تخطت خسائر الاقتصاد الفلسطيني منذ اندلاع انتفاضة المسجد الأقصى ونتيجة الحصار الإسرائيلي، ثلاثة أضعاف ما قدمته الدول المانحة الى الشعب الفلسطيني في الأشهر الستة الأولى من عام 2000، وقُدّر حجمها بنحو 58 مليون دولار أميركي. فالخسائر اليومية تصل الى نحو 5،19 مليون دولار، منها 5،3 هي خسائر العاملين داخل الخط الأخضر، فيما تراجع أداء المصارف بالمقارنة مع الأشهر الماضية نتيجة رغبة أفراد المجتمع الفلسطيني في الاحتفاظ بالنقد سائلاً. أورد هذه الأرقام الحديثة عن الاقتصاد الفلسطيني بعد الانتفاضة، وخلال شهر من بدئها، محافظ سلطة النقد الفلسطينية فؤاد بسيسو في ورقة عمل قدّمها في المؤتمر المصرفي العربي الذي نظمه اتحاد المصارف العربية في بيروت الأسبوع الماضي، وحظيت باهتمام المشاركين الذين اعتبروا ما تضمنتها من أرقام، لافتاً وحديثاً يبرز واقعاً دقيقاً للاقتصاد الفلسطيني في كل قطاعاته. وتوقع بسيسو "ان تكون الخسائر غير المباشرة التي ستلحق بالقطاعات الاقتصادية الفلسطينية، كبيرة جداً في المرحلة المقبلة، حتى أنها يمكن أن تفوق الخسائر المباشرة وغير المباشرة، ما يلحق ضرراً بالمناخ الاستثماري ويؤدي الى تراجع رغبة المستثمرين الخارجيين في إقامة المشاريع الاستثمارية في الأراضي الفلسطينية". وكشف أن "جزءاً من هذه الخسائر ظهر على السطح وتمثّل في تجميد عدد من اصحاب الاستثمارات مشاريعهم التي حصلوا على مصادقة رسمية لتنفيذها وتجاوزت قيمتها 80 مليون دولار". وأعلن أيضاً وقف عدد من المشاريع التي تنفذها الدول المانحة في المناطق الفلسطينية بسبب الحصار الإسرائيلي. ضمَّن بسيسو ورقة العمل ثلاثة محاور: الأول تناول الوضع العام للقطاع المصرفي الفلسطيني وتطوره بين العام 1995 وآب اغسطس 2000. وعرض الثاني موجزاً عن تأثير الانتفاضة في الاقتصاد الفلسطيني عموماً والقطاع المصرفي خصوصاً. وتحدّث في المحور الثالث عن الدور المتوقع للقطاعين المصرفيين الفلسطيني والعربي في ظل التطورات الفلسطينية المحتملة. عرض المحور الأول ما حققته سلطة النقد الفلسطينية منذ تأسيسها في نهاية العام 1994 الى الآن، من إنجازات كمية ونوعية. فأشار الى أن "أرقام القطاع المصرفي تشير الى توسع في عدد المصارف وفروعها، فبعدما كان القطاع المصرفي يضم سبعة مصارف 2 وطنيان و7 عربية وأجنبية عام 1994، أصبح يضم الآن 22 مصرفاً، منها 9 وطنية تملك 50 فرعاً من أصل 118. وسجلت الموجودات أيضاً تطوراً نسبته 176 في المئة بين نهاىة 1995 وآب 2000، ليبلغ حجمها 4725 مليون دولار، وهي حققت نمواً في الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة نسبته 5،22 في المئة. كذلك ارتفعت قيمة ودائع العملاء بنسبة 190 في المئة في المدة نفسها، لتبلغ قيمتها نحو 3628 مليون دولار، وهي حققت قفزة في الأشهر الثمانية الأولى من السنة بنسبة 2،26 في المئة وهي تفوق نسب النمو المحققة في السنوات الثلاث الماضية". وفي مجال التسهيلات الائتمانية، حققت نمواً نسبته 418 في المئة إذ بلغت قيمتها 1434 مليون دولار في آب 2000 بالمقارنة مع نهاية عام 1995. وحاز قطاع التجارة العامة نسبة 28 في المئة من إجمالي القيمة، ما يعكس الأجل القصير لهذه التسهيلات، بينما نالت الصناعة العامة نسبة 5،9 في المئة، وانخفضت حصة قطاع الإنشاءات لتبلغ نحو 12 في المئة، خُصص نصفها للتعهدات العامة. واستقرت حصص قطاعات النقل والزراعة والسياحة والخدمات من دون أن تتجاوز نسبة 5 في المئة. واستمر ارتفاع حصة الدولار الأميركي من التسهيلات المقدمة من المصارف الى القطاعات الاقتصادية المختلفة، وإن في شكل طفيف، فارتفعت لتصل الى 8،56 في المئة من مجمل التسهيلات المقدمة على حساب التسهيلات المقدمة بالدينار الأردني التي استحوذت على 9،18 في المئة. وفي المقابل ارتفعت حصة القروض المقدمة بالشيكل لتصل الى 23 في المئة". ولفت بسيسو الى أن "سلطة النقد تعمل على اعتماد المصارف العاملة في فلسطين المعايير والأسس الدولية للعمل المصرفي، وهي تتمثل بمقررات لجنة "بازل" والأعراف