حفلت أمس، مناسبة تكريم البطريرك الماروني في لبنان نصرالله صفير لمرور 25 سنة على اعتلائه السدة البطريركية و50 سنة على أسقفيته ومرور 61 سنة على رسامته كاهناً، باللقاءات الجامعة سياسياً في بكركي، لكنها لم تخلُ من بعض الإشكالات السياسية أيضاً بحجة البروتوكول، فيما غاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية. وشاركت الدولة في القداس الاحتفالي الذي أقيم في الصرح البطريركي وكان بمثابة احتفال وداعي للبطريرك الذي قبل الفاتيكان استقالته ويستعد سينودس المطارنة الموارنة لانتخاب خلف له اعتباراً من الأربعاء المقبل، من رأس هرمها ممثلة برئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي رافقته زوجته وفاء، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري (الذي أتى الى بكركي بعد انقطاع طويل) والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي والموفد البابوي رئيس مجلس الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري، وصولاً الى قاعدة الدولة السياسية ممثلة بحشد من الوزراء والنواب والديبلوماسيين. وحملت الكلمات التي ألقيت رسائل سياسية، فاستغفر البطريرك المكرم «من ظن أنه أساء إليه بأي طريقة»، فيما أكد الموفد البابوي أن «من دون المكون المسيحي في لبنان، لم يكن باستطاعة لبنان ممارسة دوره التاريخي لا في المستقبل ولا في الماضي وهو دور تاريخي روحي وثقافي»، وعقدت لقاءات وخلوات على هامش الاحتفال بين صفير وكل من الرئيسين سليمان وميقاتي، وبين الرئيس المكلف والموفد البابوي رئيس مجلس الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري والسفير البابوي غبريال كاتشا اللذين اغتنما المناسبة لاستيضاح بعض مفاصل الوضع في لبنان والاتصالات التي يقوم بها لتشكيل الحكومة، ناقلين دعم الكرسي الرسولي للاستقرار والوفاق في لبنان. حضر القداس الاحتفالي الرئيس السابق أمين الجميل، أرملتا رئيسي الجمهورية السابقين صولانج بشير الجميل، منى الياس الهراوي، الرئيس حسين الحسيني، نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا، رئيس «المؤسسة المارونية للانتشار» الوزير السابق ميشال إدة، قائد الجيش العماد جان قهوجي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، كما حضر ممثلو البعثات الديبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدون وفاعليات. وبدأ القداس بدخول المطارنة الى الكنيسة وعلى رأسهم صفير الذي قوبل بالتصفيق الحاد. وبعد الصلاة، ألقى النائب البطريركي العام المطران رولان أبو جودة كلمة باسم المطارنة تحدث فيها عن مزايا البطريرك صفير وإنجازاته، فقال: « تسعون سنة في خدمة لبنان والإنسان، ولم يتهاون بطريركنا في قيادة السفينة، فاحترمنا فيه نبل الحرية في الاستماع الى الآراء المختلفة، كما أنه لم يقفل أبواب بكركي أمام أحد لا سيما من انتقده وخالفه الرأي». وزاد: «هو رجل الحوار، وأهم ما في خطاب البطريرك، ولغته وحياته انه يقبل الآخر المختلف عنه، ديناً وسياسة. وعرف ان يحاور الجميع ويلتقي الزعماء الدينيين والسياسيين في بكركي وفي بيروت وفي الخارج. كما أبدى طوال حياته، رغبة في إبقاء الوطن لجميع أبنائه واحداً، سيداً، حراً مستقلاً، وحذّر من إلغاء الطائفية السياسية من النصوص قبل اقتلاعها من النفوس». وتابع: «هو بطريرك الحرية المسؤولة، وندر أن تسمع كلمة للبطريرك صفير ليس فيها موقع مميز للحرية، او للقرار الحر، فكلامه على «العيش المشترك» في لبنان او الحياة المشتركة كان محوره «الاحترام المتبادل في جو من الحرية المسؤولة»، فالحرية من ثوابت الموارنة وأولوياتهم، وفي اعتقاد البطريرك ان الموارنة كالسمك في البحر لا يمكنهم ان يعيشوا من دون حرية. الحرية اساس البناء اللبناني، وقد آمن بها، فإذا بها اليوم وسط الغضب الذي يلف المنطقة، الأيقونة التي نستقوي بها جميعاً». وتابع: «أنا اعتذر منك اليوم، باسمي وباسم كل الموارنة، ان سمحوا لي، اننا، عن خطأ أو صواب، عن حسن نية او عن سوئها، تقاسمنا رداءك، وحاولنا انتزاعك من موقع الراعي الى موقع الفريق، وما كنت يوماً مؤمناً إلا بلبنان الواحد، بكل شعبه، بكل فئاته، بكل طوائفه، ولا فضل لواحد على الآخر إلا بمقدار محبته هذا الوطن. وأمامك أعترف، يا سيدي باسمي واسم إخوتي المطارنة، اننا خلال خدمتنا معك، هذه السنوات الطويلة تباينت أفكارنا حيناً واختلف تقييمنا للأمور أحياناً، ولكننا آمنا ببعد رؤياك وصدق آرائك وشجاعتك في المواجهة والمقاومة وتوكلك على الله». وألقى صفير عظة شكر فيها للرؤساء والنواب والوزراء