أعلنت لجنة التراث العالمية التابعة لليونيسكو مدينة عكا القديمة ومواقعها التاريخية من آثار الحقب العربية وما قبلها من معالم الحضارة العالمية، وبهذا أضيفت عكا القديمة الى قائمة المواقع التي تعتبرها اليونيسكو مواقع خلّدتها الحضارة الانسانية أسوة ببرج بيزا المائل في إيطاليا وتاج محل في الهند والبتراء في الأردن وغيرها. وكانت جمعية تطوير عكا التي تضم شخصيات عربية من المدينة قدّمت التماساً الى جمعية التراث العالمية في اليونيسكو التي بدورها أوكلت المهمة الى طاقم خاص من علماء الآثار تابع للأمم المتحدة قام بالسفر الى فلسطين للتدقيق في الوثائق والخرائط التاريخية عن كثب ورفع التوصيات الى اليونيسكو. والفارق بين عكا القديمة وآثارها وبين المعالم التاريخية العالمية الاخرى هو ان عكا القديمة لا تزال مأهولة بالسكان، فقرب جامع الجزار التاريخي الذي يؤمّه المصلّون ترى الباعة والسياح الأجانب، ولا تزال السفن ترسو منذ مئات السنين قرب كنيسة القديس يوحنا على شاطئ البحر. أما صبية أحياء عكا القديمة فيلعبون في باحة خان العمدان الذي بني في حقبة الفتح الاسلامي لبلاد الشام. وهكذا فالحاضر والماضي يتصافحان في عكا التي أحبها محمود درويش والتي لا يزال بيت عائلة الشهيد غسان كنفاني جزءاً من معالمها تماماً مثل تل الفخار وحمام الباشا وبرج الذباب. ولا تزال آثار الطلقات على مباني السراي الانكليزي ماثلة للعيان. وعلى الشاطئ دور سكنية لأثرياء عكا زمن النكبة ولا من احد يعرف متى يعودون! الاجتهادات تنسب اسم مدينة عكا الى اسم عربي كنعاني يعني الرمل الحار. وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي: "العكة من الحر والفورة الشديدة في القيظ وهو الوقت الذي تركد فيه الريح، والعك هو شدة الحر". وكان الفينيقيون أول من اخترع صناعة الزجاج من الرمل الحار الموجود على شاطئ عكا. واشتهرت عكا على مدار عصور في التاريخ القديم بصناعة الزجاج لأن رمال شاطئها كانت اجود الرمال لهذه الصناعة. وتذكر المراجع التاريخية ان الفينيقيين احتكروا صناعة الزجاج لأنفسهم وأبقوا طريقة صناعته سراً لا تعلم به الشعوب الأخرى الى ان كشفت الطريقة في الحقب المتعاقبة. وورد اسم عكا في كتاب "تاريخ الطبيعة" للمؤرخ الاغريقي بيلينوس المتوفى في العام 101ق.م حيث يذكر ان نهر "وادي النعامين" الذي لا يزال يجري حتى اليوم ليصب في البحر الابيض المتوسط هو نهر مقدس لأن الرمل الصالح لصناعة الزجاج كان يترسب عند مصبه بطريقة فريدة في شكل تراتبي من حيث نوعيته. وكان الفينيقيون أثروا من صناعة الزجاج بإتجارهم به مع شعوب حوض المتوسط. وعثر في الحفريات الحديثة في عكا على آثار تعود الى عهد المملكة المصرية المتوسطة زمن الملك المصري سنوسرت ووجدت فيها آثار فرعونية من عهد الملك تحوتمس. اما في الحقبة العبرانية القديمة فقد اعتبرت اسوار المدينة حدود الدولة وتسمية المدينة بالعبرية "عكو" تعني "حتى هنا". وكانت عكا عاصمة الدولة الصليبية في الحقبة الصليبية الثانية 1291-1191 ثم اصبحت مركزاً مهماً في المشرق العربي في العهد العثماني وظلت الى ان سقطت فلسطين في يد الاستعمار البريطاني الذي اتخدها مركزاً له اسوة بصفد والقدس وذلك لموقعها الجغرافي المميز ومينائها البحري المهم حتى بداية الثورة العربية في فلسطين في العام 1936 ضد الوجود الاجنبي ففقدت المدينة استقرارها من دون ان تفقد اهميتها الاقتصادية وكان سكانها حاربوا دفاعاً عنها الى ان سقطت وهجرت وأفرغت من سكانها الاصليين في النكبة سنة 1948. الأقلية العربية التي لا تزال تقطن في عكا الى اليوم تعاني التمييز. اما العلاقات اليومية فيحكمها مبدأ الهدنة الحذرة التي كانت تحولت الى مواجهات عنيفة في احداث الانتفاضة الاخيرة. بقيت عكا حتى مطلع الثمانينات المركز التجاري والاقتصادي لسكان الجليل الأعلى والجليل الغربي، لكنها فقدت هذا المركز بسبب التطوير السريع الذي حصل في قرى الجليل ومدنه وانتشار المحال التجارية فيها.