اقر مجلس الوزراء السوري مشروع "البرنامج الوطني لمكافحة البطالة" وتم تخصيص مبلغ بليون دولار من الموارد الوطنية لحل مشكلة البطالة في سورية، التي يقدر اقتصاديون انها تصل الى 20 في المئة، فيما تقدرها الاحصاءات الرسمية بنحو 9.5 في المئة بعدد اجمالي يتجاوز 432 الف عاطل عن العمل. لا يهدف البرنامج الوطني لمكافحة البطالة في سورية، الذي اقره مجلس الوزراء الاسبوع الماضي، الى توفير فرص للعمل بشكل مؤقت فقط ولكن يسعى الى تأمين "عمالة مستدامة" للعاطلين عن العمل على المدى الطويل. ويشدد اقتصاديون على "انه لا يوجد بديل في الاجل الطويل سوى توفير الظروف الملائمة لتحقيق معدل لنمو الاقتصاد القومي بما يعادل ستة في المئة سنوياً، اذا ما اردنا استيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل والذين تقدر اعدادهم بما يراوح بين 250 و300 الف سنوياً ويحتاجون الى استثمارات تصل قيمتها الى ما لا يقل عن خمسة بلايين دولار اميركي، اذا اخذنا في الاعتبار ان كلفة توفير فرصة العمل الواحدة تراوح بين 15000 و25000 دولار اميركي" وتاريخياً، اصطدمت خطط التنمية المتعاقبة في سورية في محاولاتها لتأمين فرص عمل للافواج المتزايدة من السكان التي تدخل سوق العمل سنوياً بعائقين، وهما ارتفاع معدل النمو السكاني من جهة وارتفاع معدلات النشاط الاقتصادي، خصوصاً بين الاناث، ما ادى الى ارتفاع متوسط عدد الداخلين الى سوق العمل سنوياً خلال عقد الثمانينات الى نحو 180 الف نسمة وانخفض هذا العدد في النصف الثاني من عقد التسعينات الى نحو 160 الف نسمة سنوياً، اذ بلغ معدل نمو القوة العاملة بين عامي 1981و1995 ما يزيد على خمسة في المئة سنوياً، الا انه انخفض الى 3.5 في المئة سنوياً خلال فترة الاعوام الخمسة الاخيرة نتيجة انخفاض النمو السكاني خلال هذه الفترة الى 2.37 في المئة وارتفاع بسيط في معدل النشاط الاقتصادي. وتزيد هذه الاعداد المتزايدة الداخلة الى سوق العمل على حجم الطلب السنوي على القوى العاملة نتيجة عدم قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل تقابل هذه الاعداد، ما احدث نوعاً من عدم التوازن بين العرض والطلب على القوى العاملة في سوق العمل وادى الى ارتفاع نسب البطالة وعدد العاطلين، خصوصاً في عقد التسعينات، إذ ارتفعت نسبة البطالة من مجموع قوة العمل من 4.8 في المئة عام 1981 اي نحو 99 الف عاطل الى 8.5 في المئة عام 1993 بعدد يبلغ نحو 300 الف عاطل، ثم عادت وانخفضت هذه النسبة عام 1995 الى 6.7 في المئة اي الى 276 الف عاطل. ويعود هذا الانخفاض الاخير الى ارتفاع معدل نمو الاستثمارات نتيجة صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، علماً ان عدد المشاريع الاستثمارية المرخصة بلغ 810 مشاريع حتى نهاية العام الماضي بكلفة 312 بليون ليرة سورية الدولار يساوي نحو 50 ليرة دخل منها في الانتاج 254 مشروعاً وبلغ حجم استثماراتها نحو 100 بليون ليرة سورية ووفرت نحو 22 الف فرصة عمل. غير ان انخفاض هذه الاستثمارات في النصف الثاني من عقد التسعينات وخصوصاً في القطاع الخاص وموجة الجفاف التي اصابت البلاد وبشكل خاص خلال الاعوام الاخيرة من عقد التسعينات، اديا الى ارتفاع نسب البطالة في نهاية العام الماضي الى ما يزيد على 9.5 في المئة بعدد مطلق يتجاوز 432 الف عاطل، وذلك وفقاً لنتائج المسح متعدد الاغراض لعام 1999. وهذا العدد المتراكم للعاطلين عن العمل اذا ما اضفنا اليه عدد السكان المتوقع دخولهم الى سوق العمل السنة الجارية، والمطلوب تأمين فرص عمل جديدة لهم والبالغ عددهم نحو 150 ألفاً، يصبح عدد فرص العمل الجديدة المطلوب تأمينها السنة الجارية نحو 582 الف فرصة عمل. يضاف الى ذلك ارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير المنظم خلال الاعوام الخمسة الاخيرة، اذ ارتفع من حوالى 34 في المئة عام 1995 الى حوالى 43 في المئة السنة الجارية وذلك من مجموع قوة العمل. وعلى رغم اختلاف تقديرات معدل البطالة فان الارقام الرسمية تشير الى ان البطالة كانت في ازدياد مضطرد، اذ ارتفعت من 88 ألفاً عام 1970 الى 432 ألف في العام الماضي. ويشير تقرير برنامج مكافحة البطالة الذي حصلت "الحياة" على نسخة منه الى ان البطالة في المقام الاول هي مشكلة الشباب، وبصفة خاصة الداخلين في سوق العمل للمرة الاولى، اذ يقدر معدل البطالة للشباب من فئة 15 الى 24 سنة بنحو 72 في المئة في العام الماضي. وتتركز البطالة في الاميين وكذلك خريجي المدارس الابتدائية والاعدادية، وتبلغ نسبة هاتين الفئتين 82.4 من مجموع العاطلين. ويؤكد التقرير ان مشكلة البطالة تتفاقم في الريف بنسبة 10 في المئة اكثر منها في الحضر حيث تبلغ 8.9 في المئة، ما يفسر ولو جزئياً ظاهرة الهجرة المتزايدة من الريف الى المدينة في الاعوام الاخيرة. كما تتزايد معدلات البطالة في المناطق الفقيرة من البلاد. وتشير الدراسات الى ان العاطلين والجانب الاكبر من العاملين في القطاع غير المنظم، يمثلون غالبية الفئات الفقيرة في سورية. وتتركز ظاهرة الفقر بشكل عام في المناطق الريفية وكذلك المناطق شبه الحضرية المحيطة بالمدن الكبرى. يعود نمو القطاع غير المنظم الى ان العاطلين عن العمل وفي سبيل كسب العيش يسعون الى ايجاد عمل لا يحتاج الى رأس مال كبير والى تقنيات ومهارات فنية في معظم الاحيان، بل يعتمد على جهد العمل ومهارات غير رسمية. وادى انخفاض فرص العمل في القطاع العام والقطاع الخاص المنظم الى نمو هذا القطاع وارتفاع نسبة العاملين فيه. ومعظم العاملين في هذا القطاع من حملة الاعدادية فما دون ويتركز عملهم في قطاع البناء والتشييد ومهن الزراعة ومهن البيع والشراء والخدمات. ويقدر بأن القطاع غير المنظم استوعب ما يزيد على 500 الف عامل خلال فترة الاعوام الخمسة الاخيرة، ولولا ذلك لكان هذا العدد قد انضم الى مجموع العاطلين عن العمل ولأدى ذلك بالتالي الى ارتفاع نسبة المتعطلين الى نحو 24 في المئة من قوة العمل. وتشير الدراسات الى ان اعلى معدل للبطالة يتركز في محافظة طرطوس على الساحل السوري بنحو 20.5 في المئة من قوة العمل، وادناها في محافظة الرقة شمال البلاد بنحو 3.7 في المئة. وتتوزع نسب البطالة في المحافظات الى ثلاث فئات هي: - الاولى: من 20.5 الى 10 في المئة في محافظات طرطوس والسويداء ودرعا وادلب وحمص والقنيطرة. - الثانية اقل من 10 الى سبعة في المئة في محافظات دير الزور وريف دمشق وحلب وحماة ودمشق واللاذقية. - الثالثة: من ستة الى ثلاثة في المئة في محافظتي الحسكة والرقة. البرنامج الوطني لمكافحة البطالة يهدف البرنامج الى الوصول الى العاطلين عن العمل في المناطق التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة، وتطوير الانشطة التي تعاني من تخلف تقني وضعف في معدلات الانتاجية، والتي قد تعجز خطط التنمية وانشطة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية عن معالجة مشاكلها، وتوفير فرص العمل اللازمة لابنائها وذلك بهدف تعميم وتوزيع ثمرات التنمية واشراك مختلف المناطق وفئات السكان بها بصورة اكثر عدالة، ومن اجل تطوير تقنيات الانتاج الصغير وربطه بالاسواق المحلية والخارجية ومساعدته على التحول من العمل الفردي التقليدي الى العمل الحديث المنظم. وحسب البرنامج التنفيذي للبرنامج فان التركيز سيتم على تأمين فرص عمل مستدامة للعاطلين سواء في القطاع المنظم او القطاع غير المنظم ومساعدتهم على انشاء مشاريعهم