وجودهم في الاحتفال، وتناول سيرته الكنسية إلى سيامته الأسقفية وصولاً الى السدّة البطريركية على مدى 25 سنة. وتحدث عن زياراته الرعائية في لبنان والمهجر للقاء اللبنانيين، ولفت إلى أن كل ما وجّهه من دعوات كان «عند الحاجة لتمتين أواصر التعاون بين جميع اللبنانيين». وشكر صفير لله «ما أتاني ان اقوم به لخدمة إخواني في هذا الوطن العزيز علينا جميعاً وإني أستغفر من ظن أني أسات إليه، بأي طريقة كانت، وأطلب من الله أن يكلأ بعين عطفه وعنايته بلدنا لبنان وجميع أبنائه، وكلهم مؤمنون به تعالى، وأن يهدينا جميعاً الى ما فيه رضاه ونيل بركاته». وأشاد ساندري ب «الدور الذي تلعبه الكنيسة المارونية منذ عقود من قبل بطاركتها بقولبة هوية الوطن». وقال: «أتوجه بالتحية الى رئيس الجمهورية اللبنانية. حضوره يشرف لبنان وغبطة البطريرك ويشرف أيضاً الكرسي الرسولي ويؤكد الدور الذي تلعبه الكنيسة المارونية منذ عقود من قبل بطاركتها بقولبة هوية الوطن. وفي الواقع من دون هذا المكون المسيحي في لبنان، لم يكن باستطاعة لبنان ممارسة دوره التاريخي لا في المستقبل ولا في الماضي وهو دور تاريخي روحي وثقافي أوكل اليه كرسول سلام» . وتوجه الى صفير منوهاً ب «كل العمل الصالح والخير الذي قمتم به من اجل الكنيسة ككاهن ومطران وبطريرك وكاردينال في الكنيسة الكاثوليكية. وذلك في اللحظات الأليمة والأوقات الحرجة أرادكم أملاً ورجاء لأبنائه». وقدم لصفير هدية من البابا عبارة عن كأس القربان المقدس. رسالة البابا وتلا كاتشيا رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر الى صفير وفيها: «بدأتم هذه المهمة النبيلة كبطريرك لأنطاكية وسائر المشرق في خضم الحرب التي عصفت بلبنان لسنوات طويلة. ومع الرغبة العارمة والصلبة بتحقيق السلام في بلدكم، استطعتم قيادة الكنيسة واستنهاض العالم من أجل دعم شعبكم الذي كان يقبل على الهجرة وترك الوطن بقوة. السلام في النهاية عاد الى بلدكم ولكنه لا يزال هشاً الا انه أصبح أمراً حسياً واقعياً ملموساً». وبعد انتهاء القداس توجه المهنئون الى باحة الصرح لتهنئة البطريرك صفير ووجهت الدعوة الى كل من سليمان وبري وميقاتي الى المشاركة في مأدبة غداء بكركي، فاعتذر سليمان وبري لظروف خاصة بهما، في حين لبى ميقاتي الدعوة الى مأدبة شارك فيها: ممثل البابا بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس الثالث يونان، بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، المطران أبو جودة، السفير البابوي. خلوتا صفير مع سليمان وميقاتي وكان رئيس الجمهورية عقد فور وصوله الى بكركي خلوة مع البطريرك صفير تناولت المستجدات، وقبيل مأدبة الغداء عقد لقاء بين ميقاتي والبطريرك صفير في صالون الصرح تمنّى خلاله صفير التوفيق لميقاتي في تشكيل الحكومة وجمع شمل اللبنانيين ومعالجة المشكلات الكثيرة التي يعاني منها لبنان. وعقد ميقاتي، لقاء مع ممثل البابا والسفير البابوي اللذين تمنيا له، وفق البيان الصادر عن مكتب ميقاتي الإعلامي، «التوفيق في مهامه ونوها بمواقفه الوطنية المعتدلة الداعية الى وحدة اللبنانيين ومعالجة المسائل كافة بالحوار الهادئ والبناء. كما نوها بحضور الرئيس ميقاتي المميز على الساحة السياسية في لبنان». واستوضح ممثل البابا من ميقاتي «عن الاتصالات التي يجريها لتشكيل الحكومة الجديدة ونقل إليه تمنيات البابا للبنان بالاستقرار، ودعوته القيادات اللبنانية الى جمع الشمل للنهوض بلبنان كي يبقى محافظاً على دوره المميز في لبنان والعالم. وأبدى ممثل البابا ارتياحه لما سمعه من الرئيس ميقاتي من أنه يكثف اتصالاته لتشكيل حكومة جامعة». وأدلى ميقاتي بتصريح قال فيه: «ما رأيناه اليوم من تكريم لصاحب الغبطة جزء قليل مما يستحقه من تكريم وتقدير، ففي خلال مسيرته البطريركية سطر غبطته صفحات مهمة من تاريخ لبنان، نابضة بالوطنية والمحبة والتمسك بوحدة لبنان والعيش المشترك بين جميع أبنائه». انسحاب «التيار الحر» و «المردة» وكان انسحب من الاحتفال الوزراء جبران باسيل وفادي عبود ويوسف سعادة معبرين عن استيائهم لما اعتبروه «خطأ بروتوكولياً» فلم يشارك باسيل في القداس فيما شارك الوزيران عبود وسعادة فيه ثم غادرا فور انتهائه من دون المشاركة في استقبالات التهنئة. وعزا الوزراء الثلاثة تصرفهم هذا لجلوس جعجع في المقعد الأمامي والى جانبه زوجته، الأمر الذي اعتبروه خطأ بروتوكولياً لكون جعجع وزوجته تقدما عليهما في المقاعد الأمامية. ولاحقاً، أعلن بروتوكول بكركي أنه جرى تخصيص مقعد لجعجع في الأمام «لأنه رئيس كتلة نيابية ووزارية».