سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الصومال بين نار الولايات المتحدة ومزاعم بن لادن وغموض "الاتحاد الاسلامي". الجماعات الاصولية الاسلامية الصومالية خرجت من قلب الحرب الاهلية الحلقة الثالثة
عرضت الحلقتان الاولى والثانية سلسلة من الوثائق حصلت عليها "الحياة" من مقديشو، ويحاول فيها طرف صومالي اساسي في مقديشو الاشارة الى علاقة ما تربط بين حركة "الاتحاد الاسلامي" الصومالية واسامة بن لادن. كما عرضتا باختصار لنشوء الحركة الاسلامية الاصولية في الصومال، خصوصاً حركة "الاتحاد الاسلامي" التي تعتقد الولاياتالمتحدة بأنها تدور في فلك شبكة بن لادن الذي تتهمه واشنطن بانه وراء تفجيرات 11 ايلول سبتمبر الماضي. وركزت الوثائق على "الاتحاد الاسلامي" مشيرة الى اهدافه وسعىه الى اقامة دولة اسلامية في القرن الفريقي. كما حددت مواقعه وقواعده العسكرية في الصومال، واشارت الى الاماكن المحتمل ان يلجأ اليها زعيم "القاعدة" في حال فراره من افغانستان. وحاولت ايضاً تثبيت وجود علاقة قوية بين "الاتحاد الاسلامي" والحكومة الانتقالية الحالية التي يرأسها عبدي قاسم صلاد حسن. الحلقات التالية بدءاً من اليوم تحاول التحقق من العلاقة بين الحركة الاسلامية وصلاد حسن التي اشارت اليها الوثائق في الحلقتين الماضيتين، وترصد ظهور حركة "الاتحاد الاسلامي" في الصومال ودورها في الحرب الاهلية وعلاقتها بالحركة التي تحمل الاسم نفسه في اقليم اوغادين الاثيوبي. وترصد ايضاً بقية الحركات والتجمعات الاسلامية الاخرى في الصومال. ولا بد هنا من العودة اولاً الى بداية الحرب الاهلية التي خرجت من بطنها كل هذه الحركات، الى جانب نزول القوات الاميركية في العاصمة مقديشو. وهنا الحلقة الثالثة عن تلك الفترة: الاميركيون يدخلون مقديشو .. والاسلاميون ينسحبون جنوباً وشمالاً كان الصومال يحتضر. كان يقتل نفسه منذ ما يزيد على سنتين. بل كان يعاني تدميراً ذاتياً من الداخل منذ فترة طويلة، إذ كان نظام الحكم الذي نخره الفساد وفقد السيطرة، انهار وتفتت بعدما وصلت الانتفاضة الشعبية التي انطلقت من الشمال في 1988 الى العاصمة مقديشو. واُرغم الرئيس محمد سياد بري الذي كان تسلم السلطة بانقلاب عسكري العام 1969، على الفرار من البلاد في كانون الثاني يناير 1991. وفي غضون اسابيع تلاشت فورة الحماسة التي اعقبت إطاحة "الديكتاتور البغيض"، لتدشن مرحلة من الفوضى الكاملة تنافست خلالها 15 قبيلة، تحت غطاء تنظيمات سياسية وفصائل عسكرية في السيطرة على الحكم بعد سياد بري. لكن اياً منها لم تنجح سوى في تدمير ما بقي في البلد من مؤسسات وبنى تحتية. وتعرض كل شيء ذي قيمة للنهب والتخريب. وكان انعدام الكهرباء ومصادر المياه وحلول الجفاف وندرة المواد الغذائية عوامل تضافرت لتدفع الشعب الى حافة الموت. وبحلول الاول من كانون الثاني 1992، اعلنت الاممالمتحدة ان حصيلة الموتى بلغت 350 الف شخص، فيما كانت جهود الاغاثة الدولية تحبطها اعمال العنف والصراع القبلي وانتشار قطاع الطرق. وانزلت قوة صغيرة من قوات الاممالمتحدة تضم 500 