تخرج الجامعات السورية كل عام آلاف الطلاب من الاختصاصات كافة، قلة قليلة منهم يلتحقون بالعمل وتحضر أقدام الغالبية في البحث عن عمل ولكن من دون جدوى. فيجنح الجامعيون الى صنعة يتعلمونها تكون بنظرهم افضل بكثير من الانتظار سنوات للحصول على وظيفة لا يكفي راتبها لنصف شهر. ويعمل خريجو الجامعات بانتظار حصولهم على عمل يناسب امكاناتهم العلمية بمهن متعددة اكثرها شيوعا العمل كسائق تاكسي، او موظف في فندق، او عامل في احدى ورش البناء. واحيانا يفترش الجامعيون ارصفة العاصمة والمدن الاخرى بالبسطات وعربات بيع العرانيس والفول. اما الجديد اليوم فهو العمل في الشركات التي تقدم خدمات تنظيف البيوت، اذ لم يعد مستغرباً ان تطلب عاملاً لتنظيف منزلك لتحصل على مهندس أو محامي او خريج ادب عربي ليقوم بغسل النوافذ. يقول عماد عبداللطيف: "اعمل في شركة لتنظيف البيوت في انتطار الحصول على عمل يناسب شهادتي الجامعية"، أما صديقه فيقول: "في الفترة الاخيرة تعدت المرأة على الاعمال التقليدية للرجل فلماذا لا نخوض مجالات عملهن نحن ايضاً". ويشير اغلب الشباب الى ان هذه الاعمال ذات مردود مادي مرتفع يعادل في معظم الاحيان ثلاثة اضعاف مرتب الموظف في الدولة الذي لا يزيد راتبه الشهري عن 5 آلاف ليرة سورية في احسن الاحوال. ويقول حسن الاحمد: "يوفر عملي كسائق تكسي 10 آلاف ليرة شهرياً في حين لن يتجاوز راتبي في القطاع العام كمهندس متخرج حديثاً ثلاثة آلاف ليرة". ويرى الشباب انه لا داعي للخجل من القيام بهذه الاعمال فيؤكد عماد أنه "في ظل الانكماش الاقتصادي وكون البطالة اصبحت مشكلة عالمية يجب علينا ان نلتحق باى عمل كان لنوفر مستوى معيشي لائق الى حين الحصول على العمل المناسب لمؤهلاتنا". ويضيف: "هذا افضل من التفكير بالهجرة".ويعزو الخبراء الصعوبات التي يواجهها الشباب السوري في سوق العمل الى "عجز القطاع العام عن استقبال شباب جدد بأعداد كبيرة نتيجة عدم تطوره، اما القطاع الخاص فيعاني هو الاخر من مختلف أنواع التخلف في البنية والتطلعات ويتجه نحو الارباح السريعة التي أثبتت عالمياً عدم جدواها اضافة الى انغلاقه على نفسه محاولاً ابقاء نشاطه ضمن الاسرة الواحدة أو بأقل عدد ممكن من العمال وأدنى مستوى تعليمي والرغبة في استبدال هؤلاء العمال ودورانهم بأقصر زمن". ويذكر ان أكثر من 65 في المئة من منشآت القطاع الخاص السوري يعمل فيها أو يملكها شخص واحد فقط ، كما ان القطاع المشترك حديث العهد ولم يرسخ أقدامه بعد وبالتالي لا يستطيع أن يستوعب فرص عمل كثيرة. وتشير الاحصاءات الى ان حوالى 91 في المئة من البطالة في سورية تتمركز في الفئة العمرية بين 15 و 34 سنة اي ان البطالة في المقام الاول هي مشكلة شباب ويصل عدد العاطلين عن العمل في الفئة العمرية بين 15 و19 سنة الى 161 الف شخص وبين 20 و24 سنة 143 الف متعطل وبين 25 و29 سنة حوالى 24 الفاً ويبلغ اجمالي عدد العاطلين عن العمل بين هذه الفئات العمرية 393 الفاً من اصل حوالي 432 الف عاطل عن العمل في سورية. وتقدر حاجة سورية من فرص العمل سنويا بنحو 200 ألف فرصة، وكلفة الفرصة الواحدة تبلغ نحو20 ألف دولار أي ان سورية بحاجة الى 200بليون ليرة سورية سنوياً لاستيعاب خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة والثانويات الباحثين عن وظائف ولا يستطيع الاقتصاد السوري الذي عانى من الانكماش في السنوات الماضية تلبيتها. ويرى الخبراء ان احد قطاعات الاقتصاد السوري لا يزال قادراً على استيعاب المزيد من العمالة الا وهو قطاع "المعلوماتية". فعلى الرغم من ان سورية متأخرة في استخدام الكومبيوتر حيث لا يزال استخدام الاتمتة محدودا على المستويين الفردي والمؤسساتي الا ان نسبة النمو السنوية في هذا المجال تقارب 67 في المئة. وتشير الاعلانات المنشورة في الصحف والمجلات السورية الى تزايد الطلب على المعلوماتيين حيث تحتل عروض العمل المتعلقة بتقنيات المعلومات مكان الصدارة ولا يكاد ينافسها اي عمل آخر، وغالباً ما تحصر تلك الوظائف بمن لا تزيد اعمارهم عن ثلاثين عاماً. وتوفر المعلوماتية فرص عمل للشباب بصورة مقبولة، اذ يشير احد الخبراء الى ان "الشباب وجدوا في تقنيات المعلومات فرص عمل تحقق رخاءً مادياً نسبياً عادة ما يعجز العاملون الشبان في مجالات اخرى عن تحقيقه الا بعد مضي سنوات طويلة من الخبرة والسمعة اضافة الى كونه منفذاً للترقي في السلم الوظيفي من دون الاصطدام مع طبقات الموظفين والعاملين الاكبر منهم سناً وفق الطقوس التقليدية لصراع الاجيال في امكنة العمل". ويقول حسن الأحمد: "خبرة في الكومبيوتر ولغة انكليزية جيدة تؤهلك للحصول على وظيفة جيدة بمعاش محترم". ويضيف: "مجال العمل في قطاع المعلوماتية واسع وخصوصا في البيع والتصليح والتركيب". ويرى البعض ان "محلات بيع اقراص الكومبيوتر اصبحت عملاً لمن لا يجد عملاً" فمعظم العاملين في هذا المجال لا يمتون اليه بصلة وتقدم هذه المهنة حلاً ريثما يجد الشاب عملا ًاخر، واحيانا تكون هذه المهنة عملاً اضافياً لموظفي الدولة لدعم الراتب فيقول غسان جيرودي "محلات بيع قطع الكمبيوتر اصبحت "موضة" وبعض دكاكين السندويش انقلبت الى محلات لبيع قطع الكمبيوتر والاسطوانات الليزرية". ويذكر ان عدد الشباب في سورية لا يقل عن أربعة ملايين شاب وشابة يشكلون ما نسبته 28 في المئة من عدد السكان البالغ نحو17 مليون نسمة، وتقدر نسبة الفئات العمرية التي يقل عمرها عن 15 سنة ب49 في المئة من مجموع السكان بينما هي عالميا 34 في المئة وفي الدول الصناعية 22 في المئة ، كما تصل نسبة الفئات العمرية للفئات دون ال20 سنة الى 60 في المئة والى 66 في المئة للفئات العمرية دون ال25 سنة . وكانت الحكومة السورية تبنت أخيراً تنفيذ مشروع وزارة التخطيط لحل مشكلة البطالة من خلال "خطة طوارئ"، اذ خصصت 50 بليون ليرة سورية يساهم صندوق توفير البريد ب15بليون منها لحل المشكلة خلال خمس سنوات ويساهم في تأمين فرص عمل مستدامة وتوفير قروض ميسرة للعاطلين عن العمل وتوسيع مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي. وذكر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى ميرو ان "احد مهمات المستقبل هي الاستثمار الامثل للامكانات المادية والبشرية وتقليل الهدر وامتصاص البطالة". واضاف: "ان الحكومة تدرس إحداث تعديلات في قوانين التشغيل بحيث يتم تكريس منع تشغيل من هم دون ال16 سنة، كذلك الاعتماد على حملة الشهادات للعمل في القطاعين العام والخاص".