استبعدت مصادر نيابية مقربة من رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري قيام "حكومة ما تيسَّر" من الوفاق الوطني. ونقلت عنه ان النهوض بالبلد يتطلب المجيء بحكومة تضامن وطني تؤمن اوسع مشاركة للقوى السياسية التي يجب ان تتحمل مسؤولياتها في التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية وايجاد الحلول لها. وأكدت المصادر ل"الحياة" ان "ما يهم بري في الوقت الحاضر إشاعة المناخ السياسي لتأمين ولادة طبيعية للحكومة العتيدة". وقالت إن "الأمور تسير في اتجاه التهدئة بعدما خمدت نتائج الانتخابات النيابية واخذ التجاذب السياسي يتراجع في شكل ملحوظ لمصلحة اطلاق الحوار الذي يسهم في تبديد اجواء الحدة". وفي هذا السياق، قال قطب سياسي ل"الحياة" ان "الاستيعاب السياسي والانضباط والضبط ستكون من العناوين الرئيسية التي تضيء الطريق امام الاستعداد للولوج الى مرحلة سياسية جديدة، خلافاً للمرحلة التي يفترض ان تكون انتهت مع انتخاب مجلس نيابي جديد". واكد "ان لا شيء يمنع قيام تضامن وطني حقيقي خصوصاً ان الجميع يقر أن هناك فرصة تسمح للبلد باستعادة انفاسه وبتكاتف الجهود لشق الطريق امام البحث عن الحلول، من خلال خطة عمل متكاملة تطل بها الحكومة الجديدة على الرأي العام اللبناني، لتعويض قصور الحكومة الحالية عن توفير الحلول، وعدم تمكنها من وضع نفسها في مستوى التحديات التي تهدد البلد وتستدعي التصدي لها". ورأى "ان من غير الممكن وضع هذه العناوين موضع التنفيذ ما لم يبادر كل طرف، اياً يكن موقعه، الى مراجعة حساباته وتقويم تجربته، على نحو يعيد الامور الى نصابها ولا يسمح بتقاذف المسؤولية التي لا تتيح الوصول الى اقتناعات مشتركة تؤخذ في الاعتبار لدى تشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثم انصرافها الى التصرف في شكل تسترد ثقة اللبنانيين بمؤسسات البلد وادارته". ولفت الى "ان مبادرة اهل الحكم بتقويم التجربة المستمدة من اخفاق الحكومة في البحث عن الحلول للمشكلات المستعصية، لا تكفي في حال بقي التقويم محصوراً في رمي المسؤولية على عاتق الحكومة، بدلاً من ان يأتي شاملاً، خصوصاً ان خطاب القسم لرئيس الجمهورية اميل لحود امام المجلس النيابي، بقي في إطار الرغبة في ابداء النيات ولم يترجم افعالاً ملموسة". واضاف: "ان لحود جاد في تحقيق ما وعد به خطاب القسم، لكن المشكلة تكمن في ان فريق العمل، سواء الحكومة او الجهاز المساعد لها، لم يتمكن من مجاراته في رغبته، وهذا يفترض ان يتجاوز التقويم خيبة الامل من الحكومة الى الفريق المساند الذي لم يكن يمتلك الخبرة الكافية للفت النظر الى الاخطاء من جهة والى وجوب تداركها قبل ان تتراكم في شكل حال دون تخطيها". وتابع: "ان اخفاق الحكومة ظهر للعيان قبل ان تمضي ستة اشهر على تشكيلها. وهذا ما دفع البعض الى طرح امكان تطعيمها، ولكن لم يؤخذ بهذا الاقتراح بذريعة تمديد الفرصة لها علها تتمكن من التقاط انفاسها، الا انها مضت في ارتكاب الاخطاء، وحاول بعض الوزراء ان يلقي بالمسؤولية على البعض الآخر". واكد القطب "ان الحكومة استنزفت كثيراً من رصيد العهد وصرفت من الرأسمال السياسي والشعبي الذي تجلى في انتخاب لحود من دون ان تتمكن من تسديد السلف السياسية التي زودت اياها على دفعات". وقال: "بدلاً من ان تسارع الحكومة الى مراجعة حساباتها غرقت في تبرير اخفاقها بالقاء المسؤولية على الحملات السياسية التي استهدفتها من المعارضة". ورأى: "ان الحملات السياسية ما كانت لتفعل فعلها لو ان الحكومة اعطت بعض ما وعدت به وقدمت نموذجاً سياسياً لحكومة تكنوقراط قادرة، خلافاً للحكومات السياسية السابقة". واضاف: "لسنا في وارد الدخول في مزيد من التفاصيل، ولكن اعتقد ان المرحلة الماضية حسمت من عمر العهد الذي في مقدوره الآن التعويض في حال اقر الجميع أنهم في حاجة الى تجربة سياسية فريدة من نوعها، لا تمت بصلة الى تجربة الحكومة الحالية التي تمضي ايامها الاخيرة، ولا الى تكرار بعض ما عاب تجارب الحكومات السابقة". التجربة الجديدة وقال القطب ان ما يقصده بالتجربة الجديدة التي تبعث على التفاؤل "ألا تكون مثيلة لتجارب الحكومات السابقة التي كانت محكومة بنمط غير مستقر للعلاقة بين رئيسي الجمهورية الياس الهراوي والحكومة رفيق الحريري، وعلاقتهما بالسلطة التشريعية، ولا بمعيار العلاقة القائمة بين لحود ورئيس الحكومة سليم الحص الذي يتجاوز علاقتهما الشخصية الجيدة الى تفعيل ادارات ومؤسسات الدولة التي بقي معظمها يعاني الروتين وقلة الانتاج على رغم انضباطها بعدما عجزت عن تحقيق الاصلاح الاداري وتفعيل اداء الحكومة". واكد القطب "ان الظروف اصبحت مواتية لقيام علاقة تعاون لا مجال فيها لطغيان رئيس الجمهورية على رئيس الحكومة او العكس، ما داما يمارسان صلاحياتهما استناداً الى ما نص عليه الدستور، الذي لا يرسم حدوداً للعلاقة فحسب وانما يمهد الطريق ايضاً امام استمرار التعاون الذي يكفل لمجلس الوزراء ممارسة السلطة مجتمعاً". وختم: "ان طبيعة المرحلة تحتاج الى الافادة من استحقاق تأليف الحكومة الجديدة، لجهة المجيء بحكومة تستوعب الجميع لتكون وفاقية قادرة على اشراك غالبية القوى السياسية شرط ان تتحول فريق عمل متجانساً يستطيع تشخيص الأزمة بكل أبعادها، اساساً لإيجاد الحلول".