يستبق كثر تسلّم رئىس الجمهورية المنتخب العماد إميل لحود مسؤولياته الرسمية في 24 تشرين الثاني نوفمبر الجاري وما يليه من اختبار ميداني لمستقبل علاقته برئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري المرجحة عودته على رأس الحكومة الجديدة فيتوقعون حالاً صدامية في العهد الجديد او استحالة التفاهم بينهما. وعلى رغم أن الرئىس المنتخب يعكف على درس الملفات ويصرّ على التقليل من الكلام والإكثار من الأفعال، فأن بعض الرسميين يعتبر أن الاستعجال في إصدار الأحكام على التوجهات الرئيسية للعهد الجديد مثل القول باستحالة التعاون بينه وبين الرئيس الحريري، تتجاوز التعايش القسري إلى التوافق للتصدي للملفات العالقة هو بمثابة حكم على النيات. ويرى هؤلاء أن لا علاقة للرئىس المنتخب بالأجواء التصادمية التي روّج لها منذ اليوم الأول لانتخابه، ما دام أنه يلوذ بالصمت وينصرف إلى الإطلاع على سير أوضاع المؤسسات والمجالس العامة. وما ينطبق على الرئىس المنتخب يسري على المقرّبين منه، الذين يلتزمون الصمت ويرفضون التعليق على إطلاق أحكام تتناول مصير علاقته ببري والحريري، خصوصاً أنهما مستعدان للتعاون والإنفتاح. أما لماذا يرفض الرئىس المنتخب، ويجاريه في موقفه كل من بري والحريري، محاولة الإستدراج الى نزاع او تجاذب سياسي؟ فيقول قطب سياسي أن تشكيل الحكومة الجديدة يمكن ان يؤمّن مادة للتجاذب السياسي، وبما أن لحود ليس في وارد البحث فيها، إلى حين تسلّمه مهامه الرسمية، فأن ما يروّج له على صعيد مستقبل العلاقة هو "تمنيات" لم تختبر، إذ لم تستكشف النيات لدى أركان الدولة بعد. ويعتبر أن الرئيس المنتخب يرفض الدخول في بازار في هذا الشأن لسببين: الأول أن لا صفة له حاضراً ما دام لم يتسلم مهامه رسمياً، والثاني أن الأمر يستدعي إجراء استشارات نيابية قبل تكليف من يتولى تأليف الحكومة الجديدة. ولفت إلى أن تأجيل البحث أو التشاور في موضوع تشكيل الحكومة، لا يمنع اختيار عناوين رئيسية لا بد من الأخذ بها لدى البدء بغربلة الأسماء، تتعلق بالكفاية ونظافة الكف والتوجه الوطني والتمثيل الشعبي، مشيراً إلى أن العهد الجديد لا يمكن أن يطل على الرأي العام إلا بفريق عمل موسع ومنسجم لئلا يصيب الحكومة ما أصاب سابقاتها من انعدام روح التضامن والتعاون. وأكد أن انتخاب لحود "أحدث صدمة إيجابية بين اللبنانيين، وقوبل بردّ فعل شعبي وبارتياح خارجي عكسته مواقف صدرت عن زعماء معظم الدول العربية والغربية، وهذا يتطلب الحفاظ على الموجة الشعبية المؤيدة له ولن يكون إلا عبر صورة الحكومة الجديدة لترجمة العناوين، خطوات عملية، ثم أنه أنهى ما سمي بالإحباط المسيحي ويفترض أن يسهم في تفكيك العصبيات الطائفية والمذهبية وأن يعيد إلى الإدارة اعتبارها من خلال إحياء مشروع الإصلاح الإداري الذي طرحته حكومات الحريري ولم يتمكن لاعتبارات عدة من تنفيذه. وأضاف "ان العهد الجديد على صعيد الإصلاح الإداري يمكن ان يحقق ما عجز عنه العهد الحالي الذي كانت له إنجازات لا يستهان بها وأن عدم إبرازها او التركيز