"العلم يبني بيتاً لا عماد له" و"اطلب العلم من المهد الى اللحد" او "العلم نور والجهل ظلام"، مقولات لم تعد تقنع الكثير من الشباب السوري وصارت مقولة "صنعة في اليد أمان من الفقر" هي السائدة بعدما اصبح الحصول على وظيفة في مكان ما وفق مؤهلاتهم العلمية حلماً من الصعب تحقيقه. ونتيجة اختلال عرض اليد العاملة، ازداد في الآونة الاخيرة عدد العاطلين عن العمل لا سيما في اوساط حاملي الشهادات العليا، حيث يزج في الحياة العملية كل عام 15522 طالباً حسب احصاءات العام الماضي، في حين بلغ عدد المقبولين في الجامعات السورية هذا العام 29.958 طالباً اي بنسبة 45 في المئة من عدد المتقدمين للمفاضلة، وعدد المقبولين في المعاهد المتوسطة 33.9 آلاف طالب، علماً ان عدد المتقدمين للمفاضلة بلغ 66.168 الفاً من اصل 71.061 الفاً حصلوا على الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والادبي. وعلى رغم ان ازمة البطالة عالمية ولا تقتصر على سورية، فإن تأثيرها مضاعف كما يقول فادي خريج كلية الهندسة اختصاص عمارة "اذا كنا الى الآن لم ندخل الكومبيوتر والانترنت ووسائل التكنولوجيا الحديثة ولا نجد عملاً، فكيف سيكون الحال بعد دخولنا عالم العولمة والتكنولوجية العصرية من أوسع أبوابه"؟ ووفقاً لارقام المكتب المركزي للاحصاء لعام 1999 بلغ عدد المعينين في الدولة من حملة الشهادة الثانوية والفنية والمهنية والمعاهد المتوسطة حسب اعداد عام 1997 نحو 288203 خريجين. ومقارنة هذه الارقام بالسنوات السابقة تكشف ان عدد المعينين في الدولة شبه ثابت، بينما بلغ عدد الخرجيين خلال اربع سنوات من 1993 الى 1997 نحو 503513 خريجاً بينهم 303698 من حاملين شهادة ثانوية عامة و 25033 حاملين شهادة الثانوية الصناعية. اما خريجو المعاهد المتوسطة فبلغ عددهم 72614 خريجاًَ. واذا اضفنا الى الارقام السابقة أرقام فرص العمل التي وفرها قانون الاستثمار الرقم 10 للعام 1991 لفئات المجتمع نحو 90 الف فرصة يبقى اكثر من 400 الف خريج خارج سوق العمل يحمل شهادة ثانوية اوصناعية او عامة خارج سوق النشاط الاقتصادي والانتاجي. الغلبة للفتيات ويتحامل كثير من الشباب الذين فقدوا حلمهم في الحصول على وظيفة على المرأة اذ يعتقد البعض ان المشكلة هي في ازدياد اعداد النساء في دوائر الدولة وفي القطاع الخاص، اذ يقول احدهم "لم يتركوا لنا مكاناً أينما ذهبنا نجد زميلاتنا قد تم تعيينهن ويقولون لنا ليس هناك مكان شاغر او اعتماد او مسابقة. حتى في القطاع الخاص يفضلون الجنس اللطيف"، فيما ترى رولا ان "الواسطة اساس كل بلاء ولا يمكن بوجودها فرز الطاقات والامكانات الموجودة لذلك يضيع الصالح مع الطالح وتؤخذ فرص أناس لتمنح لغيرهم، فالعدالة في الدنيا معدومة، والله يعين الذي لا يوجد عنده علاقات واسعة". وتضيف اخرى: "تخرجت منذ ثلاثة اعوام من قسم اللغة العربية ولم استطع الحصول على وظيفة خاصة ولاعامة. في السنة الاولى كرست وقتي لتعلم الكومبيوتر والانكليزية لكن الدورات انفقت ما في الجيب، ولم استفد شيئاً، لذلك اقضي وقتي الآن بعد ان يئست من الحصول على وظيفة في متابعة المحطات الفضائية وزيارة بعض الصديقات الى ان تفرج". وللبطالة انعكاساتها على المجتمع مثل ارتفاع معدلات الجريمة، اذ تشير البيانات الى ان معدل الجريمة ارتفع بنسبة مئة في المئة خلال السنوات الست الاخيرة كما تقول سجلات المحاكم الجزائية، حيث سجلت ستة آلاف حالة سرقة في العام 1996 بينما كانت في العام 1992 نحو 3861 حالة. وارتفعت نسبة المدانين جزائيا لمن هم في سن 18 سنة فما فوق اي عند القادرين عن العمل. اما نسبة جرائم الاحداث فكانت منخفضة خلال العام 1997 ولم تتجاوز عشرة آلاف من اصل مجموع الجرائم. في المقابل ارتفعت جرائم الجنح والجنايات من 38789 حالة عام 1994 الى 41385 حالة عام 1996 . وسجلت فيها جرائم السرقات وجرائم الإخلال بالاخلاق والاداب العامة ارتفاعا الى الضعف تقريباً، بينما كان عدد جرائم السرقات والشروع فيها 2525 حالة في العام 1995 فارتفعت الى 2695 حالة في العام التالي، اي بزيادة 10 