سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حضر الشاعر وغاب الناقد أم ليس هنالك ما يغري بالدراسة والنقد؟
الدراسات العلمية وشعراء الألفية الجديدة
نشر في الرياض يوم 31 - 10 - 2015

حاز الشعر السعودي في الدرس النقدي على نصيب وافر وجهد بارز، حيث انصبت جملة من الدراسات العلمية على هذه التجربة الطويلة والعميقة من كافة الجوانب ولامست مختلف الاتجاهات وتقصت كل مناحي تياراته، بل امتدت هذه الدراسات إلى حياة الشعراء العلمية والعملية وهو لعمري أمر يدعو إلى الإعجاب والفخر.
إلا أن هذه الدراسات النقدية اشتغلت بشكل واسع على عدة أجيال شعرية فأغدقت بشكل واسع على جيل الرواد بالدرس والتمحيص، ثم تناولت جيل القنطرة وبحثت في تجاربهم الشعرية، كما توقفت أمام تجربة شعراء الحداثة وتحديداً في فترة الثمانينيات الميلادية بالدراسات النقدية تارة وبالرسائل العلمية تارة أخرى.
في حين امتلأت الساحة الشعرية في المملكة بكوكبة من الشعراء الشباب الذين تتراوح أعمارهم من (25) عاماً إلى (35) عاماً وتمكنوا من صياغة نص شعري جديد يسمو بالقصيدة العربية إلى أفق بديع فمنهم من خرج علينا بديوان أو أكثر ومنهم من شارك في الأمسيات الشعرية التي تقدمها المؤسسات الثقافية ومنهم من حاز على جائزة إبداعية، فرغم كل هذا الحضور الواسع لا تلتفت إليهم أقلام النقاد ولا تستوقف قصائدهم الدرس الأدبي، وأزعم أن هذا التجاهل لهذه الأجيال الجديدة سوف ينعكس على حركة النقد وسوف يعيد النقد نفسه من تكراره لتجارب شعرية قديمة ومعينة ويقف عندها.
د. زياد: لجوء الدراسات النقدية نحو السرد والإعلام الثقافي من أبرز الأسباب
د. المحسني: المبدع يكتب في قنوات التقنية فيعجز الناقد عن ملاحقته فيكتفي بالمطبوع منها
الرياض حملت هذا التساؤل إلى ثلة من النقاد فكانت هذه الإجابات:
في مطلع هذا الاستطلاع يتحدث لنا الناقد والأكاديمي الدكتور صالح زياد قائلاً: حين كانت المناهج المهيمنة في الدراسات النقدية الأدبية هي المناهج التي تتناول النص من خارجه، فتركز على سيرة المؤلف وحياته لتحيل على أحداثها ووقائعها ظواهر النص ومظاهره، كان الدارسون يتوهمون حرجاً في دراسة نتاج الأحياء من الشعراء والأدباء، بسبب ما تلجئهم إليه المتطلبات المنهجية من تقصٍّ سيري عن المؤلف يصل إلى أدق خصوصياته ويعلنها على الملأ، وذلك أمر لن يسر المؤلف ولن يجد الدارس من الأريحية أو الجرأة ما يطلق له العنان، إلا بتناول النتاج الكامل بعد موت صاحبه. وأعتقد أن قراءتنا لبعض المؤلفات النقدية الأدبية عن أبي نواس أو المتنبي –مثلاً- من هذه الوجهة النقدية تثبت لنا أن القيام بمثل هذه الدراسات وإعلان نتائجها في كتب لم يكن ليكون لو كان أبو نواس والمتنبي حاضرين في زمن إجراء الدراسة ونشرها. ولنتذكر أن الجامعات لم تكن غالباً تقبل تسجيل رسائل الماجستير والدكتوراه في الدراسات النقدية الأدبية عن أحياء، عندما كانت لهذه المنهجية الغلبة والهيمنة.
