تهدف زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأذربيجان الى إزالة "جبال الجليد" التي أعاقت العلاقات بين موسكو وباكو وتعزيز مواقع الكرملين في جنوب القوقاز وحوض بحر قزوين، إضافة الى السعي لمنع قيام معادلات جيوسياسية جديدة في المنطقة. سلكت أذربيجان منذ استقلالها عام 1991، طريق الابتعاد التدريجي عن روسيا. وأقامت علاقات وثيقة مع تركيا، ومن خلالها، مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً. وأبعدت موسكو عن صفقات نفطية مهمة. وانضمت اذربيجان الى ائتلاف "غودام" الذي ضم أيضاً اوكرانياوجورجيا وأوزبكستان ومولدوفا وهي الدول الأكثر صلة بالولايات المتحدة والتي رفضت الانتماء الى معاهدة الأمن الجماعي المعقودة في إطار الكومنولث. واتسعت شقة الخلاف بين باكو وموسكو بسبب العلاقات الوثيقة بين روسيا وأرمينيا وتزويد الأخيرة كميات من السلاح واحتفاظها بقواعد عسكرية روسية في أراضيها، ما أثار غضب أذربيجان التي اعتبرت هذا الموقف انحيازاً للأرمن الذين تتهمهم باحتلال 20 في المئة من الأراضي الأذربيجانية في إطار الحرب الرامية الى تكريس انسلاخ اقليم قره باخ عن اذربيجان. ومع تراكم هذه المشكلات وظهور ملفات مماثلة في العلاقات بين موسكووجورجيا، نشأ خطر فعلي على الخاصرة القوقازية الجنوبية. وأدرك الكرملين ضرورة تدارك الوضع فعمل من جهة، على التلويح بالعصا للطرف الأضعف جورجيا وبدأ في الوقت ذاته يظهر الجزرة للأذربيجانيين الذين عزز النفط مواقعهم الدولية. وفي ضوء ذلك، تكتسب زيارة بوتين اهمية استثنائية، خصوصاً وأن الرئيس الروسي اصطحب معه وزيري الدفاع والخارجية وسكرتير مجلس الأمن القومي ونائب رئيس الوزراء وعدداً من كبار المسؤولين الآخرين. ووقع الرئيسان فلاديمير بوتين وحيدر علييف "ميثاق باكو" الذي حدد التعاون الاستراتيجي بين البلدين للسنوات العشر المقبلة. كما أبرمت اتفاقية في شأن الوضع القانوني لبحر قزوين ووقعت عقوداً حصلت بموجبها شركة "لوك اويل" الروسية التي يترأسها المواطن الأذربيجاني الأصل علي أكبروف، على حق تطوير وتوسيع اثنين من حقول النفط في أذربيجان. وواجه الجانبان صعوبات في التوصل الى اتفاق نهائي في شأن محطة "غابالا" للرادارات والتي كانت أقيمت في العهد السوفياتي لرصد إطلاق الصواريخ العابرة للقارات، وتستخدم روسيا المحطة على سبيل الاستعارة إلا أن الأذربيجانيين طالبوا بزيادة بدل الإيجار من 5.1 الى 5 ملايين دولار، وتقديم ضمانات بيئية. ولكن المراقبين يعتقدون أن باكوا تستخدم هذه الذرائع كورقة للضغط على موسكو وحملها على وقف دعمها الواسع للأرمن. ومن جانبها ترغب روسيا في أن يعمد الأذربيجانيون الى تعزيز حدودهم الشمالية لمنع تسرب الأسلحة وتسلل الأفراد من وإلى الشيشان. ويسعى الروس الى إقناع الأذربيجانيين بالتخلي عن مشروع مد خط للأنابيب ينقل النفط من باكو الى ميناء جيهان التركي، ويقترحون بدلاً من ذلك توجيه الأنبوب الى ميناء نوفوروسيسك الروسي باعتبار هذا الخط أجدى اقتصادياً. إلا أن الرئيس حيدر علييف كان راهن على هذا الخط باعتباره شرياناً يربطه بتركيا والغرب ويؤمن لبلاده حماية دولية واسعة ويقلص من ضغوط اللوبي الأرمني على الإدارة الأميركية. ولا شك في أن الرئيس الروسي سوف يستثمر زيارته لمقابلة المرشحين لخلافة علييف الذي يسمى "الجد" ويعد القائد المخضرم بين رؤساء الكومنولث. فهو كان قاد اذربيجان في الستينات وصار نائباً أول لرئيس الوزراء في الاتحاد السوفياتي السابق وعضواً في المكتب السياسي قبل أن يعزله الرئيس السابق ميخائيل غورباتشوف. والأرجح ان اسم الرئيس المقبل سيكون "علييف" ذلك أن مؤشرات كثيرة تدل على أن واحداً من ولديه، إلهام وناطق، سيكون الأوفر حظاً في اي معركة رئاسية مقبلة.