عسكري باكستاني في مطار مقديشو الدولي، لكنها كانت عاجزة عن التأثير في الوضع. وفي مواجهة هذه الكارثة الانسانية طلب الرئيس الاميركي آنذاك جورج بوش من جيشه ان يتدخل. قال بوش في خطابه الى الشعب الاميركي في الرابع من كانون الاول ديسمبر 1992: "اعطيت الاوامر للوزير الدفاع تشيني لتحريك قوة اميركية كبيرة الى الصومال ... في الوقت الذي اتحدث فيه توجد قوة برمائية متأهبة من جنود البحرية قبالة شاطىء مقديشو". واضاف ان قوات اخرى ستلتحق بها وستشارك في دعم "عملية إعادة الامل". وزاد: "ستنفذ هذه القوات المهمة بشجاعة ورأفة، وستنجح. ان شعب الصومال، خصوصاً الاطفال، يحتاجون الى مساعدتنا، نحن قادرون على تخفيف معاناتهم، يجب ان نمنحهم الامل". هكذا بدأ التدخل العسكري الاميركي في نهاية 1992 في اطار مهمة انسانية ل"إعادة الامل" التي تحولت لاحقاً مقبرة لاكثر من 75 عسكرياً من 23 دولة انضموا الى "العملية"، وكان بين الضحايا حوالى 20 اميركياً. من هي الجهة المسؤولة عن قتل هذا العدد الكبير من العسكريين الذين اتوا ل"إعادة الامل" في بلد مزقته الحرب وحلت بأهله كارثة المجاعة؟ هل هي الفصائل القبلية المتنازعة ام قوات حركة "الاتحاد الاسلامي" الناشئة حديثاً آنذاك؟ وهل كانت هذه الحركة تتعاون فعلاً مع شبكة تنظيم "القاعدة" الذي اعترف زعيمه اسامة بن لادن بقتل الاميركيين فقط؟ تفاصيل احداث تلك الفترة ربما أجابت عن كل هذه الاسئلة. فالاميركيون لم ينزلوا على شاطئ مقديشو فجر التاسع من كانون الاول 1992 من دون موافقة الحد الادنى للفصائل القبلية المتحاربة في العاصمة، وهو ما حققه المبعوث الخاص للرئيس الاميركي الى الصومال السفير روبرت ب. اوكلي قبل ايام من الانزال الاميركي البرمائي. وكان اوكلي، وهو سفير سابق لدى الصومال في مطلع الثمانينات، مهد الطريق ديبلوماسياً لوصول القوات الاميركية الى مقديشو، كما فعل ذلك لاحقاً في كل المدن الاخرى التي نزلوا فيها خلال الشهر الاخير من 1992. وشكلت هذه المدن مراكز للمناطق التي اطلق عليها "قطاعات الاغاثة الانسانية". واقيمت تسعة من هذه القطاعات في وسط الصومالوجنوبه هي : مقديشو وبالي دوغلي وبيداوه واودر وبلدوين وغيالالاسي وبارديرا وكيسمايو ومركا. وسرعان ما اصبحت عملية السيطرة على كل من "قطاعات الاغاثة الانسانية" تأخذ نمطاً مألوفاً: اولاً تبدأ وحدة "العمليات السيكولوجية" النفسية التابعة للجيش بالقاء منشورات تحذر من ان "القوات الموحدة الخاصة للتدخل السريع" يونيتاف ستصل قريباً وتطلب من السكان المحليين ان يتعاونوا والا يقاوموا. بعد ذلك يتحرك اوكلي في زيارة شخصية للزعيم المحلي وشيوخ المدينة او البلدة كي يلتمس منهم استقبال قوات "يونيتاف" سلمياً لتسلم مواد الاغاثة. ونجحت مساعي اوكلي الديبلوماسية، في 21 كانون الاول 1992 في التوصل الى اتفاق بين زعيمي الجناحين المتنافسين في "المؤتمر الصومالي الموحد" الرجل القوي الجنرال محمد فارح عيديد وخصمه "الرئيس الموقت" للصومال آنذاك، رجل الاعمال علي مهدي محمد. ونص الاتفاق على انهاء الخلافات بين جناحيهما، وتسليم