لكن الأمر اختلف بعدما هيمنت المناهج النصوصية التي تتناول النص من داخله، فتدرس كيفياته اللغوية أسلوبياً أو بنيوياً. إذ لم يعد هناك توهم حرج لأن المنهجية هنا تفصل النص عن سيرة مؤلفه وحياته ومقاصده. وجاء مصطلح "موت المؤلف" ليعبر عن هذا الانفصال، وليستبدل بمتطلب الموت الحقيقي للمؤلف موتاً مجازياً أو إجرائياً لا يترتب عليه أدنى حرج من المؤلف ومن المجتمع والثقافة. ومن هنا أصبحت الدراسات النقدية الأدبية تتناول نصوص الأحياء والأموات على حد سواء، وشهدنا دراسات ومؤلفات نقدية أدبية عن شعرائنا وروائيينا الأحياء، بل أصبحت الدراسات عن المؤلفين الأحياء تضاهي الدراسات عن الموتى إن لم تفقها عددا في نشاط التأليف والنشر في أيامنا. وفي الأقسام الجامعية مؤشر ذلك بوضوح فهناك رسائل عديدة عن الشعر والسرد لمؤلفين أحياء وبعضهم ما زال في سن الشباب.
د. الرشيد: الجيل الحاضر من الشعراء طوَّع الإعلام الجديد لخدمته فظهر نقادهم الجدد
د. المطوع: الموهوب لا ينتظر إجازة من ناقد ومركبة النقد لم تلحق بمركبة الشعر
أما إذا لا حظنا قلة الدراسات عن أسماء محددة من الأدباء الأحياء، فينبغي أن نأخذ ذلك ضمن حركة شاملة للدراسات النقدية الأدبية، تتضمن أكثر من سبب: فالدراسات المتجهة إلى السرد منذ عقدين أكثر من الدراسات المختصة في الشعر. والنص الشعري الحديث نص لا يسهل قياده عند عديد الدارسين، بسبب طبيعة الثقافة والتعليم التي يغلب عليها النص التقليدي. ولا ننسى أن للإعلام الثقافي ولمناشط الأندية الأدبية دوراً في توزيع الأضواء بطريقة تظلم بعض الأسماء الشعرية وربما السردية التي تستحق عناء الدراسة.
في حين يرى الناقد والأكاديمي الدكتور إبراهيم المطوع أن الشاعر هو الشخص الوحيد الذي يحدد ويختار المكان الذي يناسبه.. وأضاف أيضاً: غالباً ما يعبّر الشعراء الشباب عن علاقتهم المضطربة مع النقاد، فكل طرف يُلقى باللائمة على الآخر، فالشباب يرون أن النقاد يحتكرون المشهد الشعري، ولايمنحونهم الفرصة للظهور، بل ربما يتصورون أنهم يحاربونهم، ويقسون عليهم في النقد، والنقاد يرون أن الشاعر الموهوب المتمكن ليس بحاجة إلى إجازة من ناقد، فإذا تقبّله الجمهور، فلا سلطة للناقد عليه، وأنه ليس من وظيفة الناقد توزيع وثائق النجاح والاجتياز لكل شاعر جديد، فكم من شاعر اجتاز إلى الجمهور وإن لم يقتنع به الناقد، وكم من شاعر خذل الناقد بعد أن راهن عليه، ورآه مكسباً للشعر.
فالشاعر -في نظري- هو الشخص الوحيد الذي يحدّد ويختار الدرجة والمكان الذي يناسبه، وليس الناقد، سواء الناقد المتعاطف أو الناقد المناوئ، لأن للمتلقّي له سلطة كيميائية مُدهشة، تتلاشى أمامها مقاييس النقاد وقوانينهم، وتحليلاتهم.
ففي اعتقادي أن المسؤولية تقع على الشعراء، فمن أراد أن يُعتنى بشعره وشاعريته، فليظهر على السطح، ول(يُخلص) لموهبته ويتفرغ لها، ويطورها وينمّيها، ويزاحم ويسعى وراء تطوير أدواته، فالشاعر أحمد الصالح (مسافر) - كما يقول في سيرته - سافر إلى مصر ليعرض شعره على شعراء مصر، من أمثال: الشاعر صلاح عبدالصبور، الذي شجّعه إصدار ديوان،
كما اجتمع بالقاهرة بالشعراء أمل دنقل ومحمد أبوسنة وصالح جودت وحسن توفيق ومهران السيد ولما عاد إلى الرياض أعدّ مسودة ديوانه الأول (عندما يسقط العراف).
وليت شعراءنا الشباب يقرأون السير الشعرية للشعراء العرب والشعراء المحليين للتعرف على صور من بدايات عدد من شعراء المملكة، وكيف كان الاصرار والاخلاص للشعر سبباً في وصولهم إلى القراء، لذا أنصح الشعراء الشباب أن يقرأوا: كتاب التجربة الشعرية في المملكة: شهادات ونصوص، للأستاذ / خالد اليوسف، الصادر عن كرسي الأدب السعودي في جامعة الملك سعود عام 1435ه، وهو كتاب تحدث فيه أكثر من 30 شاعراً سعودياً معاصراً عن بداياتهم، ومحطات نشأتهم الشعرية، حتى أصبحوا أسماء لامعة.
