قام رئيس المجلس النيابي نبيه بري بخطوة استيعابية للأجواء المسيحية المطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان، حين أعلن أمس ان "القيادتين اللبنانية والسورية ستجتمعان لتحديد مراكز تموضع القوات السورية" بعد لقائه البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير. وقال بري في تصريح بعد خلوة استمرت ساعة وعشر دقائق مع صفير ان "الاخوة السوريين بدأوا اعادة انتشارهم في نيسان ابريل الماضي، وفي كل الحالات ستستكمل اعادة الانتشار في القريب العاجل وستجتمع القيادتان اللبنانية والسورية لتحديد مراكز تموضع القوات السورية نتيجة خطة الانتشار الجديدة". وجاء لقاء بري هذا مع صفير تتويجاً لحوار طويل، بين البطريركية المارونية ورئيس المجلس النيابي، عبر مقربين من الفريقين، بدأ منذ الربيع الماضي، قبيل الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان، وبعلم من القيادة السورية والرئيس السوري بشار الأسد، قبل وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد. وعلمت "الحياة" ان صفير كلف، في حينه، أحد المطارنة الذي سمى فريقاً عقد جلسات حوار عدة مع فريق سماه بري، يضم بعض معاونيه ومنهم الوزير الحالي النائب محمد عبدالحميد بيضون. وإذ قالت مصادر الذين شاركوا في هذا الحوار انه أدى دوراً في طمأنة الموقف المسيحي الى مرحلة ما بعد الانسحاب الاسرائيلي وأوضاع المسيحيين في المناطق الجنوبية، فانه لم يتوصل الى نتيجة في ما يتعلق بالعلاقة مع سورية. وأفادت مصادر ثقة "الحياة" ان الحوار تجدد بعد الانتخابات النيابية، في لقاءات عدة، شارك فيها من جانب المقربين الى صفير، سمير حميد فرنجية الذي يؤدي دوراً في الحوار بين صفير ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومن المقربين الى بري، شقيقه الدكتور محمود بري. والبارز في تصريحات بري بعد لقائه صفير أمس، اضافة الى حديثه عن تحديد مراكز تموضع القوات السورية نتيجة خطة جديدة، تركيزه على تطبيق اتفاق الطائف. وقال بري ان صفير والبطريركية المارونية لم يكونا في يوم من الأيام في كل طروحاتهما يقولان كلاماً معادياً لسورية، ولولا الحماية التي قدمها البطريرك شخصياً في مسألة اتفاق الطائف، لما كان الطائف في الأساس ولما تم توقيعه، اذ كانت هناك مشاورات في هذه المسألة. البطريرك لا يزال يتحدث تحت سقف الطائف وربما نحن لدينا ملاحظات وهو كذلك على اتفاق الطائف وأنا شخصياً لي ملاحظات على الطائف اكثر منه، ولكن في النهاية ارتضينا هذا الأمر وأصبح جزءاً من الدستور اللبناني وعلينا ان نكمل هذه الطريق". وكان بري استهل تصريحه بالاشارة الى "شرخ بين اللبنانيين وانقسامات في العام الأخير تهدد انتصارات شعبنا وأهلنا في الجنوب على العدو الاسرائيلي، بطرده للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، من دون تنازلات أو مفاوضات". وإذ رأى "ان هذه الانقسامات تؤثر في الوحدة الوطنية التي كانت بكركي قبل الطائف وإبانه وبعده أحد حراسها، فكان من الطبيعي ان تكون اتصالات دائمة وقنوات اتصال بين البرلمان وبكركي...". وأعلن بري "أمرين"، الأول شدد فيه على "ان لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه ولا يستطيع اي لبناني ان يزايد على آخر بعروبته وسيادته". وأكد ان "النظام الديموقراطي في لبنان يفرض ان تحكم الأكثرية الاقلية... برعاية الأب الصالح، اي بالحرية والاسلوب الديموقراطي ما يؤكد ضمان الحريات ووقف التدخلات والتنصت والاعتقالات الا بموجب القانون. والمجلس النيابي ضمان حقيقي لمراقبة هذه الأمور...". وقال بري: "سأقوم في هذا الاطار بكل الاتصالات اللازمة داخل المجلس او خارجه ولا ممنوعات عندي لأننا جميعاً أبناء وطن واحد والاختلاف في الرأي أمر طبيعي". وأشار الى "ما يحكى عن اعادة انتشار الجيش السوري"، معتبراً ان "من غير الجائز في أي شكل ان تكون هناك مقارنة بين العدو الاسرائيلي والشقيق السوري لأنه أمر مصيب ويعني اننا لا نميز بين الصديق والعدو". واعتبر "عيباً القول إن على سورية ان تسحب جيشها من لبنان لأن اسرائيل انسحبت"، مذكراً بأن "المقاومة لم يكن في امكانها ان تطرد العدو الاسرائيلي لولا الوجود السوري والوحدة الوطنية". وقال "إن اسرائيل بدأت انسحابها في 25 أيار مايو فيما الجيش السوري بدأ اعادة انتشاره في نيسان". وحين سئل بري هل يعني تحديد مراكز تموضع سورية تمهيداً للانسحاب؟ قال: "عندما نقول اعادة انتشار، نعني انسحاباً وفق اتفاق الطائف وأعرف ان بعض الناس لا يريدون الاتفاق، ويريدون الاستفادة من الجو القائم وأنا أريد ان أخيّب ظن هؤلاء... المنطقة تغلي وعلينا الوصول الى شيء". ووعد بري بتعاون البرلمان مع رئاسة الجمهورية والحكومة لاصدار قانون للانتخابات النيابية لا تمييز فيه بين منطقة وأخرى كذلك بالنسبة الى اللامركزية الادارية والقضاء المستقل. وكان بري التقى أهالي معتقلين في السجون السورية على مدخل البطريركية، فأعلن انه وعدهم بأن يسعى خلال شهر ونصف الشهر الى وضع لائحة بأسمائهم وتخليتهم وتسليم من ينفذ حكماً منهم الى القضاء اللبناني، مشيراً الى ان بعض المعلومات يفيد ان عددهم 40. وقال انه قابل صفير بصفته رئيساً للمجلس النيابي، "لا محامياً عن سورية"، مؤكداً "حرصه على العلاقات المميزة بين البلدين وعلى علاقة متينة بين البطريركية وسورية من دون ان يكون متحدثاً باسمها". ونفى ان يكون البحث تطرق الى مشروع قانون للعفو. وأمل بتهدئة الاجواء بعد الذي أعلنه في تصريحاته. واستقبل صفير وفداً طالبياً قال أحد أعضائه متهكماً: "اذا اردت دخول الجامعة اللبنانية عليك ان تكون سورياً". فرد البطريرك "هذا غير صحيح ومرفوض. الجامعات اللبنانية للبنانيين أولاً ثم لغيرهم. ولم تقفل في وجه طالبي العلم". ودعا الطلاب الى "خوض معركة العلم قبل خوض المعارك السياسية".