عليها يعود إلى طغيان الفساد الإداري والرشاوى التي حالت دون المجيء بإدارة كفيّة يرتاح إليها الرأي العام". واعترف بأن انتخاب لحود "يعني أن البلد دخل مرحلة جديدة على أنقاض المرحلة الإنتقالية التي أخضعت لتسويات غير مشروعة، فرضتها عملية إنهاء الحرب في لبنان، وأن نجاح المرحلة يتوقف على مدى استعداد الجميع للتخلي عن الذهنية السابقة، إذ أن اعترافهم بالأخطاء التي حصلت خلال عهد الهراوي، وإن كان ضرورياً، لا يكفي ما لم يثبتوا بالممارسة أن لا عودة إلى الوراء". وتابع "أن المراجعة النقدية تحتاج لكي توضع موضع التنفيذ إلى اعتراف الجميع بأن البلد لا يدار بالعقلية والذهنية والأدوات نفسها، ولا يعني ذلك أن هناك من يريد إلغاء الآخر وإن كان المطلوب من البعض أن يتنحى لمصلحة المجيء بحكومة قوية ومنسجمة". وأشار إلى الحاجة إلى الرئيسين بري والحريري والوزير وليد جنبلاط، وقال أن "لا أحد يفكر في الإستغناء عنهم أو إيجاد بدائل سياسية منهم ينافسونهم سياسياً"، مؤكداً أن "البلد لن يحكم بالتراضي على حساب سمعة الإدارة، وأن معظم الوزراء الحاليين أعطوا الفرصة تلو الأخرى وتلقوا دعماً سورياً، لكنهم لم يحسنوا توظيفه، وهذا لا يعني أن دمشق تنوي التخلي عن حلفائها بمقدار ما أنها تعتقد أنهم أخطأوا في حق أنفسهم برفضهم توظيف الدعم في إطار كسب التأييد الشعبي. لذلك فان دمشق التي تدعم لحود لن تقبل الوساطة في تشكيل الحكومة وسترفض اللجوء إلى "الحلول بالتراضي" لتسوية أي مشكلة طارئة يمكن أن تحصل، لأن مثل هذه الحلول ستؤدي إلى إحياء نظام المحاصصة الذي جرّب طويلاً ولا أحد يجهل نتائجه السلبية". في المقابل، يرفض الحريري الإنجرار إلى لعبة استدراج العروض للدخول في سجال غير مطروح ولا أساس له من الصحة، وتم الترويج له، ويكتفي بالقول "ان اجتماعات العمل التي عقدها الرئيس المنتخب وشاركت فيها شخصياً كانت مثمرة وإيجابية، وأنا ما زلت عند رأيي أن انتخابه كان لمصلحة البلد وخلّف ارتياحاً محلياً وخارجياً ولا بد من الحفاظ على اجواء الإرتياح، برفضي الدخول في تجاذب على مناخات مفتعلة، خصوصاً ان الإجماع على انتخابه يفترض أن يريح البلد". ويضيف "قلت فور انتخابه أني مستعد للتعاون معه إلى أقصى الحدود، وأتصرف منذ الآن بإيجابية وبنيّات طيبة، ومن يود افتعال مشكلات غير موجودة، يحاول اللعب بمصير البلد لا معي شخصياً، فلماذا يحاول البعض استباق الأمور؟ كنت أول من تحدث عن الأخطاء وأبديت كل استعداد للتعاون لمعالجتها. حاولت سابقاً ولم أتمكن وآمل اليوم أن نتوصل إلى ذلك ويدي ممدودة ولا أظن أننا سنواجه عقبات، فقراري هو التعاطي الإيجابي، وسأكمل إلى آخر الطريق ولن أعرقل. ومن يصدّق فليصدّق ومن لا يصدّق فهذه مشكلته. لبنان في المرحلة المقبلة له دور حساس وقد يتعرض لمزيد من الضغوط، ما يستدعي التماسك، ولا يجوز اللعب بالعلاقات بين الرؤساء او بين السلطات بهذه الخفة. ولنا كل الثقة بأن نتعاون لتعطيل دور كل من يراهن على الخلاف، علماً ان افتعال مشكلات غير موجودة سينتهي فور بداية العمل الجاد".