حياة الكاتبة والمناضلة الفلسطينية ريموندا الطويل حافلة بالصراعات السياسية. وهي تزور الآن باريس، حيث أثار صدور كتابها "فلسطين، قصتي" عن دار النشر الفرنسية المرموقة "اديسيون دو سوي"، عاصفة من الاحتجاج من أصدقاء اسرائيل في فرنسا. وخاضت الكاتبة الفلسطينية على شاشة التلفزيون مواجهة ساخنة ضد هنري هاغنبورغ، رئيس "مجلس تمثيل المؤسسات اليهودية في فرنسا"، الذي تحدى اصرارها على "حق العودة" للفلسطينيين. الاهتمام الواسع لدى الرأي العام الفرنسي بالصراع العربي - الاسرائيلي يعني ان كثيرين يعرفون أن ريموندا هي حماة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، زوج ابنتها سهى. "الحياة" التقتها في باريس في مقابلة استغرقت ساعتين، أكدت خلالها ان عرفات "الزعيم الذي لا غنى عنه" للحركة الفلسطينية الذي يخوض الآن المعركة الحاسمة في حياته السياسية. وهي ترفض بشدة مواقف شخصيات فلسطينية، مثل البروفسور ادوارد سعيد، تعتبر أن المرض وتقدم السن أضعفا الزعيم الفلسطيني الى حد كبير. قالت "لا علاقة للسياسة بالسن"، وأن عرفات "أدخل دماً جديداً الى فتح، وحركته الآن تقود الانتفاضة، ووحد العالمين العربي والاسلامي خلف الفلسطينيين. الأمور لن تعود الى ما كانت عليه". وهي ترى ان على الاسرائيليين الاعتراف بهذه الحقيقة، وأن الخوف يعميهم عنها. كانت ريموندا الطويل أواخر الستينات من أوائل الشخصيات الفلسطينية الداعية الى الاعتراف المتبادل والتعايش بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وحاورت دعاة سلام اسرائيليين مثل يوري افنيري، وقالت: "عرضت السلام على أعدائي". لكن موقفها أثار الانتقاد والتهديد من متشددي الطرفين. ونجت مصادفة من الموت عام 1983 عندما فجّر مجهولون سيارتها في رام الله ترجح ان المحاولة نفذها "موساد" أو "شين بيت"، كما وصلت اليها في باريس تهديدات بالقتل من مجموعة "أبو نضال". وكان مستشار النمسا أعطاها جائزة السلام، وحذرها من أن "أبو نضال" سيحاول اغتيالها. موقفها اليوم لا يزال تأكيد ضرورة عمل الفلسطينيين والاسرائيليين معاً لتجنب كارثة تشمل الجميع. لكنها تشعر بخيبة أمل شديدة من أن قادة اسرائيل، كما يبدو، لم يتعلموا شيئاً من الأحداث العاصفة التي شهدها العقد الأخير. فهم يواصلون محاولة قمع التطلعات الوطنية الفلسطينية بقوة السلاح، وفرض شروط لا يمكن الفلسطينيين قبولها، ولم يدركوا بعد أن لا ضمان لأمن للطرفين إلا بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، جنباً الى جنب مع اسرائيل. وتشعر الكاتبة الفلسطينية بخيبة أمل خاصة وعميقة من رئيس الوزراء ايهود باراك، وتقول انه أضاع فرصة تاريخية ليكون صانع السلام في الشرق الأوسط... وبخيبة أيضاً من الرئيس بيل كلينتون، الذي ضمن فشل المفاوضات العربية - الاسرائيلية خلال السنين السبع الأخيرة، عن طريق حشد شخصيات صهيونية في "فريق السلام" الأميركي. وهي تأمل، مثل كثيرين من العرب، بأن يعيد الرئيس الجديد جورج بوش اطلاق عملية