د. أسماء: النص المدهش والجذاب يرسخ في الذاكرة الأدبية وهو محفز لوعي الناقد
السبعي: النقاد اهتموا بشعر المشهورين من ذوي الإنتاج الغزير فقط
جبريل سبعي
ويمضي المطوع قائلاً: ففي هذه الأيام بإمكان الشاعر الشاب أن يصل إلى الجمهور بوسائل مختلفة، وميسّرة ومتاحة، دون رقيب، ودون وسيط -من ناقد أو صحافة أو غيرها- بين الشاعر والناس، وهي وسائل لم تُتح للشعراء من الأجيال السابقة، الذين كانوا يتحيّنون فرصة ظهور قصائدهم من خلال جريدة أو مجلة، أو من خلال كتاب يؤرخ للأدب، أو من خلال إشادة ناقد.
والنقاد ومؤرخو الأدب ودارسوه هم معنيّون - فقط - بمن يعيش فوق السطح وفي الضوء، وإن ساعد ناقدّ ما -مرة- على نقل شاعر من منطقة الظل إلى منطقة الأضواء، وراهن عليه، فقد ينجح وينطلق، وقد يفشل ويخيب ظنه كما أشرنا.
ومن واقع تجربة: ففي بدايات عملي في كتابي عن حركة الشعر في القصيم قبل 15 سنة، كان من المتعيّن -منهجياً وأدبياً- رصد شعراء المنطقة، والتعرف عليهم، والاستشهاد بنماذج من شعرهم، وكان في المنطقة شعراء شبابٌ في الثلاثين من العمر ودونها، منهم: عبدالله الوشمي، وأحمد اللهيب، وبدر المطيري، وأحمد العرفج، ومحد الضالع، كانوا آنذاك قد ظهروا على السطح بقصائدهم التي كتبوها، ودفعوها إلى الصحافة، أو قرأوها في أمسيات شعرية، وأحدثت وهجاً حولها، ونبّأت بقدومهم إلى ميدان الشعر بدأبهم وإخلاصهم، فخاطبتُهم وتواصلتُ معهم - ومع آخرين غيرهم في سنّهم - وطلبت نماذج من شعرهم في مسوداته قبل أن يظهر في دواوين مطبوعة، فمنهم من تجاوب وتعاون معي، ومنهم من تكاسل، ولم يأخذ الأمر بجديّة لأسباب لا أعلمها، ففوّت على نفسه وعلى تاريخ الشعر في المنطقة فرصة التعريف به،فمن الملوم هنا؟ لقد أصبح هؤلاء الشعراء الشباب المذكورون أصواتاً شعرية متميزة، بفضل جهودهم ودافعيتهم الذاتية.
ويختتم الناقد المطوع رؤيته حول هذا المحور قائلاً: وعموما فمركبة النقد متأخرة عن مركبة الشعر ولا تستطيع اللحاق بها ومواكبتها، وتلك ظاهرة في كل العصور،لأن النقاد المؤهلين أقلّ على العموم من المبدعين، وكما سبق من لم يُسرع به استعداده وتكوينه الشعري، فلن يُبطئ به ما يقوله عنه النقاد.
نعم.. إن على الأندية الأدبية والمؤسسات التعليمية دوراً في مساعدة الشعراء الواعدين وتوجيههم، والأخذ بأيديهم، بعقد ورش عمل، ودورات في كتابة الشعر، ومسابقات في نظم الشعر، وحفظه، مع التأكيد أنها لن تولّد الموهبة، لكنها ستساعد قسما ممن يمتلكون الاستعداد والموهبة.. فحينئذ يكون للأندية دورٌ في احتوائهم ومساعدتهم.
من جهته علق الشاعر والناقد الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد: أن جيل الشباب أوفر حظاً من الأجيال الأخرى لعلاقتهم الوطيدة بقنوات الإعلام الجديد ورأى أيضاً: أظنّ أن المسألة خاضعة لناموس متكرر، فكل جيل لا يجد صدى لإبداعه في أول أمره، ولا يُلتَفت إليه، فإذا تجاوز فترة المحاولات والتجارب والتذبذب، وصارت لشعرائه شخصيات ظاهرة ذات فن متفرّد أو نموذجي، إذا وقع ذلك التفت النقاد إليه.
