اليوم يغادر الرئيس الأميركي بيل كلينتون البيت الأبيض، ويتسلم مهمات الرئاسة الجديدة جورج دبليو بوش. واليوم تغادر وزارة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، ويتسلم المنصب وزير الخارجية الجديد الجنرال المتقاعد كولن باول. لا نعرف حتى الآن ماذا ستكون عليه سياسة بوش وسياسة باول تجاه الشرق الأوسط، وتجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، وتجاه القضية الفلسطينية، ولكننا نعرف بدقة ماذا كانت عليه سياسة كلينتون وسياسة أولبرايت، وهي سياسة مخزية وسيئة السمعة، تميزت بسعي من كلينتون للابتعاد عن قرارات الشرعية الدولية في صياغة مبادرته لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. كما تميزت بسعي أولبرايت لإلغاء قرارات الأممالمتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وسجلت إدارة كلينتون بذلك أنها الإدارة الأميركية الأولى التي تعمل علناً ورسمياً ضد قرارات الشرعية الدولية. وهكذا وجدنا كلينتون يقول علناً: لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلا إلى الدولة الفلسطينية، معفياً إسرائيل من جريمتها ومن تحمل تبعات تلك الجريمة، مع أن الولاياتالمتحدة هي التي كانت تتولى سنوياً تقديم طلب تجديد الاعتراف بالقرار الرقم 194 قرار حق العودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم تتوقف عن ذلك إلا في العام 1994. وقبل يوم واحد من انتهاء ولاية كلينتون، قال دنيس روس، الذي أشرف على بلورة الحل الصهيوني للموضوع الفلسطيني، في مقابلة تلفزيونية، إن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلا إلى الدولة الفلسطينية، مؤكداً بذلك نهج رئيسه. على ضوء هذه السياسة الأميركية المعلنة ستكون العيون العربية مفتوحة لتراقب موقف الإدارة الجديدة من قرارات الشرعية الدولية، هل ستتنكر لها كما فعل كلينتون، أم ستحاول البناء عليها؟ نقول ذلك لأننا نعرف أن الولاياتالمتحدة لن تغير موقفها الداعم لإسرائيل، ولن ترسم سياستها إلا انطلاقاً من المصالح الأميركية، وما سيراقبه العرب هو كيفية تطبيق هذه المصالح على الأرض. فقد أرتأت إدارة كلينتون أن ما تريده إسرائيل يعبر عن المصلحة الأميركية، وهناك الرأي الآخر الذي يرى أن ما تريده المصلحة الأميركية هو ما يجب أن تلتزمه إسرائيل، ولن تكون صياغة هذا الرأي ممكنة إلا بالانطلاق من قرارات الشرعية الدولية والعمل من أجل تنفيذها، وهذا هو التحدي الكبير الذي تواجهه إدارة بوش الجديدة في علاقاتها مع العرب. وتستدعي هذه المراقبة للموقف الأميركي، تحركاً عربياً فاعلاً وضاغطاً، يلعب فيه الفلسطينيون دور المحرك، عبر موقفهم النضالي أولاً، وعبر تفاوض يرفض مواصلة لعبة التفاصيل مع إسرائيل كما يحدث الآن، ويلعب فيه العرب دور المبلّغ للولايات المتحدة أن الاستمرار في تجاهل المطالب العربية في الحل، أمر لم يعد مقبولاً، ولم يعد محتملاً، وأنه إذا استمر ذلك فإن مصالح أميركا في المنطقة ستتأثر. هنا يجب أن يعرف الأميركيون قبل غيرهم، ان الاستمرار في القول بأن عودة اللاجئين إلى وطنهم أمر غير ممكن، لا يعني بالضرورة التسليم بفكرة التوطين، إنما يعني ضرورة فتح ملف قرار تقسيم فلسطين القرار 181، وهو قرار أساسي من قرارات الشرعية الدولية، ذلك أن قسماً أساسياً من اللاجئين الفلسطينيين تم تهجيرهم من المدن والقرى التي اغتصبها الإسرائيليون خلافاً لقرار التقسيم.