اسلحتهما الثقيلة التي احتجزت في اماكن محددة داخل العاصمة تحت اشراف "يونيتاف". كما سمح الاتفاق بتدمير اي من العربات المسلحة التابعة للميليشيات في شوارع مقديشو والتعامل مع الميليشياويين كقطاع طرق. وكان كل من عيديد وعلي مهدي رحب قبل ذلك الاتفاق بدخول القوات الاميركية وبالتعاون معها. وكانا يسيطران سيطرة كاملة على شطري مقديشو الجنوبي عيديد والشمالي علي مهدي. وفي ظل هذا الاتفاق على التعاون مع الاميركيين، والسيطرة التامة لعيديد وعلي مهدي على مقديشو، لم يجد "الاتحاد الاسلامي" منفذاً كافياً يسمح له بقتال الاميركيين، خصوصاً في العاصمة. "الاتحاد الاسلامي" وكان اسم "الاتحاد الاسلامي" ورد للمرة الاولى في الاول من كانون الثاني 1993 في تصريحين منفصلين الى "الحياة". ادلى بالتصريح الاول الناطق باسم "المارينز" في مقديشو الكولونيل فريد بيك، قال: "ان مجموعة من مشاة البحرية الاميركية دخلت في 31 كانون الاول 1992 احد معاقل الاتحاد الاسلامي الصومالي في مدينة مركا على مسافة 90 كيلومتراً جنوب مقديشو". وفي التصريح الثاني اكد المسؤول عن العلاقات الخارجية في اوروبا والولاياتالمتحدة في "الاتحاد الاسلامي" محمد عثمان ما ذكره الكولونيل بيك قال: "ان قواتنا انسحبت من مركا حتى نتجنب مواجهة شاملة مع الاميركيين. وهذا لا يعني اننا خضعنا لاي جهة، لكننا لا نريد الآن اي مواجهة عسكرية، ولم نسلم اسلحتنا". وكانت ميليشيات الجماعات الاسلامية الصومالية حريصة في ذلك الوقت على عدم التورط مباشرة في القتال، خصوصاً ضد القوات الاميركية. واكد عدد من قادة هذه الجماعات ل "الحياة" في مناسبات عدة وقتذاك "ان الميليشات الاسلامية لن تخوض معركة غير متكافئة ضد القوات الاميركية، وستترك ميليشيات الفصائل القبلية لتقوم بهذه المهمة حالياً". وانسحبت الميليشيات الاسلامية من المدن الرئيسية التي دخلتها القوات الاميركية منذ التاسع من كانون الاول 1992 في اطار عملية "اعادة الامل"، وقبل دخول القوات الدولية الاخرى الى الصومال لاحقاً في اطار "العملية الثانية للامم المتحدة في الصومال" المعروفة باسم "يونوصوم - 2" في ايار مايو 1993. وخلال تلك الفترة، كانت الجماعات الاسلامية تشتري اسلحة جديدة وتعبئ قواتها وتستقطب انصاراً جدداً بعيداً عن العاصمة. إذ كانت اسعار الاسلحة المعروضة في سوق بكارة الشهير وسط مقديشو، انخفضت انخفاضاً سريعاً منذ دخول القوات الاميركية. وكان المسلحون يبيعون اسلحتهم مخافة ان تصادرها قوات "يونيتاف". وقال تجار اسلحة في سوق بكارة ل"الحياة" العام 1992، ان المشترين بمعظمهم يأتون من خارج مقديشو وكان يصحبهم اشخاص من ابناء العاصمة ينتمون الى الجماعات الاسلامية المعروفة في المدينة. وانشأت الميليشيات الاسلامية، خصوصاً حركة "الاتحاد الاسلامي"، معسكرات خارج العاصمة حيث اقامت نظاماً اجتماعياً تعاونياً اعتبرته نموذجاً للمجتمع الاسلامي الذي تطمح اليه، خصوصاً في مدن وبلدات مثل لوق والواق ودلو وبلدحوا في اقليم غدو القريب من الحدود الاثيوبية جنوب البلاد وفي بوصاصو شمال شرقي