مدريد للسلام على أساس قراري مجلس الأمن الرقمين 242 و338. ترى ريموندا الطويل أن العائق الأكبر أمام عملية السلام هو رفض اسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة، كما يكرسه القرار 194، وتؤكد ان ليس هناك فلسطيني ولا ياسر عرفات حتماً يقبل بالتخلي عن هذا الحق. وفي كتابها الجديد مقاطع مؤثرة عن مأساة اللجوء: "أفضل العيش في المناطق المحتلة على رغم الاحتلال الاسرائيلي، والتعذيب والسجن والملاحقة والمشاكل الاقتصادية". وتقول ان على اسرائيل أن تعترف بمسؤوليتها عن خلق مشكلة اللاجئين وتوافق على حق العودة، بمعنى تخيير الفلسطينيين بين العودة الى مساكنهم الأصلية أو التعويض. وترى ان هذه القضية تعكس حاجة نفسية عميقة لدى الفلسطينيين، تتعلق بهويتهم. لكنها تعتبر في الوقت ذاته ان تطبيق حق العودة لا يهدد وجود اسرائيل، وهو ما يخشاه كثيرون من الاسرائيليين. فهي تعتقد ان غالبية الفلسطينيين لن تختار الحياة في دولة يهودية، فيما يمكن تقسيط العودة للراغبين فيها على مدى سنوات. المشكلة الأكبر، كما ترى، هي مشكلة اللاجئين في لبنان، ويمكن حلها عن طريق اسكانهم في الجليل، حيث تخلو مناطق كثيرة من السكان. ومن الضروري تفكيك المخيمات وتوفير حياة جديدة لسكانها، لأن اسرائيل، ما لم تقدم حلاً عادلاً لقضية اللاجئين، لن تتخلص أبداً من خطر الارهاب. كتاب "فلسطين، قصتي" شهادة شخصية لإمرأة شجاعة، لعبت دوراً بارزاً في الكفاح الفلسطيني. وربما كانت ذروة سيرتها احتجازها 45 يوماً لدى الاسرائيليين في سجن "المسكوبية" المخيف في 1978، حيث اخضعت مرات لجلسات استجواب مدة كل منها 15 ساعة، وتعرضت مرة على الأقل للضرب الوحشي. لكن ذلك لم يثنها عن سعيها طوال حياتها - من خلال مؤسسة "الخدمات الصحافية الفلسطينية" التي تديرها، والخطب والحوار مع اسرائيليين من كل الاتجاهات السياسية - الى اقناع الاسرائيليين والفلسطينيين بأن التعايش السلمي ممكن. وإذا كانت لا تزال تتمسك بهذا الأمل فهي أقل ثقة اليوم. ذلك أن الوضع الحالي، المتمثل بوحشية الاسرائيليين والعدد الكبير من القتلى والجرحى، خلّف تركة من الأحقاد لن يمكن نسيانها أو غفرانها بسهولة. وإذا كان هناك ما تشكو منه الكاتبة ريموندا الطويل، التي كرست أكثر حياتها للقضية الفلسطينية، فهو ندرة اجتماعها بأولادها الخمسة. ذلك ان ابنتها ديانا متزوجة من الديبلوماسي والمثقف الفلسطيني ابراهيم الصوص الذي يعمل الآن في منظمة العمل العالمية في بيروت، فيما تمارس ابنتها الأخرى ليلى طب الأطفال في روما. الابنة الثالثة هالة، متزوجة من لبناني وتسكن في بوسطن حيث تعد لشهادة الدكتوراه وتعمل لجمع المال لجامعة للشرق الأوسط. وولدها غابي رجل اعمال في واشنطن. ما يؤلمها في شكل خاص ان تقارير الاثارة الحافلة بالتشويه في صحف اسرائيل، والتي تنقلها الصحافة العربية، أضرت علاقتها بابنتها سهى، زوجة الرئيس ياسر عرفات. وتقول: "انهم يحاولون النيل من عرفات من خلال الهجوم عليّ". * كاتب بريطاني.