وعليه فالمسألة في نطاق الأمر الطبيعي جدّا بل إني أضيف: أن الجيل الحاضر – وأعني بهم الذين ما زالوا في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر- هم أوفر حظًّا من سابقيهم، ولاسيما الأجيال الأولى التي كانت تنشر بشق النفس وتتعب حتى تصل إلى وعاء إعلامي يقبل نشر نتاجها. فإن هذا الجيل الحاضر قد أمسك بتلابيب الإعلام الجديد وطوّعه لخدمته، فكان متنفسًا لزفراته وحسراته وأفراحه، ولم يعد الوصول إلى المتلقي صعبًا، وفي الوقت نفسه ظهر نقاد الإعلام الجديد، وهم نقاد متابعون وفي كثير منهم جدّ ومعرفة، فكانوا صوتًا رافدًا لإبداع الشعراء من جيلهم.
في فترة المنتديات والساحات النتّيّة صال الشعراء الجدد وجالوا، وصال معهم نقادهم الجدد، فأثرتْ بهم حركة نقدية على هامش الحركة النقدية الرسمية (إن صح التعبير).
وعلى ذلك فالمسألة عندي مقلوبة:فمن للشعراء من الجيل الأول والثاني وقد استحوذ الإبداع الجديد والنقد الجديد على ساحة الإعلام المتجدد وجزء من الإعلام التقليدي؟ ينبغي لنا -والوضع ما وصفتُ- أن نبادر باهتبال الإعلام الجديد لخدمة نتاج الأجيال السابقة التي تكاد تُنسى.
إلا أن الشاعر والناقد الدكتور عبدالرحمن حسن المحسني قد حث طلابه إلى البحث والتقصي عن الأصوات الجديدة ومضى يقول: أعتقد أن دراسة هذه الظاهرة يستدعي فتح عدة اتجاهات للحديث ومقاربتها من الكتابة النقدية المعاصرة:
أولها: النماذج النمطية على مستوى التجربة العربية حيث تجد الدراسات النقدية العربية عموما والسعودية خصوصا تتجه للنماذج النمطية لشعراء تكاثرت عليهم الدراسات كشوقي وحافظ وناجي وفي المملكة القصيبي والثبيتي.. وأسماء لا تتجاوز عشرات الشعراء في حين أن التجربة العربية فيها آلاف الشعراء، وفي تدريسي لطلاب الماجستير لمقرر الشعر العربي الحديث طلبت منهم أن يجوبوا التجربة العربية لاستخراج نص جديد لشاعر متمكن لم يخدمه الإعلام، بل وجهتهم لدول عربية لم تحظ باهتمام نقدي كليبيا وموريتانيا، وفعلا وجدنا نماذج تستحق الدراسة والمقاربة وتضيف بعدا مهما للتجربة العربية.
ثانياً: أسهمت التقنية في اتساع هذه الفجوة؛ حيث المبدع يكتب في مناطق ريما لم يصل لها الناقد فيكتفي الناقد بما تحت يده من أعمال في حين أن حركة النص تتحرك هناك، وقد كتبت مقالا نشر سميته (جناية النقد المعاصر) وفصلت فيه في هذه الرؤية.. قليلة تلك الدراسات التي تتماس مع حركة النص التفاعلي في الفيس بوك وتويتر والواتس أب.. لأن متابعتها وتحضير النص وتقديمه للمشهد الكتابي يحتاج لجهود كبيرة أولها وعي التقنية وصولا للتفاعل معها.
وللأكاديمية والناقدة الدكتور أسماء أبو بكر رأي حول هذه القضية التي ترى أن هذا التجاهل نسبي كما أن فكرة النماذج العليا قد تخلخلت.. وأضافت: الفرصة متاحة أمام المبدعين الجدد من جيل الشباب، لأن يطرقوا الساحة الأدبية ويحتلوا حيزاً متميزاً، ويكون المعول الأساس في امتلاكه والمحافظة عليه هو مدى قدرة هذا الأديب على صناعة نص أدبي مدهش وجذاب، مختلف وقادر على ترسيخ ذاته في الذاكرة الأدبية ولفت نظر النقاد إليه، من خلال الأشكال الإبداعية المتنافسة والمتميزة التي تتسم بطابع تجريبي، سواء أكان ذلك في مجال الشعر أو الروابة أو المسرح أو القصة القصيرة، لاسيما ونحن في عصر الثورة المعلوماتية التي وسعت رقعة النشر ونقلته من الورقي إلى الإلكتروني الذي كان له دور بارز في دعم النص الإبداعي الرقمي وسرعة نشره، ومن ثم فالنص المتميز هو ذلك النص المحفز لوعي الناقد.
