أين أصبحت الأقلام السعودية التي برزت أخيراً وكان لها حضور أدبي مميز؟ وأي علاقة تربطها اليوم بالأجيال السابقة التي فرضت أصواتها وتجاربها في حقول القصة والرواية والشعر؟ انطلاقاً من هذين المحورين كان هذا التحقيق الأدبي بغية الكشف عن أجوبة ممكنة. عاشت الثقافة السعودية طفرة أدبية بين العامين 1982 و1989 تمثلت في انتعاش الإبداع في كل صوره واستجابت جميع المنابر لتلك الحركة الفوارة عبر تقديم الأمسيات والندوات تنظيراً وإلقاء. ولعل ناقداً مثل محمد صالح الشنطي استطاع أن يقدم 52 قاصاً في متابعاته للقص السعودي. من خلال كتاب حمل عنوان "القصة السعودية" هذا الإبهار جعل الكثيرين يتوقعون انه خلال السنوات القليلة ستقدم الساحة الأدبية أسماء كبيرة. إلا ان هذا التوقع خاب وتمخضت الساحة عن صمت لزم كثيرين ممن كانوا يمارسون الكتابة الإبداعية واضحت الساحة الأدبية اليوم تبحث عن اسماء جديدة يمكن أن تواصل ذلك التوهج. إلا ان الواقع الأدبي محبط لكثيرين ممن ركضوا قبل سنوات ومعتم في نظر بعض القادمين. ويغالي بعض الأدباء بالقول ان ليس هناك أصوات جديدة استطاعت ان تلفت اليها دارسي الأدب السعودي. وظلت الساحة محتفظة بأسماء جيل السبعينات والثمانينات من دون ان تسجل في خانة الإبداع المتميز صوتاً جديداً بعد هذه الموجة.ويرجع البعض هذا التقاعس الى أمور عدة يأتي في مقدمها ضرب الحركة الأدبية التي تحيلت في الثمانينات وتهميشهم بإلقاء الشبهات في طريقهم وتعليق سوء الظن حول كتاباتهم مما حمل الكثيرين منهم على الصمت... والآن يدور سؤال: ما هي الأسباب التي أدت الى هذا التوقف؟ الناقد محمد عيدالخطراوي يرى ان لكل زمان رجاله وما نصمه بالتوقف قد يكون لحظة مخاض تتجدد فيها الدماء لخلق عالم ابداعي مغاير وربما هي لحظة استكانة للوقوف على المنجز والبحث عن طرق جديدة. ويرى ان مثل هذه الأسئلة هي أسئلة "شوفينية" تعطي صورة كاذبة وتوهم السامع ان الجيل الحالي قدم كل شيء وانتهى الأمر بإدانة الأصوات المقبلة. وأكد ان مثل هذه الأسئلة تموت قبل ان تولد فليس كل الأصوات ترتهن للطلب. وختم رأيه بالقول: "واذا سلمنا ان في الساحة ركوداً فإن ذلك يتحمل مسؤوليته الجيل السابق الذي يدعي الاكتمال ويدعي انه حقق ما لم يحقق سابقه". وبينما يحذر الناقد معجب العدواني هذا الغياب بالمسببات الأولى التي أدت الى شح ظهور الأصوات الشابة الجديدة ويرى ان انطلاق الحركة الثقافية في لحظة تفاعلها كان انطلاقاً تشجيعياً بمعنى ان هناك كثيراً من الأصوات قُبلت من باب التشجيع. ولم تكن تحمل أدوات متكاملة مما أدى الى خلط وعدم فرز للأصوات المتميزة عن سواها. وبعدما أنجزت الحركة الابداعية الشابة بعض طموحاتها توقفت على الأسماء الحقيقية القادرة على التواصل. ويرى أن السؤال يحمل هماً وعبء مرحلة ابداعية لم يكتب لها الظهور. وأن الابداع بعد مرحلة الثمانينات الصاخبة أخذ طابع الاتزان وتعامل الاعلام معه منطلقاً من خلفيات مرحلة مقبلة