الخاصة وتوفير قروض ميسرة لهم سواء كان ذلك بشكل فردي او تعاوني لانشاء مشاريعهم الخاصة. وسيساهم البرنامج في توسيع مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي ومعالجة الركود الاقتصادي وذلك بزيادة الناتج المحلي والدخل الفردي. ويقدم البرنامج اقتراحات لنشاطات البرنامج حسب المحافظات يمكن تنفيذها خلال السنوات المقبلة وذلك من الاموال المخصصة من الدولة ومن الدول المانحة، فضلاً عن مساهمات ممكنة من القطاع الخاص والاهلي. وتتضمن المقترحات توفير 300 الف فرصة عمل بكلفة بين 35 الى 40 بليون ليرة سورية تشمل المحافظات كافة. ويراوح معدل مساهمة البرنامج بالكلفة الوسطية لفرصة العمل التي سيتم ايجادها بين 50 و500 الف ليرة سورية. ويهدف البرنامج الى تنمية وتطوير الصناعات الحرفية والصغيرة وتقديم العون المادي لها في اطار زيادة فرص التشغيل فيها وبما يتيح تحسين انتاجيتها وتطوير اساليب عملها، وتضم 11 نشاطاً وهي النسيج والتريكو والالبسة الجاهزة والصناعات التقليدية وخدمات الصيانة الكهربائية والميكانيكية والتجارة والتمديدات وخدمات منزلية من خياطة وتطريز وكي الملابس وصناعات سياحية شعبية وصناعات زراعية وري البان واجبان وتجفيف فواكه وخزن وتبريد وتعبئة وتغليف، ومراكز معلوماتية وصناعة الاثاث والادوات المنزلية والعاب الاطفال والتأهيل والتدريب والتطوير المهني وتحديث صناعة مواد البناء واحتضان الابداعات والاختراعات الفردية. كما يهدف برنامج مكافحة البطالة الى حل مشاكل انسانية في كل محافظة، بعضها مثل استبدال السكن العشوائي حيث سيتم توفير 60 الف فرصة عمل جديدة. ويكون معدل مساهمة البرنامج في الكلفة الوسطية لفرصة العمل 50 الف ليرة سورية وبكلفة اجمالية مقدارها ثلاثة بلايين ليرة سورية. والبعض الآخر يتناول مشاريع للسكن التعاوني وتهدف الى المساهمة في توفير 60 الف فرصة عمل جديدة ويكون معدل مساهمة البرنامج في الكلفة الوسطية لفرصة العمل 100 الف ليرة سورية وبكلفة اجمالية مقدارها ستة بلايين ليرة سورية. تضاف الى ذلك انشطة في قطاع الطرق والاشغال العامة حيث سيتم توفير 20 الف فرصة عمل جديدة ويكون معدل مساهمة البرنامج في الكلفة الوسطية لفرصة العمل 50 الف ليرة سورية وبكلفة اجمالية مقدارها بليون ليرة سورية. وبذلك يكون العدد الاجمالي لفرص العمل التي سيتم توفيرها للمجموعات كافة من المشاريع والانشطة 440 الف فرصة عمل، وبكلفة اجمالية تقدر بنحو 50 بليون ليرة سورية. ادارة البرنامج سيكون للمشروع ادارة على المستوى الوطني وتقوم هذه الادارة بالتنسيق بين مساهمات الوزارات المختلفة والجهات الفاعلة الاخرى مثل القطاع الخاص والجهات المحلية الاهلية غيرالحكومية والمنظمات الشعبية والجهات الممولة الدولية. ويتمتع البرنامج بالشخصية الاعتبارية المستقلة ويخضع تنفيذه لخطة يقرها مجلس الوزراء ويشرف على تنفيذها المجلس الاعلى للبرنامج. ويخضع البرنامج لتدقيق سنوي مالي واداري من جهة مختصة ويسمي مدير ادارة البرنامج رؤساء واعضاء مكاتب البرنامج في المحافظات ويتابع اعمالهم. ومن اهم خصائص البرنامج "اللامركزية" في التنفيذ، لكنه يهتدي في كل المحافظات بمبادئ عامة تقوم على العناية بالمشاريع الصغيرة وخصوصاً في المناطق التي يتمتع سكانها بميزة نسبية وكذلك في المناطق التي لديها استعداد للدخول في اعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما سيركز البرنامج على مشاريع البيئة المحلية وعلى الاعمال العامة وكذلك مشاريع الحفاظ على البيئة، اضافة الى استحداث اشكال جديدة للعمل بين المنتفعين من البرنامج مثل الجمعيات التعاقدية للنساء العاملات لحسابهن والجمعيات التعاونية الانتاجية وجمعيات التسويق.