وقضية تجاهل النقاد للأصوات الجديدة من شباب المبدعين هي عملية نسبية، فقد تصدق هذه الجملة على كثير من إبداعات الألفية الثانية، لكن الأمر تغير كثيراً في الألفية الثالثة التي تخلخلت فيها فكرة النماذج العليا، حين كانت عين الناقد مصوبة لجيل الكبار – ومشهوريهم من الأدباء أمثال: بدر شاكر السياب وأمل دنقل وأحمد عبدالمعطي حجازي ومحمود درويش ونجيب محفوظ ويحيى الطاهر عبدالله وعبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا والطيب صالح وحنة مينة وغيرهم من كبار المبدعين، وقد يحق للناقد موقفهم ذاك، إذ إن هذه الأسماء عانت كثيراً حتى ارتقت أعلى درجات المجد الأدبي، على خلاف بعض الأجيال الشابة المتعجلة للمجد دون أدوات تؤهلهم لذلك.
كما أن وقوف كثير من الناقد عند ظاهرة كبار المبدعين جعل جيل الشباب من المبدعين أسير هذه النتاجات الإبداعية من حيث استنسخ روحها مع اختلاف المكونات الحضارية والثقافية والإبداعية.
وقد ينغمس بعض مبدعي الجيل الجديد في أدغال التجريب ما يجعل بعض النقاد يقفون منهم حذرين في ظل بعض التجارب الشبابية التي تتسم بالضبابية وبعضها الآخر طلاسم لغوية قد ينشر كثير منها على الحساب الخاص للشخص نفسه، ما يجعل هذه التجارب تحتل حيزاً لا تستحقه.
وفي المقابل توجد إبداعات شبابية متميزة تتمتع بمهارة خاصة على المستوى التشكيل الأيديولوجي والفني، ما يؤهلها لأن تشع ألقاً يلفت إليها عيون النقاد.
وتواصل الناقدة أسماء: لكن قد لا تكون لدى الناقد القدرة على تلقي هذا الكم الكبير من النتاجات الإبداعية الورقية والإلكترونية المتوالية وفصل الغث عن الثمين وإعطائه صك دخول المدينة الفاضلة للإبداع فيظل بعض هؤلاء الناقد أسيري تجارب كبار المبدعين.
ويحمد للأندية الأدبية إقامة الملتقيات وإتاحة الفرصة للأصوات الإبداعية الشابة وتبني عدد منها في الأجناس المختلفة وطباعتها مديلة بتعليقات نقدية تمثل نافذة مرور للنص الإبداعي وهو ما يجب أن يقوم به الناقد تجاه الأصوات الإبداعية المتميزة.
ونختتم هذا الاستطلاع برؤية للناقد الأستاذ جبريل إسماعيل سبعي الذي يرى أن اقتراب الشاعر من منطقة الشعرية هو المعيار الذي يجب أن يؤخذ وقال في هذا الصدد:
يحدث أن يتفوق شاعر، أصغر سنا، وأحدث تجربة، على شاعر آخر، أكبر منه سنا، وأطول تجربة، والمعيار في ذلك -حينئذ- ليس السن، وليس طول التجربة، أو حتى غزارة الإنتاج، وإنما اللغة، ومدى اقترابها من منطقة الشعرية، هذا هو المعيار الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار، حين النظر في شاعرية شاعر، أو فيما أنتج من شعر، ولكن الحاصل هو اهتمام النقاد، بعدد من الشعراء القدامى؛ لاعتبارات عدة، لعل أولها: اعتراف المؤسسات الرسمية بأولئك الشعراء الذين على مدى أزمان طويلة بنوا كياناتهم فيها، ثانيا: اكتمال مجموعاتهم الشعرية، الأمر الذي سمح باتخاذها موضوعا جاهزا للدراسة الأكاديمية، ثالثاً: غزارة إنتاجهم بالمقارنة مع الشعراء الذين مازالوا في بداية تدفقهم الشعري، رابعا: شهرتهم من جهة، واقترابهم من السلطة عادة من جهة أخرى، ما جعلهم محط عناية الضمير الثقافي بشكل عام.
د. عبدالرحمن المحسني
د. صالح زياد
د. إبراهيم المطوع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.