلسل الذي يروّج لمبدأ تعدد الزوجات، ليس فقط من وجهة نظر الزوج، بل من وجهة نظر الزوجات المنسجمات". بهذه الكلمات اندفعت رئيس رابطة المرأة العربية الدكتورة هدى بدران التي حرصت على متابعة المسلسل، بعدما عرفت فحواه من اصدقائها. وتساءلت: "الترويج لتعدد الزوجات ألا يتعارض شكلاً وموضوعاً وسياسة الدولة الهادفة الى تنظيم الأسرة". وتماماً كما كان المصريون يسبون مسلسل "دالاس" ثم يتسمرون أمامه يومياً، ويلعنون مسلسل "فالكون كريست" ثم يفقدون الوعي وقت اذاعته، ويشتمون مسلسل "الجريء والجميلات" ثم يمضون سنوات في متابعته، وكل من يتحدث أو يكتب عن مسلسل "عائلة الحاج متولي" سلباً أو ايجاباً، يحرص على التفرغ لها. "هذا هو مكمن الخطر" تقول الدكتورة هدى بدران، فالمسلسل خرج بصورة محكمة تجذب المشاهدين، سواء من حيث التمثيل أو السيناريو أو التصوير، مما جعل قضية تعدد الزوجات تبدو أمراً محبباً ومرغوباً فيه. والمقلق ان فتيات صغيرات السن لا يرين الآن مشكلة في الزواج من رجل متزوج، طالما يملك المال. رابطة المرأة العربية ترى ارسال خطاب مذيل بتواقيع الى وزير الاعلام السيد صفوت الشريف، احتجاجاً على عرض مثل ذلك المسلسل المناهض لسياسة الدولة. وفي أروقة المجلس القومي للمرأة مفاوضات لإعداد ندوة تناقش أبعاد المسلسل. هذا القلق لدى المنظمات والجهات المعنية بشؤون الجنس اللطيف، بالإضافة الى الجنس اللطيف ذاته، ألقى ظلاله على مجالات أخرى في المجتمع المصري. ويقول الاستشاري في الطب النفسي الدكتور خليل فاضل: "موضوع تعدد الزوجات أو مجرد الخوف منه يؤثر على نصف السيدات اللواتي يترددن على عيادتي. لديهن احساس بعدم الأمان والخوف من المستقبل، وعدم الثقة بالزوج، نتيجة الاشتباه في زواج ثانٍ". استاذ جامعي ذو مكانة مرموقة تعدى الخمسين بقليل، سألته "الحياة" عن مسألة تعدد الزوجات لضم صوته الى أصوات المنددين بالفكرة، لكن المفاجأة كانت في رده الهادئ: "أنا متزوج منذ سنوات طويلة، ولكن ماذا يحدث لو خفق قلبي لامرأة أخرى؟ الأفضل ان أتصرف في شكل لا ترضى عنه قيم المجتمع والدين، أم أتزوج بالحلال من خفق قلبي لها"؟ ويستطرد الأستاذ الجامعي في اطاحته كل التوقعات: "اذا تزوجت مرة اخرى، لن يكون ذلك للحصول على مزيد من الأموال من امرأة ثرية، أو طمعاً باستعادة الشباب مع فتاة صغيرة، بل سيكون تلاقياً روحياً وفكرياً. وللعلم، زوجتي تتوقع اقدامي على هذه الخطوة في اي وقت، وإن كان عرض مسلسل عائلة الحاج متولي دفعها الى مزيد من الشك والريبة فكثفت جهودها في مراقبة تحركاتي ومكالماتي الهاتفية". وبعيداً عن مسألة التلاقي الروحي الذي يحلم به الاستاذ، يقول عالم الدين الشيخ محمد عبده خطاب: "الدين الاسلامي يسمح بأن يجمع الرجل أربع زوجات لحكمة. ففي مجتمع تكثر فيه الإناث ويقل الذكور، يحافظ تعدد الزوجات على ابناء الاسلام واستمرارية العفة". ويضيف: "تعدد الزوجات مطلوب في هذا الزمن الذي يموت فيه الشباب في الحروب، وحفاظاً على النساء يجب ان يكنّ في عصمة رجل". لكنه ينبه الى مشكلتين: الشروط التعجيزية التي توضع امام الشباب لإتمام الزيجات، وعدم اشباع الزوجة الأولى حاجة زوجها الى العطف والحنان، وكلتا المشكلتين تؤدي الى تعدد الزوجات. وبينما ينتظر ملايين من المشاهدات المغتاظات والمشاهدين السعداء، مصير الحاج متولي في الأيام القليلة المقبلة، يواصل المسلسل "تفجير" العديد من الأسئلة والقضايا: هل الحاج متولي يتعاطى الفياغرا؟ هل يروّج التلفزيون المصري لتعدد الزوجات؟ متى يتزوج الحاج متولي الرابعة؟ وهل "القديمة تحلى ولو كانت وحلة"؟