أظهرت بعض الأصوات التي غابت ولم تظهر مرة أخرى. وتحول مفهوم الركض أو السعي للحصول على أصوات جديدة تضاف الى عدد المنتمين لمفهوم اثبات الذات الابداعية من دون الارتهان الى وسيلة اعلامية ومن دون الترويج لها في الملاحق الأدبية. وهو تحول من الكم الى الكيف كما تقتضي سياسة البحث عن الجودة وتثمينها. ويرى ان هذا الحضور لا يعني إلغاء أو وعدم وجود أصوات ابداعية أتت من تلك المرحلة إذ بقيت بعض الأسماء الابداعية متوهجة ومواصلة طريقها الابداعي بلا توقف. ويؤكد ان هذه الأصوات الابداعية الحديثة ظهرت خلال فترة التسعينات مرسخة منجزها في ساحات القص والشعر والنقد مسهمة في صوغ الخطاب المحلي. ولعل عدم وجود فرق جذري معرفي بين هاتين المرحلتين أسهم في اعتبار هذه المرحلة مكملة لخطاب حداثي سبق تأسيسه منذ فترة مضت، وهو الأمر الذي ينتج سبباً آخر يضاف الى سابقه في تغيب الصوت الإبداعي المحلي الحديث. ويرى الناقد علي الشدوي ان عدم ظهور أسماء شابة ليس صحيحاً كما يطرحه السؤال إذ يفترض ان يكون لدينا سلعة مع نهاية كل عام. ويرى ان الابداع ليس ماكنة تفريخ يمكن ان تنتج لنا العدد المطلوب وفق دراسة مسبقة وانما الأمر يخضع لتفاعلات ثقافية لها اسبابها وظروفها في تقديم النص الأدبي. وإن وافق على جزء من السؤال يتمثل في ندوة الأصوات المتميزة فهو يعلل هذه النقطة ويصفها انها طبيعية لكون الأصوات المتميزة نادرة في جميع الثقافات. ولا ضير ان تواصل الثقافة المحلية السير بأصواتها وانتظار القادمين. ويقول الناقد عابد خازندار عن القضية: "نتساءل في أحيان كثيرة عن السبب في قلة المبدعين وانعدامهم في بلادنا، ولكننا نعجز عن الاجابة على هذا السؤال، وهو عجز ليس مرده انعدام الرؤية أو الرؤيا، ولكن الهيمنة التي ما زال يمارسها مؤرخو الأدب في بلادنا على مقاعد التدريس والمناصب القيادية في الجامعات ووزارة المعارف، والذين ما زالوا يفرضون على الطلبة في كل مراحل الدراسة دراسة تاريخ الأدب وليس الأدب نفسه. وهي دراسة تقتصر على العصر الذي عاش فيه الشاعر وعلى تقديم شيء من شعره ثم الحكم على شعره حكماً مبتسراً متعسفاً ينبع غالباً من الهوى والغرض والانتماء السياسي والمذهبي. ولهذا فإن شاعراً من أعظم شعراء العرب كالشريف الرضي لم يجد من ينصفه في كل تاريخ الأدب العربي سوى زكي مبارك، وبالطبع فإن دراسة الأدب لا تُعنى بالتواريخ والسير بل تنحصر في دراسة النص نفسه، وتلغي كل شيء خارج النص، أو كما يقول جاك دريدا لا شيء يوجد خارج النص... وعلى رغم وجود محاولة رائدة ورائعة من بلادنا في دراسة الأدب ونقده أو بمعنى دراسة نصية تتمثل في كتاب الناقد عبدالله عبدالجبار التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية الذي طبع الجزء الأول منه وهو عن الشعر وبقي الجزء الثاني عن النثر مخطوطاً إلا ان دراسة تاريخ الأدب والخلط أحياناً بينها وبين النقد الأدبي ما زالت كما قلت هي المسيطرة على مناهجنا وعلى تفكيرنا.