مضى 23 يوماً على انتخاب السياسي الصومالي الدكتور عبدي قاسم صلاد حسن رئيساً ل"برلمان" قبلي عينه اعيان العشائر الرئيسية في البلاد. واعاد انتخابه بعض الامل الى الصوماليين بقرب انتهاء الحرب الاهلية المستمرة في بلادهم منذ حوالي عشر سنوات، عندما اطاح تحالف قبلي نظام الرئيس محمد سياد بري مطلع العام 1991. وكان صلاد حسن نفسه، وزيراً ونائباً لرئيس الوزراء في ذلك النظام. وامضى الرئيس الصومالي الجديد الذي جرى انتخابه في منتجع عرتا الجيبوتي المطل على خليج تاجوراء المحيط الهندي، معظم هذه الايام العشرين خارج الصومال الذي زاره لثلاثة ايام فقط. ويحاول الرئيس المنتخب، خلال تحركه خارج البلاد، إعادة الصومال الى المجتمع الدولي والحصول منه على اعتراف بشرعية انتخابه. وفي هذا الاطار، زار القاهرة مطلع الشهر الجاري والقى كلمة باسم بلاده امام اجتماعات مجلس الجامعة العربية، ثم تحدث الاسبوع الماضي امام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورة "قمة الالفية"، ويتوقع ان يصل قريباً الى بروكسيل لاجراء محادثات مع المسؤولين في الاتحاد الاوروبي. وحصل صلاد حسن على تأييد اقليمي ودولي واسع، لكن هذا التأييد لم يُترجم عملياً حتى اليوم، ولو في شكل تعهدات من المجتمع الدولي بتقديم مساعدات في إطار تنفيذ برنامجه لانهاء الحرب الاهلية. ويعزو مراقبون ذلك الى ان الرئيس لم يشكل حكومته حتى الان، وهي التي يُفترض ان تضع برامج تفصيلية لانهاء الحرب وإعادة بناء او تأهيل المرافق الحيوية في البلاد. الى غياب هذه البرامج، يواجه الرئيس الجديد مشكلة التعاطي مع كيانات تأسست خلال الحرب، في مقدمها "جمهورية ارض الصومال" في الشمال التي اعلنت الاستقلال من طرف واحد في 17 ايار مايو 1991. ولدى هذه "الجمهورية" غير المعترف بها، رئيس وحكومة وبرلمان وقضاء وجيش وشرطة، وترفض التعامل مع صلاد حسن إلا باعتبارها دولة مستقلة. كذلك تشكلت إدارة حكم ذاتي منذ سنتين، في شمال شرقي الصومال اطلقت على نفسها اسم "بلاد بونت". ولدى هذه الادارة ايضاً مؤسساتها. وفي مقديشو نفسها، حيث تسيطر قبيلة هوية التي ينتمي الرئيس الى احد فروعها "عير"، يحظى صلاد حسن بدعم فروع هذه القبيلة بما في ذلك فرعا "هبرغدر - جلف" و "هبرغدر - هلولي" اللذين ينتمي اليهما، زعيما الحرب حسين محمد فارح عيديد وعثمان حسن علي عاتو ابرز المعارضين له. وعلى رغم انهما لم يشكلا اي تهديد مباشر للرئيس الجديد حتى الآن، إلا انهما يحتفظان بعدد من افراد الميليشيات المتحالفة مع زعماء حرب آخرين، مثل موسى سودي يلحو. وفي إمكان هذه الميليشيات إثارة اضطرابات في العاصمة كما حصل خلال الايام الثلاثة الماضية في حي مدينة من جنوب مقديشو حيث جرت عمليات نهب منظمة. وتسيطر هذه الميليشيات ايضاً على مدرج مطار صغير في العاصمة معروف باسم "مطار الجزيرة"، كما يقع مطار مقديشو الدولي تحت مرمى نيرانها. الى ذلك، ما زالت ميليشيات عاتو تحتجز الرهينتين الغربيتين اللتين تعملان لدى المنظمة الفرنسية العمل لمكافحة الجوع جوناثان وارد وزميلته الفرنسية فرانسواز دويتش. ويمر اليوم ال53 على خطفهما من مقر المنظمة في مقديشو واحتجازهما في مكان قريب من منزل عاتو معروف لدى سكان المدينة. وفي المقابل يحاول صلاد حسن، تأسيس قوات للشرطة، بدأت فعلاً قبل ايام، لضمان نزع سلاح الميليشيات. وكلف بهذه المهمة الجنرال محمد نور جلال الذي قاد القوات الصومالية في حرب اوغادين مع اثيوبيا 1977 -1978. لكن الواضح ان السلطة الجديدة في مقديشو في حاجة الى اكثر من إعلانات التأييد الدولية والاقليمية التي صدرت في شكل واسع. وعلى سبيل المثال اعتبر ممثل الامين العام للامم المتحدة المكلف ملف الصومال ديفيد ستيفن ان انتخاب صلاد حسن يشكل "مرحلة اساسية على طريق اعادة بناء الصومال". لكنه شدد على ان "المجتمع الدولي لن يعطي توقيعاً على بياض الى المؤسسات الانتقالية التي ستعين لاحقاً". واوضح ان الامر رهن بالطريقة التي ستعرض فيها الحكومة الصومالية المقبلة برنامجها "لاعادة السلام وتثبيت المصالحة ومباشرة اعادة الاعمار". وقال امين اللجنة الشعبية العامة للوحدة الافريقية وزارة في ليبيا السيد علي عبدالسلام التريكي ان مساندة الرئيس ستحصل عندما تؤيده كل الفصائل في الصومال. واضاف "نأمل في تشكيل حكومة لكن لا تزال هناك بعض العناصر الرافضة للانضمام الى هذه المبادرة". وعبر الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر عن موقف واشنطن في بيان جاء فيه :"نحن متفائلون بنتائج مؤتمر عرتا بما في ذلك انتخاب الرئيس". لكنه اضاف ان "مفتاح نجاح حكومة الصومال سيتوقف على مدى تمثيلها ارادة الشعب الصومالي وقدرتها على الحكم الفاعل". ويبدو ان المشوار طويل جداً امام الرئيس الصومالي المنتخب لحل مشكلتي كيانات الامر الواقع خارج العاصمة وبقايا الميليشيات فيها، وذلك تمهيداً لاعادة كسب ثقة المجتمع الدولي بالصومال قبل منح اي مساعدات ملموسة لإعادة تأهيل بلده. وربما يمكن للدول العربية المبادرة في المساعدة المطلوبة لوضع الصومال مجدداً على الخريطة الدولية وعدم انتظار الدول الغربية كي تمد يد المساعدة الى هذا البلد. وكانت جامعة الدول العربية قامت بجهود كبيرة في اتجاه المصالحة الصومالية، لكن إصرار كل من زعماء الميليشيات على مواقفه في في تقاسم السلطة ادى الى ضرب هذه الجهود وبالتالي تأخير عملية المصالحة التي تمت اخيراً عبر زعماء القبائل. ويمكن للجامعة العربية اليوم استعادة دورها واستكمال جهودها في حض الدول العربية على المساهمة الفاعلة في إعادة السلم الى الصومال، خصوصاً عبر المساعدة في تدريب عناصر جهاز الشرطة الذي بدأ تأسيسه اخيراً.