توسع حلف الأطلسي في شرق أوروبا غدا أمراً واقعاً وسيكتمل بانضمام دول البلطيق الى الحلف على خلفية معارضة شكلية من موسكو. إلا أن اعلان اذربيجان أخيراً انها ستطلب اقامة قاعدة أطلسية أو تركية في أراضيها يعني عملياً امتداد الحلف نحو بحر قزوين وبالتالي إعادة رسم الخارطة الاستراتيجية والتوازنات السياسية والاقتصادية في المناطق المحيطة بالبحر من القوقاز الى الشرق الأوسط، كما سيؤثر في وضع ترتيب جديد لما يوصف ب "الفضاء السوفياتي" الذي كانت روسيا، حتى الآونة الأخيرة، تعتبره جزءاً من مناطق نفوذها. وبدأت باكو عملية جس النبض وقياس ردود الأفعال حينما كان الرئيس حيدر علييف يقيم في ضيافة نظيره التركي سليمان ديميريل بحجة المعالجة من مرض في القلب، رغم ان المراقبين لاحظوا كثافة اللقاءات والمفاوضات التي أجريت بعيداً عن الأضواء والتي ذكر انها تناولت محورين مترابطين: التحالف العسكري ومسارات أنابيب النفط. ووضع وزير الدفاع الاذربيجاني صفر ابييف النقاط على الحروف بتأكيده احتمال ان تطلب باكو اقامة قاعدة عسكرية أميركية أو تركية أو أطلسية في أراضيها. وبديهي ان مثل هذه التصريحات قد تكون ورقة للضغط على ارمينيا التي تحتل زهاء 17 في المئة من الأراضي الاذربيجانية، وعلى روسيا التي بدأت أخيراً تزويد الأرمن كميات كبيرة من الأسلحة الحديثة في محاولة لتليين الموقف الاذربيجاني المتجه غرباً بسرعة تخيف موسكو. فالقرائن تشير الى أن الرئيس علييف يطمح ايضاً الى دور أساسي في القوقاز والى المساهمة في إعادة ترتيب الأجزاء المتشظية من الاتحاد السوفياتي. فهو في البداية مانع في الانضمام الى أسرة الدول المستقلة، ويبدو الآن ميالاً الى الانسحاب من معاهدة الأمن الجماعي التي اعلنت اوزبكستان انها لن تمدد عضويتها فيها. أي ان روسيا التي بدأت تفقد مواقعها في آسيا الوسطى مهددة بخطر أكبر على المحور الجنوبي في حال انضمام اذربيجان الى الشبكة العسكرية الأطلسية. وموافقة باكو على اقامة قاعدة تركية أو أطلسية ستكون لها مضاعفات اقليمية ودولية تشمل بالدرجة الأولى ايران التي ستفقد أي أمل في تحييد اذربيجان التي تقطنها غالبية شيعية، الا ان قيادتها تجاهلت العنصر الطائفي لصالح القرابة القومية مع الأتراك والتقارب السياسي - الاقتصادي مع انقرة. وظهور قاعدة أطلسية على بحر قزوين سيكون امتداداً منطقياً للمحور الاسرائيلي - التركي، وهذا ما يفسر الاهتمام الاسرائيلي بمغازلة باكو وتعزيز الأواصر معها. والى جانب العوامل السياسية والاستراتيجية فإن الوجود الأطلسي، وبالتالي الأميركي، في منطقة بحر قزوين يكتسب أهمية استثنائية على صعيد السيطرة على منابع النفط وخطوط الأنابيب، وفي هذا السياق فإن تنفيذ مشروع باكو - جيهان المكلف مالياً بالقياس الى المسارات الأخرى، سيقتضي ايجاد حل عسكري أو سياسي لمشكلة الأكراد لئلا يكونوا مصدر خطر على الأنابيب، وفي الوقت ذاته سيتطلب ذلك ادامة الصراع في القوقاز، خصوصاً في الشيشان لإسقاط أي احتمال لنقل النفط من قزوين الى ميناء نوفوروسيسك الروسي عبر القوقاز. أي ان الاستقالات من الفضاء السوفياتي ستغدو جزءاً مهماً في سيناريوهات تحويل روسيا من قوة عظمى الى دولة محجمة حتى على الصعيد الاقليمي، ورسم خارطة جديدة لكل المناطق الواقعة جنوب سلسلة جبال القوقاز