قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه ذاهب إلى قمة كامب ديفيد ممثلاً لمليوني إسرائيلي، لا ممثلاً للكنيست التي كادت تسقط الثقة به وبحكومته عشية استحقاق دولي يفترض ان يقبل عليه قوياً لا منتّف الريش. لكن ايهود باراك الذي خاطب المليونين الذين انتخبوه، ارتأى ان يعدهم ب"لاءات" خمس باتت هي خطوطه الحمر. فعلى أساسها سيفاوض، وعلى أساسها يريد أن يُحاسبه ناخبوه ان هو أخلّ بها. وهذا يعني أن باراك يعرف ان الرأي العام الإسرائيلي يميل إلى التطرف والتصلب، وبذلك لا تعود هناك قيمة لكل ما يتفوه به رئيس الوزراء من كلام جميل عن "السلام". قال باراك إن "القدس ستبقى موحدة تحت سيادتنا"... وبالتالي فإن القدس ستبقى، قضية وموضوعاً، بلا حل مهما بلغت عبقرية التفاوض في كامب ديفيد. فهذا شرط مسبق ينسف حتى الحلول الوسط المتوازنة والممكنة. لكن الواضح ان الجانب العربي - ومن ضمنه الفلسطيني - قطع شوطاً طويلاً في التراخي إلى حد جعل القدس جزءاً عادياً من "عملية السلام"، إلى حد شجع الأميركي والإسرائيلي على اعتبارها قابلة ل"الحل" بشكل تسووي. أي أنها لم تعد "خطاً أحمر" عربياً - إسلامياً لا يمكن ان تتخطاه أي تسوية. وقال إن "حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن ايجاده على الأرض الإسرائيلية ذات السيادة"... أي أن "حق العودة" بمعناه القانوني الاخلاقي وحتى الإنساني ترفضه إسرائيل لأي فلسطيني سلبته أرضه وطردته من بيته وتسببت في تشرده وعيشه لاجئاً منذ أكثر من نصف قرن، في حين أنها تعطي "حق العودة" لأي يهودي ولد وعاش بعيداً عن إسرائيل، سواء كان من فلاشا السودان أو اثيوبيا، أو من يهود أوروبا وأميركا. وفي ذلك انتقاص فظيع لكل معنى السلام المزمع تحقيقه في الشرق الأوسط. وقال إن "القسم الأكبر" من مستوطني الضفة الغربية وقطاع غزة "سيعيش في تكتلات استيطانية تحت سيادتنا". وفي ذلك تمييع لمسألة "الحدود" بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، واختراق لهذه الدولة وسيادتها وأمنها. مع أن "التبادلية" كانت تفترض التخلي عن تلك المستوطنات مقابل التشدد في موضوع "حق العودة". فلا أحد يشير إلى كيفية تعويض القرى التي دمرت برمتها ولمن يمكن التعويض وهل تكون الدولة الفلسطينية العتيدة المرجع للمطالبة بمثل هذا التعويض. وقال إن حدود 1967 "يجب تعديلها"، أي أنه لا يعترف بصلاحية القرار 242 في حل الخلاف على الأرض والحدود، ويستعيض عنه بما يستطيع هو وحكومته أن يعطيا للفلسطينيين. ويتبع ذلك طبعاً قوله ان غرب نهر الأردن يجب أن يبقى تحت السيادة الإسرائيلية، مع ما في ذلك من استهزاء واحتقار لحدود الدولة الفلسطينية التي ستتنازل إسرائيل بمنحها "حق الوجود" ككيان ذي "سيادة إدارية" تحت السيادة السياسية والأمنية لإسرائيل. كل من هذه اللاءات يملي الشروط كما يملي "الحلول" في آن. إذ أن "التنازل" في القدس سيكون بالتخلي عن السيادة على الأراضي المقدسة. و"التنازل" في موضوع "حق العودة" سيكون ب"لم الشمل"، و"التنازل" في معضلة المستوطنات بإعادة تجميعها، وهكذا... على هذا المنوال يفكر الأميركي والإسرائيلي، وبهذا المنطق "الدكاكيني" سيبنى وضع يراد له أن يكون نهائياً. بئس عملية سلام لا يجد فيها الراعي الأميركي سوى أن يقول للفلسطينيين - وللعرب، من خلالهم - إن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تسببتا لهم بمشكلة، وان على الفلسطينيين أنفسهم ان يحلوا المشكلة ب"التنازل" عن حقوقهم. وعندما يقول كلينتون إن أي طرف لا يستطيع الحصول على ما يريده مئة في المئة، ينسى ان الإسرائيليين سرقوا أكثر من مئتين في المئة من الأرض الفلسطينية.