في زيارة بوتين الاخيرة باكو، حيث التقى نظيره الاذربيجاني إلهام علييف، تناولت المحادثاات سبل إدارة النزاع في إقليم ناغورنو-قره باخ، والنظام القانوني في البحر الاسود، والتعاون في قطاع الطاقة. وأُبرم اتفاق تعاون بين وكالة النفط الحكومية الأذريّة و «روسنفط» الروسيّة، واتفق الرئيسان على بناء جسر للسيارات على نهر السامور الفاصل بين حدودي البلدين. وجاءت زيارة بوتين لباكو على خلاف الأجواء الباردة بين البلدين. ففي 2012، فشلا في الاتفاق على تمديد إيجار محطة الرادار «غابالا» في اذربيجان. فامتنعت موسكو عن تجديد العقد وفضلت استكمال بناء محطة رادار على الاراضي الروسية المحاذية للحدود الجنوبية. وقررت الحكومة الروسيّة في أيّار (مايو) 2013 وقف ترانزيت النفط الأذري عبر خط باكو – نوفوروسيسك. وعلى رغم تأكيد الطرفين عدم تسييس الموضوع، اساءت الخطوة إلى علاقاتهما، وأعقبتها حادثة حجز ناقلة النفط الأذرية، «نفتالين»، في داغستان للاشتباه في نقلها سلعاً مهرّبة. وسعى بوتين في هذه الزيارة الى وقف تدهور العلاقات الثنائية. أمّا العلاقات بين روسيا وأرمينيا الشريك الاستراتيجي لموسكو، فقد أصابها بعض الجمود بسبب سعي أرمينيا إلى التعاون مع الاتحاد الاوروبي. والتقارب هذا يزعج روسيا التي تسوق مشروع الاتحاد الجمركي والاتحاد الأوراسي. ولا تخفي أرمينيا رغبتها في توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي، وفي هذا السياق، يمكن اعتبار زيارة بوتين لباكو إنذاراً ليريفان. والحفاظ على توازن العلاقات الروسية مع كل من أرمينيا وأذربيجان، بالغ الأهمية. ولا يصب أي تغيير في ازمة «ناغورنو-قره باخ» في مصلحة موسكو. تجمع حدود مشتركة روسيا وأذربيجان، وتملك موسكو قاعدة عسكرية في أرمينيا. والأخيرة عضو فاعل في منظمة اتفاق تعاون الأمن الجماعي. وليس من مصلحة روسيا أن تتحول أذربيجان جورجيا أخرى، على رغم المشكلات بينهما. وتتجه أذربيجان إلى انتخابات رئاسيّة في تشرين الأول (اكتوبر) 2013، وهي الانتخابات الأولى بعد التعديل الدستوري الذي أزال القيود المفروضة على عدد ولايات المرشح الى الرئاسة. ولم يوجه الغرب سهام النقد الى هذا التغيير، فهو يدرك أهمية أذربيجان في ميزان الاستراتيجيا والطاقة. لا ترغب روسيا في بلوغ ارتدادات «الربيع العربي» المنطقة المحاذية لها. وهي ترى ان علييف هو من أركان الاستقرار والأمن في المنطقة. ومهما بلغت المصالح الروسية – الأذرية، لن تتراجع باكو عن سياساتها الموالية للغرب، ولن تنخرط في المشاريع الاندماجيّة للكرملين. ويمكن إدراج تقرب موسكو الى باكو في خانة الضغط الديبلوماسي على يريفان. فروسيا لن تجازف في تغيير الوضع الراهن وخسارة حليف مهم لها. * محلّل سياسي، عن موقع «راشا بويوند ذي هيدلاينز» الروسي، 16/8/2013، اعداد علي شرف الدين