في المئة خلال سنة واحدة فقط. وليس هناك في سورية جهة او مكتب لتشغيل الخريجين او العاطلين عن العمل، وادى توقف التشغيل الاجتماعي وازدياد نسبة البطالة الى ارتفاع في نسبة الاعالة من 3.4 في المئة عام 1997، مايعني ان العامل الواحد يعيل ستة اشخاص. هذا بدوره يعني، مع ضعف الاجور والرواتب نحو ستين دولاراً اميركياً وغلاء الاسعار وتزايد سيادة القيم الاستهلاكية، ان المعيل لايملك ما يكفي لاعالة من يعيلهم بسبب زيادة استهلاك الفرد، ما ادى الى انتشار نوع من الفساد في بعض المفاصل الاقتصادية والخدمية وتدني الانتاجية والاداء الوظيفي. وسجلت محاكم الدولة عام 1996نحو 37 حالة رشوة كانت في عام 1992 31 حالة فقط. ويقدر اقتصاديون حاجة السوق المحلية الى 200 الف فرصة عمل سنوياً تكلف كل فرصة 12 الف دولار في العام أي ما مجموعه 3.6 بليون دولار الدولار يساوي خمسين ليرة سنوياً لامتصاص الفائض من اليد العاملة وتشغيل الافواج الجديدة من الوافدين الى سوق العمل. وفيما يؤكد احد المعنيين ان القطاع العام "لم يعد يستطيع نتيجة عدم تطوره استقبال وافدين جدد بأعداد كبيرة وان القطاع الخاص يعاني من مختلف انواع التخلف في البنية والتطلعات ويتجه نحو الارباح السريعة التي أثبتت عالمياً عدم جدواها"، يشير آخر الى ان "القطاع الخاص منغلق على نفسه ويسعى جاهداً الى ان يبقى نشاطه ضمن الأسرة الواحدة او بأقل عدد ممكن من العمال وأدنى مستوي تعليمي والرغبة في استبدال هؤلاء العمال". وتعود ملكية اكثر من 65 في المئة من منشآت القطاع الخاص السوري لشخص واحد فقط، كما ان القطاع المشترك حديث العهد ولم يرسخ اقدامه بعد، وبالتالي لا يستطيع ان يستوعب القوى العاملة الجديدة. وصارت ظاهرة اللامبالاة واليأس سمة من سمات الشباب السوري. ويقول احد خريجي المعاهد الهندسية "لاحاجة لدراستنا، بعد التخرج تجد ان اي عامل لديه خبرة عملية تفوق كل اوهامك النظرية التي لا يحتاجها احد لذلك بدأت اتعلم حرفة تطعمني خبزاً". والشاب مازن درس الاقتصاد انطلاقاً "من انه فرع له مستقبل"، لكنه بعد تخرجه بخمس سنوات لا يزال يحلم ان يعمل في اختصاصه، ويقول بعدما أوصدت الابواب في وجهه وبدأ يلعن الساعة التي درس فيها هذا الفرع: "لو تعلمت حرفة واتقنتها اليست افضل من ضياع خمس سنوات من عمري في الدراسة، الآن اعمل سائق تكسي ودخلي يعادل ثلاثة اضعاف راتبي لو كنت موظفاً في الدولة". وعصام درس علم الاجتماع وبعد ان اقتنع ان الوظيفة لا تطعم خبزاً قرر ان يعمل في فندق. ويقول: "كنت خجلاً في البداية وأخاف ان أصادف احداً من معارفي او اصدقائي، لكني بعدما وجدت شباباً كثيرين خريجي جامعات ويعملون معي، فقدت رغبتي في البحث المتواصل عن وظيفة". وينشط الشباب السوري حالياً في توزيع البضائع، خصوصاً بعد كثرة المشاريع التي اقيمت وفق قانون الاستثمار الرقم عشرة التي خلقت انواعاً لامتناهية من المواد الاستهلاكية. وتؤكد احصائية قامت بها احدى الجهات الرسمية ان اكثر من 69 في المئة من العاملين يمارسون اعمالاً لاتتناسب مع امكانياتهم ومؤهلاتهم العلمية. يشار الى ان عدد الشباب في سورية لا يقل عن اربعة ملايين شاب وشابة يشكلون ما نسبته 28 في المئة من عدد السكان البالغ اكثر من 17 مليون نسمة، بينما تتراوح النسب في الدول الصناعية بين 45 و55 في المئة من مجمل عدد السكان. ويؤكد اقتصاديون "لا يمكن للدول ان تتطور بشكل سريع بعمالة اقل من 40 في المئة من عدد السكان"، ويطالبون بضرورة وضع خطط تنموية طموحة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لاستيعاب عدد الطلاب الذي يزداد باستمرار. ويُتوقع ان يصبح عدد الطلاب في بداية القرن المقبل خمسة ملايين طالب وطالبة. وعندما يستقر عدد السكان الافتراضي عند 66 مليوناً عام 2048 فإن عدد الطلاب سيصبح عشرين مليوناً، علماً ان التعليم في سورية الزامي ومجاني في مراحله كافة ويكلف الدولة اكثر من عشرة بلايين ليرة سورية سنوياً اي بمعدل اكثر من 100 مليون ليرة في كل يوم تعليمي ويحتل هذا الانفاق المرتبة الثانية في الموازنة العامة للدولة.