بات مرجحاً أن ترد القاهرة على حملة اعلامية اميركية ضد مصر والرئيس حسني مبارك، بتمديد حبس رئيس "مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية" الدكتور سعدالدين ابراهيم، الذي يحمل الجنسية الأميركية، لفترة حبس احتياطي رابعة بعد ما تحولت القضية المتهم فيها وآخرون من الباحثين والمتعاملين مع المركز عنصراً رئيسياً في أزمة بين البلدين ظلت صامتة لفترة إلى أن أظهرها مقال نشره الثلثاء الماضي الصحافي الأميركي توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز". ووسط تجاهل رسمي للحملة الأميركية عمت حال غليان الأوساط المصرية وسادها استياء بالغ من مقال فريدمان، الذي لاحظت مصادر مصرية أنه نشر بمثابة "مذكرة" من الرئيس الأميركي إلى نظيره المصري، لافتة إلى أنها "تستخدم في التخاطب بين رئيس ومرؤوسه، خلافاً لما اعتاده فريدمان من استخدام اسلوب الرسائل التي يتبادلها انداد". وبدا ان ضوءاً أخضر اعطي للصحف والمجلات القومية والحزبية المصرية لتصعيد الحملة على السياسات الأميركية لتشمل الرئيس بيل كلينتون نفسه، إذ وصف رئيس تحرير "الأهرام" السيد ابراهيم نافع أمس تهديداته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، بأنها "كريهة"، معتبراً انه "ليس مفترضاً في رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم ولا حتى في رئيس أقوى دولة أن يستسلم للاحباط ويطلق التهديدات يميناً ويساراً". وزاد ان موقف كلينتون "يعكس قمة عدم المسؤولية والاستخفاف بمصالح الشعوب وحقوقها"، مؤكداً أنه سيرد على فريدمان اليوم. ولوحظ ان خطباء المساجد المصرية تناولوا أمس قضية القدس ووجهوا انتقادات حادة الى دور الادارة الاميركية لدفع الزعماء العرب الى الضغط على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وأعربت مصادر مصرية عن اعتقادها بأن جهات داخل الادارة تضغط لتصعيد الحملة على مصر بعدما رفض مبارك ممارسة ضغوط على عرفات في شأن قضية القدس، وكذلك محاولة إثنائه عن اعلان الدولة الفلسطينية بحلول 13 أيلول سبتمبر المقبل. ولفت مراقبون إلى خطاب ألقاه مبارك الشهر الماضي في ذكرى ثورة تموز يوليو خلا من أي اشارة الى عملية السلام، واعتبروا انه كان "رسالة" إلى الأميركيين استلهم فيها مبارك المرحلة الناصرية وخطابها السياسي، والقضايا التي دافع عنها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وقال مصدر سياسي ل"الحياة": "اعتدنا أن تأتي مواقف الادارة الاميركية هادئة وان تُستغل وسائل الاعلام الأميركية وربما بعض الجهات في الكونغرس لتصفية الحسابات او الضغط على مصر". ولفت إلى أن البيانات الصادرة عن الخارجية الأميركية منذ اعتقال سعدالدين ابراهيم "اقتصرت على عبارات هادئة كالتعبير عن القلق او التذكير بتوقيع المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان من دون اعلان موقف متشدد". وأضاف المصدر ان "المواقف تأتي من الكونغرس والاعلام، وما ورد في مقال فريدمان عن قضية ابراهيم وكذلك مطالبة بعض اليهود الأميركيين الكونغرس بربط المعونات الأميركية المقدمة لمصر برد ممتلكات مزعومة لليهود يصبان في ذلك الاتجاه". وكان مقال فريدمان سخر من حال الديموقراطية في مصر، معتبراً أن ابراهيم اعتقل لأنه قدم نصائح في هذا المجال. وأشار المصدر الى ان نحو ثماني مؤسسات اميركية اصدرت أخيراً تقارير تشكك في الاقتصاد المصري، وتساءل: "هل صار الاقتصاد المصري سيئاً فجأة؟". ولفت إلى تناقضات في المواقف الأميركية، مشيراً إلى تقرير أصدرته الاسبوع الماضي السفارة الأميركية في القاهرة، يشيد بالاستقرار الذي يتمتع به الاقتصاد المصري. وأكد أن ردوداً صارمة تلقاها السفير الأميركي دانيال كيرتزر في شأن طلب اطلاق ابراهيم، وان النيابة رفضت اطلاع الجانب الأميركي على التحقيقات كون القضية تتعلق بوقائع جنائية على الأراضي المصرية. يذكر ان تقريراًَ نوقش اثناء اجتماعات المجلس المصري للشؤون الخارجية الشهر الماضي، توقع أزمات بين مصر وأميركا حول قضايا منها السودان وليبيا والعراق وعملية السلام، لكنه خلص الى ان "الجوانب الايجابية التي تحققها العلاقة بين الطرفين ستكون كفيلة بتجاوز الخلافات".