الصومال. وكانت تحاول التوسع باستمرار ونشر معسكراتها في اكبر عدد ممكن من المدن، خصوصاً المطلة منها على المحيط الهندي او خليج عدن. وفي هذا الاطار، كان المسؤول عن العلاقات الخارجية في اوروبا والولاياتالمتحدة في "الاتحاد الاسلامي" محمد عثمان اكد ل "الحياة" في نيسان ابريل 1993، ان قواته انسحبت من مدينة لاس قري ومينائها شمال شرقي الصومال بعد احتلالهما منذ تموز يوليو 1992، وذلك بعد اتفاق مع اعيان المدينة الذين رفضوا نشاط "الاتحاد" في منطقتهم. وقال عضو المجلس الاداري المسؤول الاعلامي في "وكالة الاغاثة والتنمية" الصومالية عمر الحاج علي ل "الحياة" ان اهالي لاس قري كانوا غادروها كعادتهم في تموز تجنباً للحرارة المرتفعة، وعندما عادوا اليها وجدوا قوات "الاتحاد" تحتلها. وجرت مفاوضات بين اعيان المدينة و"الاتحاد" الذي وعد باخلاء المنطقة، لكنه لم يفعل، مما دفع الاهالي الى تنظيم ميليشيا مسلحة بقيادة الجنرال عبدالله جامع الملقب ب "الكو" حاصرت المدينة لفترة شهرين، واضطرت قوات "الاتحاد" بعد ذلك الى الانسحاب. وفي تلك الفترة 1992-1993 كانت افغانستان ضاقت بعدد كبير من عناصر "الافغان العرب" ومقاتلي شبكة "القاعدة" الذين انتهت مهمتهم هناك بعد انسحاب القوات السوفياتية العام 1989 من ذلك البلد، خصوصاً مع تصاعد حدة القتال بين الفصائل الافغانية. وفي حين لم يستطع عدد من هؤلاء "الافغان العرب" العودة الى بلدانهم خشية اعتقالهم، توزع عدد منهم في عدد من دول آسيا الوسطى القريبة. كما انتشر عدد آخر في دول افريقية، خصوصاً السودان وكينيا وتنزانيا، وتوجه آخرون الى الصومال حيث استضافتهم حركتا "الاتحاد الاسلامي" الصومالية والاوغادينية في معسكرات خارج مقديشو. وكان تنظيم "طلائع الفتح" المنشق عن جماعة "الجهاد" المصرية التي يقودها ايمن الظواهري، كشف في احدى نشراته التي تحمل اسم التنظيم نفسه، ان عناصر من "الافغان العرب" توجهوا الى الصومال، وذلك في سياق انتقاده حركة "طالبان" الافغانية. وهاجمت النشرة التي وصلت الى "الحياة" في القاهرة مطلع حزيران يونيو 1997، حركة "طالبان" بشدة، ووصفتها بأنها "تجمع فيها الصالح والطالح"، كما انتقدت زعماء الاحزاب الافغانية بشدة. واعتبرت ان "حب الرئاسة والهوى والبعد عن روح الاسلام قد تملكتهم". ووصفت النشرة، "الافغان العرب" بأنهم "الايتام على مأدبة اللئام". وكشفت "ان اعدادا منهم فروا عقب انتهاء الحرب الافغانية الى الصومال وطاجكستان ودول اخرى، وانتقدت من بقوا مع "طالبان" وتعاملوا معهم. وواصلت الجماعات الاسلامية الصومالية وضيوفها من "الافغان العرب" تعزيز قواتهم خارج مقديشو، خصوصاً قرب الحدود الاثيوبية حتى نهاية العام 1993. ففي تشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام، بدأت قواتهم تزحف تدريجاً في اتجاه مقديشو حيث كان بدأ التوتر يلوح في الافق بين قوات زعيم "المؤتمر الصومالي الموحد" محمد فارح عيديد وقوات "عملية الاممالمتحدة الثانية في الصومال" يونوصوم -2 بعدما تسلمت مهمات "عملية اعادة الامل" من القوات الاميركية.