المصرفية الدولية. وأسهمت أيضاً في الدراسات التمهيدية التي أدت الى تأسيس شركة فلسطين لتمويل الرهن العقاري وإيجاد مؤسسة تقدم الخدمات المصرفية للمصارف. وأعدت دراسات مهّدت لتأسيس شركة الخدمات المصرفية وهي مساهم في الرأسمال". وقال إن "الشركة بالتعاون مع سلطة النقد تعدّ الآن للبدء بتنفيذ مشروع المقاصة الآلية الذي سيضطلع بدور في تطوير عمل الجهاز المصرفي وتطوير عمل نظام المدفوعات الفلسطيني". البطالة 50 في المئة في المحور الثاني، تحدّث بسيسو عن تأثير الانتفاضة في الاقتصاد الفلسطيني عموماً والقطاع المصرفي خصوصاً. فلفت الى أن "إغلاق قوات الاحتلال الحدود والمنافذ التي تربط الأراضي الفلسطينية بالعالم الخارجي والطوق الذي ضربته على المدن الفلسطينية في الضفة، أديا الى فقدان التواصل، وإلحاق خسائر بالصناعات الفلسطينية". وتوقع أن "يستمر تأثير هذا التراجع لمدة طويلة وخصوصاً ما يتعلق بالاستثمارات الخارجية". واعتبر أن "القطاع الصناعي أبرز القطاعات المتضررة من الممارسات الإسرائيلية الأخيرة. وقدّرت وزارة الصناعة الفلسطينية تلك الخسائر بنحو خمسة ملايين دولار يومياً". وأوضح أن "الأزمة التي يواجهها القطاع تعود الى عوامل عدة أهمها أن أكثر من 75 في المئة من المواد الخام يستورد من الخارج أو من إسرائيل فضلاً عن عدم السماح بخروج المواد المصنّعة للتصدير الى أسواقها الخارجية وإغلاق المناطق الصناعية على رغم وجود اتفاق مع الجانب الإسرائيلي، باستثناء تلك المناطق، من أي إجراءات في حالات الإغلاق، ما جعل المصانع الفلسطينية تعمل بنسبة 20 في المئة من إنتاجيتها". وعلى المستوى الفرعي للصناعات عرض بسيسو نسب تراجع إنتاج بعض الصناعات لعدم السماح بدخول المواد الأولية، مشيراً الى "خفض إنتاج الصناعات الإنشائية الى 10 في المئة من طاقتها الإنتاجية و20 في المئة للصناعات الغذائية و25 في المئة للصناعات الكيماوية وصناعات الجلد والمطاط و15 في المئة لصناعات الحجر والرخام، والنصف في الصناعات الهندسية والميكانيكية والكهربائية. فيما توقفت صناعات النسيج والملابس تماماً". في مجال العمالة، قدَّر بسيسو الخسائر اليومية لقطاع العمالة الفلسطينية العاملة داخل الخط الأخضر فلسطين عام 1948 بنحو 5،3 ملايين دولار أميركي ما رفع معدّل البطالة الى نحو 50 في المئة. التجارة الخارجية وتناول قطاع التجارة الخارجية بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبينهما وبين العالم الخارجي، إذ تم توقيف نحو 120 شاحنة عن عملها اليومي عبر المعبر الشمالي لقطاع غزة. وحُجزت 1700 حاوية بضائع تخص مستوردين فلسطينيين، وأيضاً 900 سيارة و3 بواخر محملة بالإسمنت في ميناء أشدود الإسرائيلي. القطاع المصرفي أما الانعكاسات على القطاع المصرفي، فقد ردّها بسيسو الى تعطيل السلطات الإسرائيلية عملية نقل الشيكات والبريد العائد الى المصارف بين المدن المختلفة وإعاقته عمل المقاصة الفلسطينية، ما أدى الى تأخير امتد أياماً عدة في تحصيل شيكات متعاملي المصارف ومواجهة مشكلات سيولة ولعدم القدرة على تسييل الشيكات التي في حوزتهم. وتمثل أيضاً بوقف نقل الأموال السائلة بين المدن الفلسطينية المختلفة. وفي شكل عام تعاني فروع المصارف في الضفة عجزاً في الدينار الأردني وفائضاً في الدولار الأميركي، بينما تعاني فروع المصارف في قطاع غزة وضعاً معاكساً، فضلاً عن استحالة وصول الموظفين الى أماكن عملهم وكذلك متعاملي المصارف". أما المحور الثالث، فتضمّن ثلاثة سيناريوهات مستقبلية للوضع القائم: الأول متفائل بعودة العملية السلمية الى مسارها ما يوجب دعماً من المصارف الفلسطينية لتمويل الاستثمارات، ومن المصارف العربية لتخصيص أموال إضافية. فيما يفترض السيناريو الثاني استمراراً للوضع القائم ما يفرض تحركاً سياسياً يخرج المنطقة من دوامة العنف في المنطقة، فيما السيناريو الثالث متشائم لوقف عملية السلام ما يؤدي بإسرائيل على فصل اقتصادي بينها وبين المناطق الفلسطينية، وتقوم السلطة بدرس البدائل للتعامل مع هذا الوضع.