هل يحق لي أن أعرض، في هذه الزاوية، بعض الاحلام الصغيرة للغاية والتي قد تبدو احلاماً شخصية تكاد تخصني وحدي، ومن يجاورني في الحي الذي اسكن فيه؟ هذا على رغم أنني عندما عرضتها على بعض الاصدقاء من العالم العربي، قاسموني هذا الحلم، لانه اصبح ظاهرة تكاد تتكرر في بلادنا التي يطلقون عليها - تدليلاً - دول العالم الثالث!!. وهذه الظاهرة أكتب عنها، على رغم أنها تعبر عن تصرفات قلة من الشباب، ولأن الشباب عموماً لهم مكانتهم الخاصة، الغالية على قلبي ووجداني، فهم الامل الوحيد في السعي من أجل غد مشرق، وعلى رغم الزمن "الاغبر" الذي تعيشه امتنا العربية في هذه الايام. ولنعد الى الحلم او الحُلَيم - إذا كان هناك تصغير للكلمة - فأنا فقط أحلم هذه المرة أن يقلل الأخ محسن الذي طالما سمعت اسمه يتردد بأعلى صوت أغلب أيام الاسبوع، وفي الهزيع الاخير من الليل، والذي يسكن - على ما أعتقد - في إحدى البنايات القريبة منا في الحي، فقط احلم ان ولدنا محسن هذا يحاول التقليل من المغيبات عن الوعي، والتي احس انه يتعاطاها، خصوصاً إذا كان على موعد شبه يومي مع احد اصدقائه، بين الثانية والنصف والثالثة صباحاً. استيقظ مع عائلتي الصغيرة مفزوعين من صوت آلة التنبيه العالية والتي تتناسب مع سيارته الفارهة طولاً وعرضاً وتسد منافذ الطريق. ويتواصل هذا الإفزاع الصوتي طويلاً يقطعه كل بضع دقائق، تمر كسنوات في اذني. صوت جهير أعلى من صوت آلة التنبية ينادي: يا محسن، بصوت اوبرالي ممطوط، يتوارى الى جانبه صوت "بافاروتي" مغني الاوبرا الشهير!! ثم تواصل آلة التنبيه الرهيبة عزفها الاوركسترالي. الشاب صاحب السيارة الشبح، وأطلق عليها هذا الاسم، لانك لا ترى من بداخلها للستائر الداخلية، وكذلك اطلق على الموديل الذي تلا الشبح اسم "البودرة" لأن من يستطيع ان يقتنيها لا بد ان يكون من مهربي وتجار بودرة الهيروين المخدرة المدمرة. وقد فكرت بسذاجة ان صاحب السيارة ربما يكون معوقاً، لانه لو كان سليماً غير مقعد، لكان في امكانه ببساطة ان يصعد الى محسن ليطرق بابه، ولكني اكتشفت مدى سذاجتي عندما رأيته يخرج - كالمارد من القمقم - ليضرب احد المتذمرين من هذا الازعاج، منذراً اياه بأن من لا يعجبه عليه ان يشرب من البحر، وساعتها تذكرنا المثل الشعبي القائل "من له ظهر لا يُضرب على بطنه". والغريب في الأمر انني لم استطع ان اعرف سبب حضور الشاب معظم ايام الاسبوع وفي هذا الوقت المتأخر من الليل حتى الآن. ترى هل للاستعداد للذهاب لصلاة الفجر؟ أم أن السبب هو اللحاق بأحد العروض التي تقدمها كباريهات المدينة؟ ام ماذا؟ يجوز انه "ماذا"!. في بلادنا وزارة للبيئة تجاهد في كثر من المجالات لمنع التلوث البيئي ولكن، ألا نظن ان التلوث السمعي فرع مهم من هذه المجالات؟ ثم ان الجهات الرسمية كانت أصدرت قراراً بمنع استخدام مكبرات الصوت بعد الساعة العاشرة مساء، ولكن هذا القرار اصبح غير قابل للتنفيذ، إما لكثرة مكبرات الصوت، وإما للمجاملات... او لاسباب اخرى وما اكثر!! وفي حين كنا منذ فترة ننعم بالنوم الهادئ في سكون حتى موعد الاستعداد للذهاب الى اشغالنا، وعندما ننزل كنا نجد بائعي الخضر والفاكهة والخبز والجرائد متخذين اماكنهم في هدوء وفي تناسق بديع، حتى امتشقت بلدية الحي حسامها الباتر لتقضي على التلوث البصري!. وقبل ان تعالج الحفر او رصف او تشجير الشوارع، بدأت بمطاردة الباعة المساكين، والاستيلاء على بضائعهم من خضر وفاكهة، ولم يستولوا على الجرائد لا ادري لماذا، ولكن، طردوا جميع البائعين. ومن يومها فقدنا نحن اهل الحي متعة النوم من الفجر الى مطلع الصباح لان البائعين المطاردين الذين تعود عليهم الناس اندفعوا منذ الفجر - قبل ان تصحو البلدية وتأخذ ما معهم - ينادون على بضائعهم لينبهوا زبائنهم. والجميل ان اهل الحي لم ينزعجوا منهم، بل تعاملوا معهم بمحبة وترحاب. والانزعاج ظل ينصب على البلدية قاطعة الأرزاق، وكذلك الشاب "أعمى القلب" صديق محسن الذي لا يرى من حوله احداً سواه. اما اهل الحي فبدلاً من رغبتهم في النوم ليحلموا، اعتقد انهم بدأوا بالحلم في كيف ينامون. فنان تشكيلي