طغت تجربة الناقد المصري صلاح فضل وحديث صاحبها عنها، في ندوة «تجارب الكتاب» التي أقيمت أمس ضمن فعاليات «سوق عكاظ» في فندق الإنتر كونتننتال، على ما سواها من تجارب، إذ جاءت تجربة عميقة وثرية ومتشابكة، ومليئة بالمحطات المهمة والتعامل مع المناهج النقدية الجديدة، ومحاولة تأسيس تصور نقدي جديد وخاص. وقال الدكتور صلاح فضل، في ورقته النقدية، إن وظيفة الشعر تكمن في تربية الوجدان الإنساني، وكذلك تنمية العواطف، وصناعة الوعي والذات والآخر، إضافة إلى الاتصال بالكون والحياة والطبيعة وبالثقافة وخلاياها الحية وبالموسيقى، وكذلك حفز الخيال، الأمر الذي يتمم، من وجهة نظره، في الإنسان إنسانيته ويشكل قدراته اللغوية والتعبيرية وحتى ذكاءه. وتطرق إلى نقد الشعر، مؤكداً أنه يحتاج إلى تأمل، «لأنه يبدأ مع الإنسان، فكل إنسان شاعر وناقد والإنسان لا يسمى إنساناً إلا بإنسانيته وقدرته على التعبير». ويوضح صلاح فضل أن الأيديولوجيا سيطرت في الستينات على النقد، إذ هيمنت تيارات بعينها، وأصبحت المذهبية سائدة في نقد الشعر، «فهذا رومانسي وذاك واقعي والرابع بنيوي والآخر تقليدي، مؤكداً أن ذلك يكشف أن المذهب كان هو المسيطر بامتياز لدى النقاد في النظر إلى الشعر والحكم عليه. ورفض تصنيف نفسه أن يكون ينتمي إلى هذا التيار أو سواه. واعتبر الدكتور فضل أهم مرحلة في تجربته النقدية في قراءة الشعر، تلك التي مزج فيها فكرة الأسلوب في نظرية الشعرية، مشيراً إلى «أننا عندما نمسك بعدد من التجارب النقدية التي تناولت الشعر، نجدها صنفت الشعراء أما طبقاً للبلاد أو لبعض السمات المعروفة لديهم أو طبقاً لشكل القصيدة». ويلفت إلى أنه لم يكن هناك تصنيف منهجي، يضم سلالات الشعراء واتجاهاتهم، الأمر الذي دفعه إلى طرح نظريته في الشعرية، التي حاول أن يجيب من خلالها على سؤال: ما الشعر؟ ليصل إلى أنه يتكون من بنى عدة، متداخلة هي بنية الإيقاع، والكثافة والتشتت، إلى أن انتقل إلى منهج تحليل النصوص في تحليل تحولات الشعرية العربية». ويشير إلى سؤال المنهج، الذي كان مسكوناً به لفترة طويلة، حين كانت المذاهب مسيطرة، متناولاً تجربته في مجلة «فصول» ذائعة الانتشار في دوائر النقد العربي ونقاده، عندما كان الشاعر المصري أمل دنقل يملأ الأسماع بالدرجة التي حرم فيها ذكر اسمه في الإعلام المصري، بسبب كونه شاعر الرفض الأول. وفي تلك اللحظة الزمنية (1980)، قال إنه قرر، كي يمارس حريته في اختراق الممنوع في مجلة «فصول» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب الرسمية في مصدر، أن يكتب عن أمل دنقل صاحب القصيدة الذائعة «لا تصالح»، موضحاً أنه لم يعلق عليها مضمونياً كي لا يقع في المحظور، إلا أنه تناولها بنقد بنيوي، يبحث عن كيفية إنشاء الدلالة النقدية، وغير معني بالمعنى المطروح في الطرقات. وقال الدكتور فضل إنه انتهى بعد كل تلك الرحلة مع النقد أن يكون في رؤيتنا للشعر شيء من الإيمان بمبادئ معينة يرتكز عليها ليخرج بكتابه الأخير المعنون ب«جماليات الحرية في الشعر». فيما تحدث في الندوة نفسها، التي أدارها الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، الروائي الأردني سليمان القوابعة، متوقفاً عند ذكرياته الأولى في قرية «الطفيلة» الأردنية، وتناول في ورقته تجربته مع الجزائر، مشيراً إلى أن عندما عاين ما يجري في وهران وعدد من مناطق الجزائر، وتحديداً في العام 2007، استطاع أن يكتب روايته «حلم المسافات البعيدة»، والتي قال إنه مارس فيها تقنية الرسائل الرافدة للحدث. وتحدث عن رواية «سفربرلك»، التي كتبها في 2009، والتي تطرقت إل ما عانت منه شعوب المشرق «وما زالت تجتر الألم كما وصف في ذاكرة الأجداد». وامتدت فضاءات روايته هذه، كما يقول، من تركيا، إذ المركز، إلى أجواء المدينةالمنورة وحاراتها والمسجد النبوي الشريف وبقيع الغرقد وعين أبي بكر ومسجد قباء ووادي العقيق وجبل أحد ثم تبوك وغيرها من مناطق مشيراً إلى روايته «جرح على الرمال»، ثم تطرق إلى الرواية التي كتبها في المغرب، خلال رحلة عمل كمدرس في أكادر وكانت بعنوان «شجرة الأرقان». وقال القوابعة إن تجربة المغرب زودته بمادة، استعان بها على كتابة رواية «الرأس على ثرى طوقان».